المستندات المطلوبة للتقديم على منازل وأراضي سيناء الجديدة    آخر موعد للتسجيل في مبادرة سيارات المصريين بالخارج.. بتخفيضات جمركية 70%    بيراميدز يتصدر الدوري المصري بفوزه على البنك الأهلي    حفل ختام برنامجي دوي ونتشارك بمجمع إعلام الغردقة    إعدام 45 كيلوجرام مواد غذائية.. وتحرير 14 مخالفة خلال حملة على مطاعم مطروح    تغطية جنازات الفنانين.. خالد البلشي: توزيع قائمة بقواعد محددة على الصحفيين    زيلينسكي: روسيا تسعى لعرقلة قمة السلام في سويسرا    البابا تواضروس يهنئ بالأعياد الوطنية ويشيد بفيلم "السرب"    للتهنئة بعيد القيامة.. البابا تواضروس يستقبل رئيس الكنيسة الأسقفية    نوران جوهر تتأهل لنصف نهائى بطولة الجونة الدولية للإسكواش    عاجل - متى موعد تطبيق التوقيت الصيفي 2024 وكيفية ضبط الساعة يدويا؟    روسيا تندد بالدعم الأمريكي لأوكرانيا وإسرائيل وتحمل واشنطن مسؤولية خسائر الأرواح    إدخال 215 شاحنة إلى قطاع غزة من معبري رفح البري وكرم أبو سالم    "كولومبيا" لها تاريخ نضالي من فيتنام إلى غزة... كل ما تريد معرفته عن جامعة الثوار في أمريكا    مخاوف في تل أبيب من اعتقال نتنياهو وقيادات إسرائيلية .. تفاصيل    بروتوكول تعاون بين «هيئة الدواء» وكلية الصيدلة جامعة القاهرة    وزير الاتصالات يؤكد أهمية توافر الكفاءات الرقمية لجذب الاستثمارات فى مجال الذكاء الاصطناعى    نقلًا عن مصادر حكومية.. عزة مصطفى تكشف موعد وقف تخفيف أحمال الكهرباء    سبورت: برشلونة أغلق الباب أمام سان جيرمان بشأن لامين جمال    تردد قناة الجزيرة 2024 الجديد.. تابع كل الأحداث العربية والعالمية    هل تقتحم إسرائيل رفح الفلسطينية ولماذا استقال قادة بجيش الاحتلال.. اللواء سمير فرج يوضح    مدير «مكافحة الإدمان»: 500% زيادة في عدد الاتصالات لطلب العلاج بعد انتهاء الموسم الرمضاني (حوار)    مستقبل وطن يكرم أوائل الطلبة والمتفوقين على مستوى محافظة الأقصر    مهرجان أسوان يناقش صورة المرأة في السينما العربية خلال عام في دورته الثامنة    بالفيديو.. أمين الفتوى: موجات الحر من تنفيس نار جهنم على الدنيا    دعاء الستر وراحة البال والفرج.. ردده يحفظك ويوسع رزقك ويبعد عنك الأذى    خالد الجندي: الاستعاذة بالله تكون من شياطين الإنس والجن (فيديو)    أمين الفتوى: التاجر الصدوق مع الشهداء.. وهذا حكم المغالاة في الأسعار    حكم تصوير المنتج وإعلانه عبر مواقع التواصل قبل تملكه    محافظ الإسكندرية أمام مؤتمر المناعة: مستعدون لتخصيص أرض لإنشاء مستشفى متكامل لعلاج أمراض الصدر والحساسية (صور)    متحدث «الصحة» : هؤلاء ممنوعون من الخروج من المنزل أثناء الموجة الحارة (فيديو)    أزمة الضمير الرياضى    منى الحسيني ل البوابة نيوز : نعمة الافوكاتو وحق عرب عشرة على عشرة وسر إلهي مبالغ فيه    بعد إنقاذها من الغرق الكامل بقناة السويس.. ارتفاع نسب ميل سفينة البضائع "لاباتروس" في بورسعيد- صور    تعرف على إجمالي إيرادات فيلم "شقو"    منتخب الناشئين يفوز على المغرب ويتصدر بطولة شمال إفريقيا الودية    البورصة تقرر قيد «أكت فاينانشال» تمهيداً للطرح برأسمال 765 مليون جنيه    سيناء من التحرير للتعمير    فوز مصر بعضوية مجلس إدارة وكالة الدواء الأفريقية    أوراسكوم للتنمية تطلق تقرير الاستدامة البيئية والمجتمعية وحوكمة الشركات    10 توصيات لأول مؤتمر عن الذكاء الاصطناعي وانتهاك الملكية الفكرية لوزارة العدل    العروسة في العناية بفستان الفرح وصاحبتها ماتت.. ماذا جرى في زفة ديبي بكفر الشيخ؟    عيد الربيع .. هاني شاكر يحيى حفلا غنائيا في الأوبرا    توقعات برج الثور في الأسبوع الأخير من إبريل: «مصدر دخل جديد و ارتباط بشخص يُكمل شخصيتك»    حكم الاحتفال بشم النسيم.. الإفتاء تجيب    هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية: تلقينا بلاغ عن وقوع انفجار جنوب شرق جيبوتي    تضامن الغربية: الكشف على 146 مريضا من غير القادرين بقرية بمركز بسيون    خدماتها مجانية.. تدشين عيادات تحضيرية لزراعة الكبد ب«المستشفيات التعليمية»    مديريات تعليمية تعلن ضوابط تأمين امتحانات نهاية العام    تأجيل محاكمة 4 متهمين بقتل طبيب التجمع الخامس لسرقته    تفاصيل مؤتمر بصيرة حول الأعراف الاجتماعية المؤثرة على التمكين الاقتصادي للمرأة (صور)    الصين تعلن انضمام شركاء جدد لبناء وتشغيل محطة أبحاث القمر الدولية    مهرجان الإسكندرية السينمائي يكرم العراقي مهدي عباس    تقديرات إسرائيلية: واشنطن لن تفرض عقوبات على كتيبة "نيتسح يهودا"    وداعاً للبرازيلي.. صدى البلد ترصد حصاد محصول البن بالقناطر| صور    القبض على 5 عصابات سرقة في القاهرة    ضبط 16965 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    «التابعي»: نسبة فوز الزمالك على دريمز 60%.. وشيكابالا وزيزو الأفضل للعب أساسيًا بغانا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الميلادُ والذكرى
نشر في المصريون يوم 21 - 12 - 2014

جئتُ من عملي مرهقاً، فإذا بابني الصغير يتابعُ التلفاز بشغفٍ، سألتهُ مستفهماً: مالي أراك مستغرقا يا بني؟ ردَّ على مضضٍ إنهُ يومُ الاحتفالِ بالثورةِ يا أبي ألم تعدني أننا سنحتفلُ بها في أحد الميادين؟ قلتُ له: مشفق عليك يا بني من وعثاءِ السفر وبرودةِ الطقسِ وزحام الميدان، فالمسافة كبيرة بين قريتنا المتواضعة
وقاهرة المعز، ولكنْ هيا بنا نحتفلُ بثورتنا في مدينتنا المنصورة، فنادى على أخته التي تكبره بأعوامٍ خمس هيا يا مريمُ قبل أن يتراجعَ في كلامهِ، فالتعبُ يلفُّ جنباته وأخشى أن يتعللَ به. وانطلقنا سوياً لنصلَ مع آذان العصر، فصلينا وحمدنا، وابتلعنا الشارع الرئيسي بزحامه، فرأينا الراياتِ ترفرف، وبالوناتٍ من كلِّ لون، والمحلات تعلوها الزينة و بصنوف الحلوى عامرة. سألني صغيري الذي لم يكملْ عامه العاشر بعد: ما كلُّ هذه الزينات والحلوى يا أبي؟ قلتُ له: تداخلَ العيدان يا بني، فالآنَ يمرُّ أربعة أعوامٍ على ثورتنا التي أطاحتْ بنظام فاسدٍ، وبعد أيامٍ تهلُّ علينا ذكرى ميلاد الحبيب صلى الله عليه وسلم، فقالَ الصغيرُ: وهذه الزينة والحلوى أيُّ الأعياد تخصُّ؟ فقلتُ له: للحلوى يا بني تاريخٌ، فقد عرفناها مع دخول الفاطميين لمصرَ، فلما لمس الفاطميون حبَّ المصريين للنبي وأهل البيت، كانوا يوزعونها عليهم في ذكرى مولده، وباتتْ هذا العادة متأصلة لدينا كمصريين، لكني يا بني لا أحبها وأخالفها. فتعجبَ الصغيرُ!! وعلتْ الدهشة محياه ولم ينطقْ، فبادرتهُ كي أزيلَ عنه ما اعتراه. فقلتُ له: ليس حُبَّ النبي أن نطعمَ الحلوى ونقيمَ الموالدَ والموائدَ ونرددَ الأغاني والأناشيد، بل يكمنُ حبنا له في اتباع سنته ومعرفةِ شمائله، ونقتدي فنهتدي. زادتْ دهشة الصغير مع ابتسامةِ أخته التي توحي برغبةٍ في المزيد، طوقتْ يداي عنقي الصغير وأخته وجلسنا على أقرب أريكةٍ كمن وجد ضالته، وتابعتُ حديثي قائلاً: شهر ربيع الأول وُلِدَ فيه سيدُ الخلقِ وأكملُ البشر؛ الرحمة المهداة والنعمة المسداة، أعظمُ الناسِ خُلقاً، وأصدقهم حديثًاً، وأسخى الناس نفسًا، وأطيبهم ريحًا، وأجودهم يدًا، لم يعرف التاريخُ رجلاً يا بني أسدى منه، ولا أتقى ولا أخشى منه، ولا أعظم ولا أجلَّ منه، فكلُّ الطرقِ مسدودة، وكلُّ الأبوابِ موصدة، وكلُّ الدروبِ مفصولة غير موصولة إلاَّ الدرب الذي عليه سار رسولنا الكريم، إن بين أيدينا كنزًا لا ينفد، ومنهلاً عذبًا لا ينضبُّ؛ كتاب الله وسنة رسوله، فأين نحن من العمل بهما؟ إنَّهما المأمنُ الأمين والحصنُ الحصين ؛ فالاقتداءُ بهما مخرجٌ من كلِّ فتنةٍ، ونجاة من كلِّ محنةٍ، تمسكْ بهديه يا بني تمسكًا صادقًاً، واعرضْ أعمالك وأقوالك وفعالك على منهجه وطريقته، تعش يا بني سعيداَ وتمت وفياَ. جاء أعرابي يا بني إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: متى الساعة ؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: " ما أعددت لها؟ "، قال: إني أحبُّ اللهَ ورسوله. قال: " أنتَ مع من أحببت ". بهذا الحب يا صغيري تلقى نبيكَ على الحوضِ فتشرب الشربة التي لا ظمأ بعدها أبداً. اسمع معي يا بني قولَ الحقِّ: " ومن يطع اللهَ والرسولَ فأولئك مع الذين أنعم اللهُ عليهم من النبيين والصديقين والشهداءِ والصالحين وحسن أولئك رفيقاً ". إنه يا بني الرحمة المهداة، واعلم أن ابنَ القيم يقولُ :" إن عموم العالمين حصلَ لهم النفعُ برسالته، أما أتباعه: فنالوا بها كرامة الدنيا والآخرة. وقال الحسنُ بن الفضل: لم يجمع الله لأحد من الأنبياء اسمين من أسمائه إلا للنبي صلى الله عليه وسلم، فإنه قال فيه:" بالمؤمنين رؤوف رحيم "، وقال في نفسه: "إن الله بالناس لرؤوف رحيم "، حتى الجماد يا بني أحبه، فما بالنا نُعرضُ! واعلم يا بني أن خصالَ الجلال و الكمالِ في البشر نوعان: ضروري دنيوي اقتضته ضرورة الخلقة، ومكتسب ديني، وهو ما يحمد فاعله، و يتقرب به لله زلفى. فأمَّا الضروري فليس للمرءِ فيه اختيار، مثلَ ما كان في مظهره من كمالِ خلقته، وقوة عقله، وصحة فهمه، وحسن صورته، وفصاحة لسانه، وغيره، وأمَّا المكتسبة فالأخلاق العالية: من الدين والعلم، و المروءة و الزهد و التواضع، والحياء والصمت، وأخواتها، وهي التي يجمعها حسن الخلق. و قد يكون من هذه الأخلاق ما هو في الغريزة لبعض الناس، وقد يختلفُ الناسُ بعضهم عن بعض في هذه، ولكن أن تُجمعَ لشخصٍ واحدٍ فهذا من عظيمِ الفضلِ لهذا النبي صلى اللهُ عليه وسلم ورفعته، ولقد أخذ سبحانه العهدَ على أنبيائه إن أدركوا نبينا أن يتبعوه ويخبروا بذلك أقوامهم. لما فقده الجذع الذي كان عليه يخطبُ حنَّ إليه وصاحَ، فنزل إليه فاعتنقه، فقال صلى الله عليه وسلم: " لو لم أعتنقه لحنَّ إلى يوم القيامة ". واعلم أن كمالَ الإيمان في محبته، فهو يقول: " لا يؤمنُ أحدكم حتى أكونَ أحبَّ إليه من ولده ووالده والناس أجمعين ". ويقول أيضاً: " ثلاثٌ من كن فيه ذاق حلاوة الإيمان: أن يكونَ الله ورسوله أحب إليه مما سواهما ". وهذه مكافأة يمنحها اللهُ لكلِّ من آثر اللهَ ورسوله على هواه، فيحسُّ للإيمانِ حلاوة تتضاءلُ معها كلُّ لذاتِ الأرض، فانظرْ في سويداء قلبك يا بني وقارنْ حبك لنبيك بجميع الخلائق بمن فيهم أنا وأمك، فإن وجدتَ في نفسك أنى أقربُ إليكَ من نبيك فصححْ إيمانك. واعلم إن علينا في زحمةِ الأحداثِ وفي خضم التداعياتِ وكثرةِ النوازل أن نلتفتَ إلى الرؤية الشرعية التي جاء بها نبينا بيضاء نقية، وأن ندقِّق النظرَ في الكون، وأن نقرأ الواقع والتاريخ ، فقد زلَّتْ أقدامٌ وضلَّتْ أفهامٌ وأخطأتْ أقلامٌ واحتار كثيرٌ من المفكرين وأرباب الإعلام؛ لأنهم لم ينطلقوا من الهَدى الذي انطلق منه نبينا صلى الله عليه وسلم. ولأجل هذا كان علينا أن نحذرَ من الحملة الضروس التي يديرها أعداؤنا علينا من خلالِ القدح في رسالتنا، والطعن في عقيدتنا، ونزع عقيدة الولاء والبراء من قلوبنا، ومن استجابَ لهم في شيء فقد وقع في خيانةٍ كبيرة، وجرمٍ ما بعده جرم، فالحمدُ للهِ الذي أنعم علينا فجعلنا من أمتهِ، ومن أتباعهِ، ومن خير أمةٍ للناس أخرجت، والحمدُ للهِ الذي منحنا هذه الشريعة الغراء التي تنيرُ لنا السبيل في السراءِ والضراءِ، فيجبُّ علينا أن نشكرَ المولى إزاء آلائه بالتمسكِ بكتاب الله وسنة رسوله، وتأكد أننا لن ندركَ غايتنا إلا بهداية الله، ولن نحققَ رجاءنا إلا بمعونته، ولن نخرجَ من البلايا إلا بإعزاز دينه، ويجبُّ علينا أن نتحلى بالصدقِ في الانتماءِ لديننا وعقيدتنا، ونصرة منهج رسولنا صلى الله عليه وسلم. أمَّا أن ندَّعِي محبته ونحن نصادمُ سنته، ونخاصمُ شريعته، ولا نُحَكِّم منهجه، ولا نلتزمُ هديه، فهذا لعمري أكذبُ الحبِّ؛ {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}، {فَلا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا}. ليس من تعظيمه صلى الله عليه وسلم أن نبتدعَ في دينه، أو نغيرَ في شريعته، أو نحتفلَ بمولدهِ، وليس من تعظيمه أن نتشبه باليهودِ والنصارى في هديهم، ونتركَ التشبُّه به في هديه وسننه، وليس من تعظيمه أن نتسولَ الشرقَ والغربَ ونجرِّب مناهجهم، ومنهجه بين أيدينا. وما حصلَ من السخريةِ لنبينا الكريم من الكفرة وإعلام الطواغيت قد ظهر وتبيّن، وتجلتْ وقفة الأمةِ من مقاطعةِ المسلمين بضائعهم، وإنكارهم ذلك، وهبتهم لنصرة نبيهم. فإن كنتَ صادقاً في محبة ربِّكَ ونبيك، فاعلمْ أن الذي أمرَ خنازير الكفرة بإهانة نبيك هو معكَ وبين يديك، إنه الشيطانُ يا بني الذي (يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ )، يقولُ بعضُ السلفِ : ( لا تكن عدو إبليس في العلانيةِ وصديقه في السِّر ). إنه مَزْلق خطير أن نظنَّ أننا نصرنا ربنا ونبينا بما حصلَ من مقاطعةِ ما غايته شهوات بطن وإن كان هذا نوع نصرة، وإنما بيْتُ القصيدِ هو حسن الاتباعِ وصدق الحبِّ، تأمل معي قول ربنا عز وجل: { قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ }، هذه الآية تسمى آية المحنة وفيها الامتحان : هل المحبةُ صادقة أم كاذبة ؟ ولذا عليكَ أن تتأملَ جزاءَ الصدقِ في ذلك وهو: ( يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ )، ولهذا يقول بعض السلف: ( ليس الشأن أنْ تُحِبَّ ولكن الشأن أنْ تُحَبَّ! )، فنسأل اللهَ أن يجعلَ ما حصلَ من مقاطعةِ بضائع هؤلاء فاتحة خير للأمة، وبداية حياةٍ لها لرجوعها إلى نبيها، وألاَّ يكون ذلك مجرد حماس وردة فِعل كما يُقال :سحابةُ صَيفٍ عما قليلٍ تَقَشَّعُ !ولتعلمَ أنه لا يضر القمرَ نباحُ الكلابِ، ولا يضر الشمسَ مقولة الجرذان! فهكذا الحالُ يا بني مع أعداء الله ورسوله الكفرة الفجرة. إنَّ وَصْفَ نبينا - عليه الصلاة والسلام - برسوماتٍ بشعة وصوَر قبيحة ربما هو من قبيل وإذا أراد الله نشرَ فضيلةٍ طُوِيتْ أتاحَ لَهَا لسانَ حَسُودِ! إن الغيرة للهِ ولنبيهِ ولدينه إذا كانتْ صادقة فآثارها لابد أن تظهرَ على سلوكِ مَن غار، وإلا فهي كثوَران الغبار لسقوطِ جدار. وفصلُ الخطابِ أنَّ أعظمَ النصرة تكونُ باتباعه، وأعظمَ المقاطعة مقاطعة الشيطان الذي يجري منا مجرى الدم لِيُضلّنا ويصدنا عن هَديه، وربما لم يتجرأ عليه الكفارُ هكذا إلا حينَ تنكّرنا له، وبذلك فتحنا لهم الأبوابَ وكسّرنا الأقفالَ، وكيفَ نستغربُ أن يتجرأ الكفارُ على ديننا ونبينا ولدينا مَن يسبّ اللهَ والرسولَ والدينَ ولم يحصل لهم شيء ؟!!فما حدثَ من طعنٍ في النبي واستهزاء به، بنشرهم رسوماً ساخرة بالنبي صلى الله عليه وسلم، محادَّةٌ لله ورسولِه، ومحاربةٌ وإيذاءٌ ، وقد قال جَلَّ وعلا في المؤذين له ولرسوله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً). وقد أوجبَ اللهُ على المسلمين حقوقاً وواجباتٍ في شأن الُمعادين له ولرسولهِ، وجعلَ حكم مَن سبَّ رسوله صلى الله عليه وسلم القتل، مسلما كان أو كافرا، وقَرَّرَ هذا ابنُ تيمية في كتابه «الصارم المسلول على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم »، واستدلَّ عليه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة، وساق فيها ما لا يُستطاع دفعه، فقالَ : أن مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر يجبُّ قتله. هذا مذهب عامة أهل العلم. ولما كان هذا متعذراً اليوم على المسلمين لضعفهم أَنْ ينالوا من أعدائه والمستهزئين برسله، كان الواجبُ على كُلِّ مسلمٍ في هذا حسب طاقته، إعذاراً إلى الله وبراءةً منهم إليه. لذا فالواجبُ على المسلمين اليوم إنكارُ هذا المنكر، كُلٌّ بما خَوَّلَهُ الله، والواجب على ولاة أمور المسلمين قَطْعُ صِلَتِهم بكلِّ الدول المسيئة، وعلى عموم المسلمين تجاراً وغيرهم مقاطعة سلعهم، ليذوقوا وبال أمرهم، وليس لهذه المقاطعة غاية تنتهي إليها، إلا بمحاسبة تلك الصحيفة ومن له بها صلة، ومعاقبتهم عقوبة رادعة. أَمَّا ما ينادي به البعضُ من أنْ تكونَ غايةُ المقاطعة اعتذارَ الحكومة أو الصحيفة، فليس من الحقِّ ولا العقل في شيء ! وحكم بما لا يعلمُ، فلهذه الجناية حَقٌّ عظيمٌ للهِ عزَّ وجلَّ ، ليس لأحد أَنْ يتنازلَ عنه ، أو يُعلنَ فيه تسامحاً. قال شيخ الإسلام: (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أَنْ يعفو عَمَّن شتمه وسَبَّهُ في حياته ، وليس للأمة أَنْ تعفوا عن ذلك) . فلا حَقَّ لأحدٍ أَنْ يتنازل عن حَقٍّ ليس له، ومَنْ تنازل عن شيءٍ من ذلك، فإنما تنازلَ عن حَقِّ غيره، فلا يَصِحُّ تنازلُه ولا يجوز. كما أَنَّ الواجبَ على المسلمين أيضاً مُناصرةُ كُل تاجر كريم ، غضبَ لمحاداةِ أولئك الكفرة لله ورسوله صلى الله عليه وسلم - فقطع وارداتهم - بالشِّراءِ منه، تأييدا له ومناصرة ، وتشجيعا لغيره أَنْ يسلك مسلكَهُ، وينهجَ نهجه. وفي المقاطعة فوائد جمة أهمها: الإعذار إلى الله، واحتساب المقاطع للأجر من الله، والتنكيل بأعداء الله، وكذلك إظهار عزة المؤمنين. وبقي هنا فوائد المحنة: أنه كان عند الفتح لما يعز ويمتنع الحصن على المسلمين، فيتعرض أهله لسب رسول الله فيعجلُ الله بفتحه، وكل من أساء إلى نبي الله فالله يكفيه وينتقمُ منه، وكما قال سبحانه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ )، وكذلك نعرف هنا أعداءنا ونتوحد. وهنا أدركني التعبُ وأشفقتُ على صغيري من هول ما سمع، ولسانُ حالِ ابنتي ينادى: يا أبى قد آلمتَ قلبي وجوعتْ بطني، فنهضتُ على عجلٍ
أبتاعُ لهما ما يقيم أودهما، وناولت الصغير مشروباً مثلجاً ليلينَ بلعه، فأمسكَ الزجاجة وقال مندهشا: يا أبى هذه ليستْ بضاعتنا، فدعني أقاطعُ كلَّ أجنبيٍّ من الآن، فابتسمتُ ابتسامة الرضا، ورددنا معاً ...( صلى الله على محمد صلى الله عليه وسلم).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.