تنظم حاليًا أسوأ حملة على الأزهر، لم يحدث مثلها، لا في العهد الملكي ولا في عهود عبد الناصر والسادات ومبارك. الحملة.. كأنها تدار بالتليفون لكل مقدمي برامج ال"توك شو".. ما يشير إلى وجود خطة ممنهجة، يقودها عقل جنرالي من خلف المكاتب السرية. وتدور الحملة على جبهتين: الأولى لتصفية تيار العقلانية ممثلاً في د.محمد عمارة.. والثانية تحت لافتة "تنقية" مناهج الأزهر، من المواد المؤسسة ل"التطرف الديني"، بحسب زعمهم! المفارقة هنا أنه في حين رفض الأزهر تكفير "داعش"، بوصفه مؤسسة ترفض تكفير "المبتدعة" من أهل القبلة عمومًا.. نجد كل "تيار الحداثة" ينتفض ضد قرار الأزهر، ويتحول هو من تيار يناضل ضد الفكر التكفيري.. إلى تيار يدعو إلى "التكفير" العلني! بعض الحملات تعتمد على "نصوص" تزعم أنها من المناهج المقررة على طلبة الثانوية الأزهرية، تعلم المسلمين "أكل لحوم البشر".. و"قتل الطفل" وما شابه من نصوص تعتبر مفزعة فعلاً.. وتعتبر كذلك بحسب فحواها المزعومة مرجعية أساسية ل"الفقه الداعشي" إذا جاز التعبير. نلاحظ هنا أن الحملة على الأزهر، تأتي بالتزامن مع توافق فكري غربي وعربي، يحمل الديكتاتوريات العربية الفاسدة والاضطهاد والتعذيب والتهميش والإقصاء الذي تمارسه.. مسؤولية تنامي واتساع ظاهرة التطرف الديني والإرهاب والجماعات المسلحة. وبمعنى آخر.. فإن الحملة على الأزهر التي يقودها "الأمنجية" المعروفين على الفضائيات، لا يمكن أن نفصلها عن هذا التوافق بشأن مسؤولية الطغاة العرب وأنظمة الحكم القمعية والفاسدة في إنتاج التطرف والإرهاب الدموي والوحشي. ولعل ذلك ما يطرح سؤال الأزهر.. بمعنى: هل مناهج الأخير فعلاً هي التي تؤسس للغلو والتطرف والإرهاب المسلح؟! الإجابة على هذا السؤال يمكن أن تكون مفتاحًا لفهم مغزى ودلالة الحملة.. لأنه لم يثبت منذ ظهور ما يسمى بجماعات الإسلام السياسي في السبعينيات وما قبلها وما بعدها، أن تورط أزهري واحد في أي حادث إرهابي.. ناهيك عن أن أبا بكر البغدادي نفسه، ليس خريج أزهر وإنما حاصل على درجة الدكتوراه من جامعة بغداد.. كما أن أسامة بن لادن وأيمن الظواهري لم يتلقيا تعليمهما الديني في الأزهر.. فالأول حاصل على بكالوريوس اقتصاد وإدارة أعمال من جامعة الملك عبد العزيز، تولى إدارة شركة بن لادن المملوكة لوالده.. أما الثاني أيمن الظواهري فهو طبيب جراح خريج كلية الطب.. ومعظم أعضاء الجماعات الإسلامية من خريجي الكليات المدنية وليست الدينية. المسألة هنا إذن لا علاقة لها بالمناهج، وإنما ب"تدبيس" الأزهر في قضية إرهاب، لتهريب "الجناة" الحقيقيين وتركهم يلعبون براحتهم في إنتاج الدواعش وأخواتها. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.