لماذا يخشى الفاسدون تقارير الجهاز المركزي للمحاسبات تحديدًا، رغم أن في مصر أكثر من جهاز رقابي يرفل في نعيم الرواتب الخيالية والمكافآت السخية، حتى "البدل" التي يلبسونها وبونات البنزين لسياراتهم الخاصة، كلها من جيوب المصريين.. وتوفر لهم الدولة كل الإمكانيات التي من المفترض أن تجعلهم يعملون دون أي ضغوط تؤثر على أدائهم الرقابي.. ومع ذلك نهبت أموال الدولة بالمليارات وهربت إلى الخارج؟! هذا الاستهلال له شقان، الأول بشأن خطورة تقارير المركزي للمحاسبات دون غيرها من التقارير الرقابية الأخرى.. ويوضح ذلك المستشار هشام جنينة في حواره يوم أمس الأول في "الوطن" بقوله: "الجهاز يختلف عن هذه الأجهزة في أنه يقدم وقائع ثابتة بمستندات، بخلاف الأجهزة الأخرى التي تعتمد في عملها على مصادر سرية للمعلومات التي قد تكون صحيحة أو خاطئة، أما ما يقوم به الجهاز المركزي للمحاسبات فلا يبنى على معلومات، بل يدلل عليها من خلال مستندات لأنه يعتمد على الفحص المستندي". الشق الثاني يتعلق بالأجهزة الرقابية التي ضبطها "المركزي للمحاسبات" متورطة وبالمستندات في وقائع فساد.. وهي المفارقة المدهشة والمؤلمة في آن، فإذا كان المكلفون بحماية المال العام من اللصوص.. يعتدون هم أنفسهم على هذا المال ويستولون عليه، ويشهرون ما في أيديهم من سلطة وأدوات بطش في وجه هشام جنينه لردعه وتخويفه.. ولولا تحصين المنصب كما قال هو في حواره لكان نزيل السجن بتهمة كشف فساد الكبار من سدنة الأجهزة القمعية.. إنها ليست "لصوصية" فقط.. وإنما "بلطجة" مسنودة بسطوة "أباضيات" الوكالات السرية التابعة للدولة. مشكلة جنينة هي ثباته وصلابته أمام وحشية التهديدات.. من الذين كشف فسادهم من حيتان كبيرة فيما عرف ب"الحزام الأخضر".. ولأول مرة نعرف من خلال جنينة أن جهات سيادية لها "شركات خاصة" استولت على 35 ألف فدان دون وجه حق، وأن هناك مسئولين سابقين وحاليين بالدولة، حصلوا على قطع أراض بالحزام الأخضر من خلال استغلالهم لمناصبهم وصفاتهم، ومنهم على سبيل المثال نواب عموم قاموا بإيصال مرافق للأراضي على حساب الدولة في الوقت الذي حرم القانون فيه توصيل أي مرافق لهذه المناطق، وتم تقدير سعر هذه الأفدنة من خلال لجنة تثمين أراضي الدولة، وقدرت سعر الفدان ب3 آلاف جنيه، في حين أن سعره الحالي بلغ 5 ملايين جنيه.. خسرت بسببه الدولة 26 مليار جنيه، بحسب ما قال في حواره. المستشار جنينة يعرف جيدًا العواقب والمخاطر حال "طرمخت" الدولة على فساد كبار رجالها، مؤكدًا أن ذلك سيعطي مبررًا أكبر ل"شرعنة" الجرائم الإرهابية.. وقال نصًا: "أنا أقوم بواجبي على أكمل وجه، فمحاربة الفساد لا تقل أهمية عن محاربة الإرهاب والعكس صحيح، فهما وجهان لعملة واحدة، فإذا لم نحارب الفساد ستفقد الدولة كثيراً من مصداقيتها لدى الرأي العام، وهذا سيكون تكأة للإرهاب ومبرراً لأنشطته الإجرامية، ويعطى انطباعاً بأن الدولة غير جادة في محاربة الفساد". تحية تقدير واحترام لهذا المواطن الصلب والشريف.. فهو يعيد إلينا الأمل بأن البلد ما زال بخير. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.