للمرة الثانية، يلتقي الرئيس عبدالفتاح السيسي شخصية دينية على خلاف مع المؤسسة الدينية الرسمية في مصر (الأزهر)، بعد أن التقى أمس الأول، البابا فرانسيس، بابا الفاتيكان، في زيارة هي الأولى من نوعها بعد وصوله إلى السلطة في يونيو الماضي. وفي أغسطس الماضي، استقبل السيسي بمقر الرئاسة، مفضل سيف الدين، سلطان طائفة البهرة بالهند، في زيارة أثارت جدلاً دينيًا وقتذاك، في ظل الفتوى الصادرة من "دار الإفتاء" المصرية ب "تكفير" هذه الطائفة الشيعية، واعتبارها خارجة عن الإسلام، وفق نص فتوى صادرة في 1أكتوبر 2013 برقم 261071 على الموقع الرسمي لها. ووصفت الدار في فتوى ثانية تحت رقم 680732، الصادرة بتاريخ 18فبراير 2014، طائفة البهرة بأنها "فرقة خارجة عن الإسلام، وحكمهم في التعاملات نفس حكم المشركين في عدم جواز أكل ذبائحهم، وعدم جواز الزواج من نسائهم". وبحسب المتحدث باسم الرئاسة آنذاك، فإن الرئيس رحب بسلطان البهرة في زيارته الأولى إلى مصر منذ توليه هذا المنصب في يناير 2014 خلفا لوالده، مشيدًا بالجهود التي تبذلها طائفة البهرة لترميم المساجد الأثرية في مصر. وأشار إلى أن سلطان البهرة قدم مساهمة في صندوق "تحيا مصر" للنهوض بالاقتصاد المصري، تقدر بعشرة ملايين جنيه، منوها إلى العلاقة الروحية التي تربط بين أبناء الطائفة ومصر التي تضم في رحابها الكثير من مساجد آل البيت. وجاءت زيارة السيسي الأخيرة إلى الفاتيكان لتجدد الجدل حولها، خاصة وإن الأزهر المؤسسة الدينية الأرفع في العالم، وأحد المرجعيات التي استند إليها الرئيس في قراره الإطاحة بالرئيس محمد مرسي في يوليو الماضي، جمدت حوارها مع الكنيسة الكاثوليكية قبل سنوات، بسبب تدخلها في الشأن المصري. وشهدت العلاقة بين الأزهر والفاتيكان حالة من الجمود التام في عهد البابا بنديكت السادس عشر، بابا الفاتيكان السابق، إثر استشهاد الأخير في إحدى خطاباته التي بإحدى الجامعات الألمانية في سبتمبر 2006، بقول لأحد الفلاسفة الذي ربط بين الإسلام والعنف، في محاضرة كان يلقيها البابا لطلبة كلية دينية؛ مما أثار استياء الأزهر وكافة المسلمين. وجمد الدكتور محمد سيد طنطاوي شيخ الأزهر السابق، الحوار مع الفاتيكان عام 2006، بسبب هذا الهجوم، إلا أنه ألغى لاحقًا في فبراير 2008 قرار تجميد حوار الأديان مع الفاتيكان، قبل أن يتم قطع العلاقات نهائيًا بين الأزهر والفاتيكان في عام 2011، بعد تصريحات البابا بنديكت السابق حول حادثة كنيسة القديسين بالإسكندرية، والتي طالب فيها بحماية المسيحيين بمصر. واعتبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر، تصريحات بابا الفاتيكان تدخلًا في الشئون المصرية، واستمر القرار حتى بعد وصول البابا فرانسيس إلى الكرسي الرسولي في مارس 2013، بعدما اشترط الأزهر لعودة الحوار ظهور إشارات ايجابية من جانبه. وقال الأزهر، في بيان أصدره في يونيو 2013، إن "عودة العلاقات بين الأزهر والفاتيكان مرهونة بما تقدمه مؤسسة الفاتيكان من خطوات إيجابية جادة تظهر بجلاء احترام الإسلام والمسلمين"، وأضاف، أن في مقدمة هذه الخطوات "الرد على تهنئة الأزهر للبابا بمناسبة ترسيمه"، والتي قال الأزهر إنه "لم يتلقَ الرد عليها". إلا أن زيارة السيسي إلى الفاتيكان، ليكون بذلك ثاني رئيس مصريًا يقوم بزيارة من هذا النوع بعد الرئيس المخلوع حسني مبارك، أعادت إلى الواجهة الحديث عن الخلاف الأزهر والفاتيكان، وإمكانية استئناف الحوار مجددًا بين الطرفين، في الوقت الذي تحدثت فيه تقارير صحفية إيطالية عن أن الزيارة ستتطرق إلى إنهاء القطيعة بين الجانبين. فيما برزت إشارات ترحيب من جانب مؤسسة الأزهر، بعد أن أعرب الدكتور عباس شومان وكيل الأزهر عن ترحيبه باللقاء الذي جمع أمس الرئيس عبدالفتاح السيسي مع البابا فرنسيس، معربًا عن الأمل أن "يؤدي لتقريب وجهات النظر" بين مؤسسته والفاتيكان. وكان المتحدث باسم رئاسة الجمهورية المصرية، علاء يوسف نقل عن البابا خلال اللقاء الدعوة إلى "استئناف الحوار بين الأزهر والفاتيكان" عبر "إعادة تفعيل لجنة الحوار المشترك" من أجل "تعزيز التعايش المشترك بين الشعوب وتدعيم جهودهما في مواجهة الأفكار المتطرفة"، حسبما أفاد في بيان. وقال شومان في تصريح إلى وكالة "آكي" الايطالية للأنباء تعليقًا على دعوة البابا "لم يصلنا شيء رسمي بهذا الخصوص لنبني عليه، وشيخ الأزهر والأزهر يرحبون دائما بالحوار والانفتاح". وأضاف "قبل فترة جاءنا هنا وفد من الفاتيكان ورحبنا به لايوجد لدينا أي مانع للحوار شريطة ألا يكون الحوار للحوار يجب أن يكون على قواسم مشتركة للوصول لأهداف محددة ليس لدينا مشكلة لكن الموضوع يحتاج لترتيبات". وجدد وكيل الأزهر "أهلاً بتفعيل لجنة الحوار"، إلا أنه أردف مستدركًا "لقد كان هناك حوار قائم وتوقف لظروف، نحتاج أن نتفق على ثوابت، بيننا بروتوكول يحتاج لإعادة النظر، ولا مانع من الحوار" مع الفاتيكان. وخلص إلى القول بأن "مؤسسة الفاتيكان لها وجودها ونتمنى أن تكون العلاقات بينها وبين الأزهر قوية".