"المصائب لا تأتي فرادى كالجواسيس، بل سرايا كالجيش" قالها الحكيم وليم شكسبير منذ خمس قرون، ويعيشها النظام في مصر هذه الأيام، فما بين الحرب على الإرهاب كما يسمونها، ومحاولة إرضاء الأحزاب المدنية رفاق الميدان، وصداع الثوار، ومحاباة الفلول، ومحاولات إرضاء الخارج، يعيش النظام منذ 3 يوليو. فما بين الفعاليات اليومية والشوارع التي لم تهدأ، ولهيب سيناء الذي لم ينطفئ، وتبرئة مبارك وباقي رموز نظامه، والجلسات السرية بين الإخوان والثوار التي أعقبت هذه الأحداث.. جاءت عدوى السفارات الأجنبية لتسريع دقات ناقوس الخطر الذي لازم الرئيس "عبدالفتاح السيسي" منذ أن وطأة قدماه "قصر الاتحادية" وتعيد الطمأنينة لجماعة الإخوان المسلمين. يعيد خبراء سياسيون وأمنيون سيناريوهات غلق السفارات، لأسباب عديدة منهم مَن يؤكد أن حدث جلل سيحدث خلال الفترة القادمة، وآخرون يؤكدون أن مصر ستشهد عمليات إرهابية وشيكة بناءً على معلومات من المخابرات الأجنبية، ومنهم من يعتبر ذلك نوعًا من الضغط على الدولة لتنفيذ مطالب تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، وهناك مَن يرجع ذلك لمخطط لإحراج مصر. أغلقت عدد من السفارات الأجنبية "الأمريكية، والبريطانية، والكندية، والاسترالية، والألمانية، وما زال العدد قابلاً للزيادة، أبوابها وإيقاف أعمالها وتحذير رعاياها من حرية التحرك في القاهرة، بدواعٍ أمنية. فحذرت السفارة الأمريكية، في بيان لها، في الرابع من ديسمبر الحالي، موظفيها، بألا يبتعدوا كثيرًا عن مقارّ إقامتهم، أما "البريطانية" فعلقت خدماتها العامة، لأسباب أمنية، وطالبت رعاياها بعدم الحضور إلى مقرها بمنطقة جاردن سيتي، أما الاسترالية، فحذرت مواطنيها، من السفر إلى مصر، ومطالبة إياهم بإعادة النظر في خططهم للتوجه إلى القاهرة بسبب التوتر السياسي المستمر، واحتمالات وقوع هجمات إرهابية، خلال الشهر الجاري. السفير البريطاني لدى مصر، أكد في بيان صحفي، أن الخدمات العامة لدى السفارة البريطانية في القاهرة معلقة في الوقت الحالي، لضمان أمن السفارة وموظفيها، مضيفًا: "أنه من المهم أن يعلم الرعايا البريطانيون أن هذه الخطوة لن تؤثر فى نصائح السفر البريطانية العامة المتعلقة بالسفر إلى مصر، مشيرًا إلى أن الرعايا البريطانيين الذين يحتاجون إلى المساعدة مازال يمكنهم الحصول عليها من القنصلية". بعدها خرج السفير بدر عبدالعاطي، الناطق باسم وزارة الخارجية، ليقول إن غلق السفارات هي مجرد قرارات إدارية احترازية من جانبهم، مضيفًا: "نحن على اتصالات بهذه السفارات وأجهزة الأمن المعنية من أجل رفع درجة التأمين على مقرات هذه البعثات، بما لا يتعارض مع حرية المواطنين المصريين القاطنين بأماكن تواجدها". وأضاف: "نتعامل مع كل المعلومات بكل جدية ونتواصل مع أجهزة الأمن لصد أي أعمال إرهابية"، قائلا: "إلى الآن لا توجد أي معلومات متوافرة عن تهديدات حقيقة نتعامل معها، لكن كما قلت نتعامل مع كل معلومة بشكل جدي". رصدت "المصريون" آراء عدد من الدبلوماسيين والسياسيين، والإسلاميين، وخبراء أمن، وغيرهم، للوقوف على دلالات تلك الخطوات التي اتخذتها البعثات الدبلوماسية الأجنبية في مصر.
دبلوماسيون: المنطقة معرضة للخطر
قال السفير حسين هريدي، مساعد وزير الخارجية الأسبق، إن إغلاق السفارات الأجنبية في مصر يعتبر "عملًا مؤقتًا"، مشيرًا إلى احتمالية تلقي هذه البلدان لتهديدات مباشرة باستهدافهما، لذا تم إغلاقها بشكل تأميني. وأضاف هريدي أن مصر لم تكن الدولة الوحيدة التي تم إغلاق السفارات الأجنبية به، حيث تم اتخاذ عدة سفارات في جميع أنحاء العالم إجراءات مماثلة، كما حدث عقب استهداف منزل السفير الإيراني في صنعاء الأسبوع الماضي. وأوضح أن المنطقة كلها معرضة للخطر وهذا الإجراء يمكن أن تتخذه أي دولة، مضيفًا أنه لن يؤثر فى الاقتصاد والسياحة على المدى البعيد؛ لأنها إجراءات مؤقتة. وشدد على دور الأجهزة الأمنية والجيش في حماية المواطنين والأجانب، مؤكدًا دورهما الفعال في حماية البعثات المصرية والأجنبية في القاهرة والمدن الأخرى.
"أمنيون": نتيجة للتهديدات
رأي أمنيون أن غلق السفارات جاءت نتيجة للتهديدات التي تلقتها من جماعات إرهابية هدفها محاولة إسقاط النظام. وقال الخبير الأمني، اللواء محمد نور الدين، إن السفارتين الكندية والبريطانية علقتا خدماتهما الدبلوماسية في القاهرة بناءً على ما توصلت إليه أجهزتهما من معلومات تفيد بإمكانية حدوث تهديدات أمنية خلال الفترة القادمة على يد جماعات إرهابية. وعلق على قرار الإغلاق، قائلًا: "من حق الدولتين إغلاق سفارتيهما، إذا لم يضمنا أمنهما وسلامتهما، ولكن ذلك يكون بالتنسيق مع الخارجية المصرية ودون أن تعلن عنه بشكل رسمي". وأضاف اللواء محمود منصور، الخبير الأمني، أن إغلاق السفارات الأجنبية جزء من مخطط غربي لإسقاط الدولة المصرية، كما أنه صفحة جديدة من الاستعمار المقنن ونوع من المؤامرة على العالم العربي ومصر على وجه الخصوص. وشدد "منصور" على أن مقرات السفارات في مصر تتمتع بقدر من الحماية والتأمين الداخلي الكبير، لافتًا إلى أن ادعاءات الدول الأجنبية بشأن إغلاق سفاراتها لدواعٍ أمنية غير مفهوم وغير مبرر. وأوضح الخبير الأمني، أن غلق السفارات يعبر عن مكنون السياسات الغربية والحرب التي تأخذ شكلًا مختلفًا من خلال إرهاق الحكومة المصرية المتمثل في إضرار السياحة؛ عن طريق نشر الإحساس بأن مصر معرضه للمخاطر، وأن السفارات غير مؤمنة، مضيفًا: "أن نوايا الدول الغربية أصبحت مفضوحة للعالم من خلال الاستعداء غير المعلن ل"30 يونيو".
"إسلاميون": الاستقرار معدوم
واعتبر إسلاميون أن قرار غلق السفارات يعد مؤشرًا خطيرًا ودليلاً على فشل وزير الداخلية في حماية الرعاية الأجنبية، وأثره يصبح الاستقرار معدومًا.
وقال إمام يوسف، عضو الهيئة العليا بحزب الأصالة، والقيادي بالتحالف الوطني لدعم الشرعية، إن هذه الخطوات التي اتخذتها البعثات الأجنبية، تؤكد أن فرص استقرار الأوضاع في مصر أصبحت معدومة. وأوضح" يوسف": "المرحلة المقبلة حتى شهر يناير سيحدث فيها تقلبات كثيرة، وهناك صراعات داخل رأس النظام، خاصة في ظل التقارب ووحدة الهدف بين رافضي النظام الحالي وشباب الثورة الذي كان الداعم الرئيسي في "30 يونيو". وتابع: "محاولة تجميع الصف الثوري بعد براءة مبارك والخديعة الكبرى التي حدثت لشباب 30 يونيو، بالإضافة إلى عدم إحراز أي تقدم في ملف العدالة الاجتماعية والحريات، كل هذا ينذر أن يناير المقبل سيكون مختلفًا تمامًا وسيهز عرش السلطة". وأضاف أحمد إمام، الناطق باسم حزب مصر القوية، أن الجهات الخارجية لديها معلومات عن مصر أكثر من الأجهزة الأمنية في البلاد، "غلق السفارات شيء مقلق بالتأكيد، ومن المفترض أن الجهات المسئولة عليها توضيح الموقف للناس، لأن المصريين ليسوا أقل أهمية من الرعايا الأجانب". وتابع: "ليس لدينا معلومات وراء إعلان هذه السفارات تعليق العمل، ويجب أن تكون هذه المعلومات عند الأمن، وإلا ستكون مصيبة واستمرارًا للفشل، وعلى وزير الداخلية الخروج للمواطنين لتوضيح الموقف". بينما رأى محمود عباس، القيادي السابق بحزب النور، أن براءة مبارك، وما تبعها من انتقادات ومظاهرات ضد النظام، وغلق السفارات، تدل على أن هناك حدث جلل سيحدث خلال الفترة القادمة، وخصوصًا أن السفارة بررت ذلك لدواعٍ أمنية. واستطرد: "فهم قد يعلمون ما قد يخفى على خواص الناس، فضلا عن عوامهم، ولكن ما هي طبيعة هذه الأحداث الله أعلم" متسائلا: "هل يعد إغلاق السفارات في مصر تمهيدًا لإصدار حكم بالإعدام على الدكتور محمد مرسي خلال الأيام القادمة؟".
"ليبراليون": غير مبرر
أكدت أحزاب مدنية أن مخاوف السفارات الأجنبية غير مبررة، ونوع من الضغط على الدولة لتنفيذ مطالب تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين. اعتبر أحمد إدريس، القيادي بحزب حماة الوطن، هذه الخطوة، مجرد إجراءات احترازية، وستمر دون أن يحدث فيها أي شي كسابقاتها، مضيفًا أن تخوفات تلك السفارات من حدوث بعض الهجمات المحتملة؛ كانت ناتجة عن دعوات جماعة الإخوان المسلمين للنزول أكثر من مرة وخاصة عقب براءة الرئيس المخلوع حسني مبارك. وطالب إدريس، السلطات، بالتعامل بكل حسم مع كل الدعوات والمعلومات التي من الممكن أن تهدد الأمن القومي. وبدوره استبعد تامر الزيادي، مساعد رئيس حزب المؤتمر، أن يكون غلق بعض الدول سفاراتها بمصر، جزءًا من مؤامرة تحاك ضدها بسب كل ما ترتب عن "30 يونيو" من أحداث. وقال الزيادي: "بريطانيا بالتحديد موقفها إيجابي جدًا تجاه مصر والنظام الجديد، وأعتقد أن إغلاق سفاراتها ناتج عن معلومات لديها بإمكانية حدوث تفجيرات تستهدفها من الجماعات الإرهابية التي لا يروق لها مواقفها من نظام الرئيس السيسي". وأضاف: "الأمر نفسه ينطبق على دول مثل كندا وأستراليا والتي لديها مواقف إيجابية تجاه مصر وثورة 30 يونيو، وأجهزة مخابرات هذه الدول قد يكون لديها معلومات بعمليات إرهابية قد تحدث في البلاد". ويرجع "شرابية"، الأمين العام لحزب التجمع، ذلك إلى نوع من الضغط على الدولة لتنفيذ مطالب تتعلق بجماعة الإخوان المسلمين، مشيرًا إلى أن هذه الإعلانات عبارة عن قلق "غير مبرر"، كونهم يعلمون أن الأمن المصري قادر على حمايتهم من أي هجمات معادية. وأوضح أن جماعة الإخوان المسلمين بدأت تنفيذ مخططها وهي الاستعانة بالدول الأوروبية للضغط على الدولة لتنفيذ مطالبهم.
"سياسيون": ابتزاز سياسي
واعتبر سياسيون هذه الخطوة نوعًا من "الابتزاز السياسي" للدول الأجنبية، وسيؤثر سلبًا فى الدولة وسيضرب صورة الأمن والاستقرار التي تسعى الدولة لتحقيقها خلال الفترة المقبلة. قال الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، إن إغلاق السفارات ظاهرة مقلقة تقتضي أن تطرح الدولة المصرية معلومات أكثر عن طبيعة التهديدات التي وصلت لهذه السفارات لكي تتخذ هذه الخطوة. وأضاف نافعة، أنه يخشى أن تكون هذه الخطوة هي عملية ابتزاز سياسي، متسائلًا:" إذا كانت هناك تهديدات وصلت لهذه السفارات فلماذا لا يعلن عنها كلا الطرفين سواء الإدارة المصرية أو الدول التي أغلقت سفاراتها". وأعرب عن استغرابه من اتجاه الدول الغربية على وجه الخصوص لغلق سفاراتها إذا كانت تلقت تهديدات قائلًا: "كان من المنطقي أن تغلق سفارات الدول الداعمة لمصر بشكل أساسي مثل السعودية أو الإمارات"، موضحًا أن استهداف الدول الغربية أمر مفاجئ ومقلق. فيما قال البرلماني السابق الدكتور مصطفى النجار، إن الدولة المصرية وأجهزتها مطالبة بأن تتعامل مع مثل هذه القرارات والإجراءات بجدية شديدة، ولاسيما أن قرار إغلاق السفارات سيؤثر سلبًا فى الدولة المصرية بل وسيضرب صورة الأمن والاستقرار التي تسعى الدولة لتحقيقها خلال الفترة المقبلة. وأضاف النجار أن هناك أنباءً غير مؤكدة تتردد بحذو السفارة الأمريكية حذو باقي السفارات، مشددًا على إذا صح تلقي السفارات والرعايا الأجانب في مصر تهديدات إرهابية فإن هذا سيضرب بدوره السياحة المصرية التي بدأت تتعافى شيئًا فشيئًا، كما أنه سيكون مؤشرًا سلبيًا على الاقتصاد والاستثمارات الأجنبية. يشار إلى أن الأحداث الأخيرة أثارت العديد من التساؤلات حول مصير السفينة التي يقود قيادتها الرئيس عبدالفتاح السيسي، ومصير جماعة الإخوان المسلمين الخاسر الوحيد بعد 3 يوليو.