ان اليمن محل إشادة في السنوات الأخيرة من قبل الإدارة الأمريكية باعتباره النموذج الذي تسعى الولاياتالمتحدة لتطبيقه في منطقة الشرق الأوسط. ففي أعقاب ثورات الربيع العربي التي هبت رياحها على اليمن في عام 2011، ساعدت الإدارة الأمريكية اليمن على إنجاز التداول السلمي للسلطة من الرئيس علي عبد الله صالح إلى نائبه عبد ربه منصور هادي، الحليف القوي لأمريكا. وفي الآونة الأخيرة أشاد الرئيس الأمريكي مرة أخرى باليمن باعتباره نموذجًا يمكن للولايات المتحدة أن تدعمه في مكافحة الإرهاب. وتمثل الدعم الأمريكي آنذاك في إيفاد مستشارين وطائرات أمريكية بدون طيار في غياب القوات القتالية. غير أن الأيام القليلة الماضية كشفت زيف تلك الادعاءات والإشادات إلى الحد الذي لم يرد فيه ذكر اليمن في خطاب الاتحاد الذي ألقاه أوباما مؤخرًا. فقد تمكنت ميلشيا الحوثي، وهي الجماعة الشيعية المسلحة والتي تدعمها إيران، من السيطرة على القصر الرئاسي في العاصمة اليمنية صنعاء، ولم يتم إطلاق سراح الرئيس إلا بعد أن تعهد بإشراكهم في السلطة بحسب ما ذكر موقع ساسة بوست ترجمة عن The Yemen Model goes down in flames. وفي الوقت الذي تبدي فيه العشائر السنية، التي تهدد بالدخول في مواجهة مع الحوثيين، امتعاضًا إزاء تلك التحركات، فإن الأمور قد تفضي إلى تحالف سنّي مع تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، وهو التنظيم الإرهابي الذي أعلن مسؤوليته مؤخرًا عن مجزرة شارلي إبدو في باريس. من ناحية أخرى، أعلنت المملكة العربية السعودية، الراعي الرئيسي لحكومة الرئيس منصور والخصم الأساسي لإيران، عن وقف مساعداتها لليمن طالما كانت تحت سيطرة الحوثيين. باختصار، بات اليمن على مقربة من السقوط في هاوية الصراعات الأهلية، شأنه في ذلك شأن سوريا وليبيا، وهو ما من شأنه أن يجعل من اليمن ممثلًا لسياسة أوباما الخارجية في الشرق الأوسط، ولكن ليس بالطريقة التي يقصدها الرئيس. كانت الإدارة الأمريكية قد انتهجت خطابًا أقل حدة إزاء الحوثيين في الأسابيع الأخيرة. وربما يرجع ذلك إلى رغبة البعض، سواءً من داخل الإدارة أو خارجها، في رؤية الحوثيين كحلفاء نظرًا لدورهم في مواجهة تنظيم القاعدة في جزيرة العرب. غير أن ذلك نهج خاطئ. فالحوثيون، كما هو الحال مع حزب الله، هم ميليشيات يتم دعمها من إيران، وتتبنى شعارات من قبيل “الله أكبر، الموت لأمريكا والموت لإسرائيل”. إن أية محاولات لموائمة السياسة الأمريكية مع الحوثيين ستدفع بالسنة إلى معسكرات تنظيم القاعدة كما حدث في سوريا والعراق. ولا ننسى في هذا الإطار أن التقارب الأمريكي الإيراني ساهم في انضمام الكثيرين من السنة إلى صفوف التنظيمات الجهادية كتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” وجبهة النصرة التابعة لتنظيم القاعدة في سوريا. لن يكون هناك من حلول واضحة وسهلة للوضع في اليمن سوى الحاجة المستمرة لدعم المعتدلين هناك من أمثال هادي، وكذا الضغط من أجل التوصل لحلول سياسية ناجعة. تلك الحلول قد تكون بديلة لقتل عدد من الإرهابيين في الغارات الجوية الأمريكية التي بدت النهج المفضل لإدارة أوباما في الشرق الأوسط. ترتبط السياسة الأمريكية في الشرق الأوسط بسياسة الخمول العام وفك الارتباط الذي يتخلله موجات متتابعة من العنف الموجه بعناية، سياسة لا تغني ولا تسمن من جوع. إن الإدارة لم تسهم في خلق الفوضى التي تجتاح الشرق الأوسط حاليًا. تلك الفوضى التي كانت حاضنةً للتطرف في المنطقة، والتي لم تفعل أمريكا شيئًا بعد لإيقافها. حتى أن الرئيس الفرنسي، فرانسوا هولاند، انتقد الإدارة الأمريكية وسياساتها التي تسببت في خلق فراغ في السلطة في الشرق الأوسط. وإذا كان خطاب الاتحاد قد عكس حالة من الغرور لدى الرئيس الأمريكي بفعل الأخبار الاقتصادية الجيدة، فقد بات عليه أن يأخذ الأمور على محمل الجد لمعالجة الفشل الكارثي لسياسته الخارجية في اليمن وخارجها.