السؤال الذي يطرح نفسه علينا جميعا في اللحظة الراهنة " هل من الممكن أن نطالب شعب ممثلا في ثواره بان يلتزم روح الفريق وان يسعى لتحقيق أهدافه الثورية وفق العقل الجمعي وهو في الأساس لم يتعلم ولم يعتاد على تلك الروح ولا تلك التصرفات ؟ الم يسعى النظام السابق عبر القنوات الإعلامية والتعليمية والرياضية بل أحيانا المنابر الدينية ، إلى إعلاء شان الفرد على شأن الجماعة ... الم نربى الأجيال الحالية على لغة الأنا ...الم نرى الوساطة والمحسوبية ممرا آمنا لكل من أراد أن يتقلد وظيفة ما في كافة أرجاء مؤسسات مصر ... الم نرى الرشوة شعارا معلنا وما زال بعد الثورة من أجل قضاء مصالح العباد ...الم نرى نماذج من القيادات التي أدارت ومازالت تدير المؤسسات في أرجاء مصر ، وقد علمها النظام السابق آليات الإدارة بالفساد ... ما أسهل التنظير وما أصعب التطبيق ، نعم ما أسهل لان تلقن شعب مجموعة من المصطلحات الرنانة التي تحمل معنى الحرية ، وتعبر عن التحضر والتقدم ، وروح الفريق ، والشورى ، والديمقراطية ، وغيرها من المصطلحات والمفاهيم التي تتسع لها الكتب والجرائد ، ولا يبخل الكتاب والمفكرين بعرضها كلما سنحت الظروف أو اشتدت الأزمات أو علت الصيحات بالدعوة للتحرر والخروج من سطوة الحاكم إلى سلطة الشعب . وكلما عاينت وتابعت ما يدور في مصر في اللحظة الراهنة ، واقصد هنا الشارع المصري بكل طوائفه وكافة أطيافه ومراحله العمرية ، لمست حالة من اليأس تخيم على الكثيرين ممن التقت واستمعت إليهم ، وقد تكون الأسباب والمسوغات التي يسوقها بعضهم مقنعة للمستمع ومنها على سبيل المثال حالة الفوضى وكثرة الائتلافات والتجمعات والقوى السياسية التي نصبت من نفسها نموذجا يعبر عن شعب مصر وعن ثورة مصر ، في وقت نسى هؤلاء أن الشعب المصري ممثلا في الأغلبية الصامتة والتي قررت أن تكون مع الثورة في البداية ، ومنها من شارك في الاستفتاء على التعديلات الدستورية بالقول ( نعم أو لا ) المهم أنها شاركت وبنسبة لم تشهدها مصر من قبل . ومنذ هذا المشهد اى منذ 19 مارس ومجموع الشعب ممثلا في تلك الأغلبية الصامتة ، تنتظر التغيير على أرض الواقع ، ولم تعطى صكا لفريق أو فصيل ما ليعبر عنها في ميدان التحرير ، بل أرادت من يعبر عن طلباتها والمتمثلة في أهداف الثورة والتي اجتمعت كلها تحت علم واحد وصيحات واحدة ، وضحى من ضحى واستشهد من استشهد وعلم مصر هو الشعار وقتها . وسرعان ما ظهرت مجموعات وائتلافات تعبر عن نفسها تارة وبعضها يدعى انه يعبر عن المجموع العام للشعب المصري ، ومع معاينة الحدث والتصرفات التي طرأت على ميدان التحرير كنموذج عبر عن الثورة ووحدة الوطن في محطات كثيرة طوال أيام الثورة وما بعد خلع الرئيس السابق والإعلان عن سقوط رأس النظام ، وضعف الأداء من قبل الحكومة ومعها المجلس العسكري وبخاصة في الاستجابة لطلبات وأهداف الثورة ، وغياب الشفافية أحيانا تجاه القضايا المصيرية التي شغلت بال الثوار والشعب ، ومنها موضوع سرعة الاستجابة لتعويض اسر الشهداء والمصابين ، وسرعة القصاص من القتلة ،ومحاكمة القيادات المتورطة في قتل الشهداء ، وتعمد البعض من رجال الأعمال ، ومعهم بعض القيادات في النظام السابق نشر الفوضى وإثارة الشائعات في أرجاء مصر ، والهدف هو النيل من الحالة الأمنية للمجتمع المصري . وبصرف النظر عن تحليل مجريات الأحداث التي دفعت بعض القوى والائتلافات إلى إعلان تمردها على المشهد السياسي للحكومة الحالية وأحيانا رفع الصوت بصيحات تدين تصرفات المجلس العسكري، ومواقفة التي لا تناسب الحدث ،ولا تتفق مع طلبات الثوار وأهداف الثورة المعلنة . وفى ظل غياب المشهد التربوي على مدار عقود عدة مثلت عمر النظام السابق ، والذي ركز على تقديس الفرعون ، والسعي لإعلاء شأن الفرد على الجماعة ، وعجز المؤسسات التربوية والإعلامية عن تأصيل المفاهيم التي تدعوا إلى العمل الجماعي ، وتقدير العقل الجمعي ، وتهميش لغة الحوار الهادف . تأتى دعوتنا اليوم لكافة القوى السياسية إلى أن تتعلم كيف تقدر العقل الجمعي بداخلها أولا ، ثم كيف تمارس روح الفريق الواحد عندما تتصدر المشهد أو تكون ضمنه معلنة أن المصلحة العليا للوطن فوق المصالح الحزبية أو الشخصية داخل الحزب أو الفريق أو الجماعة . إن القرآن يطالبنا بالعمل الجماعي فيقول:(ولتكن منكم أمَّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون). وقوله سبحانه تعالى : { تعاونوا على البر والتقوى ، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان } وميدان التعاون الذي تشير إليه الآية الكريمة كما نرى واسع جدا لأنه يشمل كل أنواع البر ، والعمل الجاد الصالح وذلك في كل مكان وزمان . ويؤكد الرسول صلى الله عليه سلم على أهمية العمل في جماعة ،ويؤكد على عظمة العمل في فريق واحد عندما يقول صلى الله عليه سلم:(يد الله مع الجماعة). وفي قوله صلى الله عليه وسلم : { لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه } وقوله عليه الصلاة والسلام : { مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد إذا اشتكى عضوا منه تداعى له سائر الأعضاء بالسهر و الحمى } لقد رأيت بنفسي تعدد المنصات في ميدان التحرير وذلك يوم الجمعة الموافق 8 يوليو ، صحيح أن الرؤى السياسية والفكرية مختلفة وهذا شان الاختلاف السياسي ، ولكن الثورة واحدة وأهدافها معلنة وواضحة ، ولا يجوز أبدا أن تختلف القوى الوطنية فيما تم الاتفاق عليه ، وعلى الجميع أن يعرف ويضع نصب عينيه أن المواطن البسيط ضمن الأغلبية الصامتة لم يعطى صكا لأحد مهما كان شأنه لكي يتحدث نيابة عنه أو يصادر رأيه ، وأن الفيصل في ذلك هو صندوق الانتخاب ، عندها نقول أن الشعب قد قال كلمته ، وحتى يحين ذلك الوقت أتمنى وارجوا من كل القوى السياسية التي عقدت العزم على أن تتواجد في ميدان التحرير، أو في أي ميدان من ميادين مصر أن تجعل منصتها مصر ، وان يكون الجميع تحت العلم المصري ، ولا داعي للمنصات التي تجعل البعض يظهر وكأنه يحتكر رأى الأغلبية ، أو تأتى صيحاته معبرة عن حزبه ، أو ائتلافه ، أو جماعته ، نريد أن يعبر الجميع عن مصر وعما يريده شعب مصر . ومعا لتحقيق أهداف الثورة بعيدا عن منصات تفرق القلوب وتشتت العقول وتثير التساؤلات .... معا في حب مصر .