ما نشرته جريدة "التحرير" من حوار هامس جرى في غرفة الحجز الملحقة بقفص الاتهام أثناء محاكمة الرئيس المخلوع حسني مبارك في الثالث من أغسطس الحالي، طبق الأصل مما كتبه في وقت سابق ناشط انترنتي مجهول يدعى "ضابط جيش" على صفحته في تويتر. لم تشر الصحيفة إلى ذلك وقال كاتب الموضوع إنه استقاه من مصدر لا يرقى إليه الشك، ولا أعرف كيف تسلل المصدر إلى غرفة الحجز، وهذا التساؤل طرحته معظم التعليقات على موقع الصحيفة وعلى الفيسبوك؟! إن الصحيفة لم تكلف نفسها قراءة الموضوع جيدا قبل نشره حتى لا تقع في فخ "الفبركة والخيال الساذج" الذي وقعت فيه بسهولة، مما جعل 6 من صحفييها المعروفين يتندرون عليه ويسخرون منه على صفحاتهم في الفيسبوك، ويبدو أنهم حضروا اجتماع التحرير الذي تقرر فيه سلق هذه الفبركة التي يراد منها الاساءة للمحاكمة وللمجلس العسكري وتصوير الأمر كله بأنه تمثيلية حتى تستمر نيران الغضب والاعتصامات، وحتى لا يهدأ الفوران ويعود المصريون لحياتهم الطبيعية وللعمل والانتاج والانتقال من المرحلة الانتقالية الى مرحلة الاستقرار. والغريب أن الصحيفة التي تحمل اسم ميدان التحرير والمفترض أنها تتبنى فكرا منفحتا ديمقراطيا يحتفي بحرية الرأي والرأي الآخر، عاقبت صحفييها الستة على ابداء رأيهم بشأن تقرير يعرفون أنه مختلق، وحولتهم للتحقيق وهم: حسام الهندي ومحمود بدر ومنى سليم ومنة شرف الدين وياسمين الجيوشي والوليد إسماعيل. لا يجب أن يكون باب النجار مخلع. والمعضلة أن النجار هنا صحيفة يحمل لواءها صحفي يصف نفسه بأنه ثائر ومقاتل وانتحاري في سبيل الحرية، ويقف وراءها أو يدعمها محمد البرادعي الذي يبشر الناس ليل نهار بالعدل الذي سيسقيه لهم شرابا هنيا إذا تولى الولاية عليهم. نعم أفلتت المهنية والدقة من التقرير لأنه لا يعقل أن المصدر الذي لا يرقى إليه الشك استطاع أن يقف بين أذن مبارك وبين نجليه علاء وجمال وهما يهمسان فيها، واختزن تفاصيل ما قاله الثلاثة، وهذا التساؤل طرحه أيضا معظم المعلقين، وحاولت أن أضع نفسي مكان كاتب الموضوع باحثا عن إجابة مقنعة فلم يسعفني التفكير بشيء. هذه الأخطاء لا تقتصر على جريدة "التحرير" فقط بل تشمل عددا كبيرا من الصحف الخاصة والحكومية، فقد استسهل المحررون الكتابة من على مكاتبهم المكيفة، ولا يكلفهم موضوع "مانشيت" مثلا أكثر من قيامهم بعصف الذهن وتحريك ملكة الخيال. ومن هنا نشرت صحيفة كيف أن مبارك خبط رأسه في الحائط ندما وغضبا أثناء وجوده في غرفته بمستشفى شرم الشيخ، ولم يكن أحد معه أثناء ذلك. ونسي أن يضيف أن روحه - روح كاتب الموضوع – وحدها كانت معه! خيال جريدة "التحرير" لم يترك حتى بيت الراحة فقالت إن الرئيس تحرك على رجليه من سريره الذي شاهدناه في القفص ممددا عليه، وذهب إلى الحمام وقضى حاجته ثم عاد واستلقى عليه مرة أخرى! من المهم جدا أن تشمل التحقيقات التي تدور حاليا حول المال السياسي الذي دخل مصر بعد 25 يناير، مدى اقتحامه لوسائل الإعلام من قنوات وصحف جديدة، وتأثيره على المضمون. [email protected]