تهديد أمن واستقرار البلاد هي التهمة الجاهزة والمعلبة التي خصصتها الأنظمة العربية لمواجهة التيارات الإسلامية فيها على مدار ما يقارب القرن من الزمان, وبهذه التهمة أُعدم من أُعدم وعُذب من عُذب, وقضى الآلاف من أنقى وأتقى شباب ورجال الوطن العربي زهرات عمرهم في غيابات السجون. واليوم وقد أظلنا الربيع العربي.. الذي سطعت فيه شمس الحرية على بلاد فُرض على شعوبها ليلٌ طويل حالك سواده، فإن الحراك الثوري يفرز لنا حقيقة لا تخطئها عين؛ تدحض كل أباطيل أكابر المجرمين من سدنة الأنظمة الفاسدة البائدة، وهي أن التيارات الإسلامية على اختلاف أطيافها هي الحريصة بكل ما أوتيت من قوة على أمن واستقرار البلاد؛ ولا يعني هذا الجزم بعدم وجود أصوات نشاز نادرة هنا أو هناك؛ فالإسلاميون بالنهاية بشر ليسوا ملائكة ولا معصومين؛ ولكن حديثنا هنا عن التوجه العام. فإذا أخذنا مصر كمثال نجد أن الإسلاميين الذين كان لهم الأثر الفاعل في نجاح الثورة المجيدة مشاركين بذلك أطيافًا أخرى عزيزةً كريمةً؛ لا يُنكر دورها في إشعال شرارة الثورة والمثابرة فيها والمصابرة عليها حتى نجحت، فإن الإسلاميين في مصر الآن بمختلف توجهاتهم هم أقوى الداعين إلى .. المدافعين عن .. الداعمين للاستقرار ونجدهم الآن يرفضون الدعاوي غير المسئولة التي تستهدف الإبقاء على وضع الارتباك والاضطراب والفلتان, كما نجدهم يلتزمون بأقصى درجات ضبط النفس مع المخالفين وسعة الصدر مع الناقدين بل والناقمين. وعندما تصاعدت في الفترة الأخيرة دعوات غوغائية من جهات حنجورية (أُشير إلى بعضها لاحقا بأصابع الشبهة والاتهام)؛ عندما تعالت دعوات هذه الجهات إلى مليونيات واعتصامات وإضرابات واضطرابات, لم تجد من التيارات الإسلامية سوى الآذان الصماء رغم أن هذه التيارات كان بوسعها الاصطياد في الماء العكر وهي التي شهد لها مخالفوها قبل أنصارها بالأغلبية الجماهيرية في الشارع المصري, بل وجدنا من بينهم أراءً متطرفة كدعوة المهندس عاصم عبد الماجد المتحدث باسم "الجماعة الإسلامية" للمجلس العسكري الحاكم لفض اعتصامات التحرير بالقوة؛ حرصًا منه ومن الجماعة التي يمثلها على تحقيق الاستقرار, ونُذَكِّر هنا بأن هذا الموقف يصدر من "الجماعة الإسلامية" التي عرفت منذ نشأتها بمواقفها المناهضة للأنظمة الحاكمة, وليس من السلفيين الذين يتهمون بالمهادنة، ولا من الإخوان الذين يتهمون بالمناورة. أتوقف الآن عند دلالة هذه المواقف في دعوة الإسلاميين (الحازمة الحاسمة) للاستقرار؛ مما يؤكد استقلال قرارهم وأنه غير مرهون لا لأجندات ولا لحسابات، وهنا ينبغي أن أشير إلى أن استدلالي هذا لا يعكس أي اتهامٍ أو لمزٍ لغيرهم من تيارات الثورة , فعندما يتحدث أحدنا واصفًا شخصًا ما بأنه "أسمر البشرة طويل القامة" فهذا لا يعني أن هذا الشخص هو الوحيد الذي يتفرد بهذه الصفات بين البشر فبالتأكيد أن الكثيرين يشاركونه في هذه الصفة, ولكننا في هذا الموطن نتكلم عن هذا الشخص، دون أن يراودني أدنى شك في وطنية وإخلاص معظم التيارات التي شاركت في الثورة المجيدة على اختلاف أطيافها. لقد أثبتت لنا أوضاع ما بعد الثورة أن كل ما كان ينسب للإسلاميين في عهد من قبل الثورة من اتهامات بإثارة القلاقل (بحقها وباطلها), إنما كان مبررها هو المقاومة المشروعة لرفع الظلم الذي كانت تمارسه أنظمة حاكمة استباحت شعوبها (دمها ومالها وعرضها) وسجنتها أسيرة الفقر والقهر, فلما زالت هذه الأنظمة وجدنا الإسلاميين في صدارة دعاة الأمن والاستقرار والبناء والتنمية. ومن الضحك المبكي أن هناك من يرى في هذا موقفًا انتهازيًا من تيارٍ يثق في قاعدته الجماهيرية, سبحان الله.. يقول لرسوله وخير خلقه: {أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ (يونس99)؟}، وهم يريدون من خلال إثارتهم للفوضى والغوغائية أن يكرهوا جموع الشعب المصري المتدين بفطرته حتى يكونوا علمانيين!. على الهامش: ضعوا كل التهم التي نسبت لجميع التيارات الإسلامية في مصر خلال العهود البائدة (بحقها وباطلها) في كفة, وضعوا في الكفة الأخرى جريمة القتل العمد ل 26 مواطنًا مصريًا آمنًا مسالمًا، وإصابة العشرات بعاهات مستديمة وترويع المئات الذين لا ذنب لهم, وهم الذين اجتمعوا في دار عبادتهم ليحتفلوا سعداء فرحين بعيدهم, ثم يَثْبُتُ أن من قام بهذه الجريمة الشنعاء هم المكلفون بحراسة البلاد وحماية أرواح العباد!.