البخور الذى أطلقته "حكومة نظيف" لفك ما اعتقدت أنه "نحس" يلازمها يمثل أحد وجهى الأزمة التى تعيشها مصر، أما الوجه الآخر فتمثله الكتابات الصحفية التى ترجع كل ما تعانيه مصر إلى "حكومة الكوارث"، ولا مانع من بعض "الاستئساد" فى الهجوم على الحكومة كلها أو بعض وزرائها، فى اختزال معيب لأزمة مصر التى هى أزمة بنيوية تضرب فى صلب النظام وتتجلى فى كل ما هو "شأن مصرى"، من السياسة الخارجية إلى الأمور الداخلية، ومن الاستثمار إلى الخدمات. وأزمة بهذا الحجم لا يمكن أبدا ولا يصح أن نختزلها فى حكومة سيئة الأداء أو سيئة الحظ، فضلاً عما يعكسه الاعتقاد بوجود "نحس" والطرق المتبعة للتخلص منه من تخلف يغلق سبيل المناقشة وأبواب الأمل فى الإصلاح. وللحكومة التى تعتقد أنها منحوسة، ولهؤلاء الذين ينسبون إليها الكوارث نقول: وهل كانت الحكومة السابقة أو أى من الحكومات الأسبق "طالع سعد"؟ هل سار الخير فى ركاب أى منها؟ وهل نجحت فى "جلب الحظ " للبلاد والعباد؟ الصحيح أن الكوارث تخيم على مصر من وقت طويل، والأسوأ أنها كوارث تنزل بنا ولا تغادر، كوارث وأزمات تبدو كالمأزق المغلق بلا مخرج، من الزلزال إلى السيول إلى غرق العبارات وسقوط الطائرات وحوادث القطارات، ومن الفشل الكلوى والفيروس الكبدى وحمى الوادى المتصدع والقلاعية إلى أنفلونزا الطيور. ولأن الأزمة كما قلنا هى فى الأساس أزمة نظام، فإن الكوارث تتكرر مع كل الحكومات بنفس الوتيرة، ويتكرر معها العجز والفشل بنفس الطريقة. والمؤكد أن أسوأ وجوه الكوارث والأزمات لا يتمثل فى الحادث أو الظاهرة الطبيعية التى تقع فالدنيا كلها معرضة للحوادث والظواهر الطبيعية الضارة بل يتبدى فى الطريقة الخاطئة التى يتعامل بها النظام مع ما يقع من حوادث وظواهر، تلك الطريقة التى تنبع من رؤية لا تبالى بالناس أساسا، وكل ما يهمها هو بقاء النظام واستقراره، سواء أقيم هذا الاستقرار على سواعد الرجال أم على هياكلهم العظمية! مثلاً: عندما غرقت قرى "إدكو" نتيجة كسر جسر ترعة، لم يفكر أحد فى إغلاق "الهويس" الذى يمد الترعة بالماء إلا بعد 48 ساعة من بدء الكارثة، 48 ساعة كان "النظام" خلالها يحاول شفط الماء من القرى الغارقة بينما الهويس المفتوح يأتى بأضعاف ما يتم شفطه! وعندما اجتاحت السيول قرى الصعيد، لم يفكر أحد فى تفريغ مستودع الوقود الموجود فى قرية "درنكة" ولا فى قطع الكهرباء، التى أصبحت تشكل خطرا داهما بعد أن اقتلعت السيول أعمدتها، والنتيجة حريق مروع حين طفا الوقود على سطح السيل المندفع، واشتعل بالشرر الكهربائى لتتولد نار تتحرك بسرعة السيل وقوته وتحرق القرية بالكامل. أما كارثة وباء أنفلونزا الطيور، فلعلنا نتفق على أن ضعف ثقة الناس فى النظام أدى إلى مضاعفة آثارها السلبية، وهو ضعف له ما يبرره لا من تاريخ العلاقة بين النظام والشعب فحسب، بل من تصرف النظام فى الأزمة نفسها كذلك، وحسبك أن الإعلام الرسمى، وقبل أسابيع من ظهور الوباء، نشر أن الوزراء والمحافظين وعائلاتهم تم تطعيمهم ضد "أنفلونزا الطيور"!! الوزراء والمحافظون وعائلاتهم أما بقية الشعب فليذهب إلى الجحيم، ذلك أن النظام مسئول فقط عن رجاله الذين يعتمد عليهم مرتين، مرة عندما يلتزمون بتعليماته لدرجة أن المنتخب الوطنى لكرة القدم فاز بكأس أفريقيا بناء على تعليمات السيد الرئيس ومرة عندما لا يجد طريقة للتبرؤ من الكوارث والأزمات إلا بإلقاء اللوم على هؤلاء الرجال أنفسهم، واتهامهم عبر الإعلام التابع له بأنهم "حكومة كوارث". والحال كذلك، كان طبيعيا ألا يثق الناس فى نظام احتكر حق التطعيم لرجاله وترك الملايين يواجهون الوباء بلا غطاء إلا التصريحات والتطمينات الرسمية، وملخص الصورة أن النظام حصن نفسه بالتطعيمات، وحين جاء الوباء تخلص من الدواجن ولم يفكر فى تحصينها (ذلك أنها دواجن لا وزراء) أما الأدوية وتعويضات المضارين الذين فقدوا دواجنهم بيد النظام وتحت سمعه وبصره..وما أكثرهم فإنها لم تأت حتى الآن. ولمعرفة الفرق بين نظام يضحى من أجل شعبه ونظام يضحى بهذا الشعب أدعوكم إلى مقارنة موقف النظام فى مصر بما فعله النظام فى فرنسا، الذى رتب فوراً حملة لتطعيم مليون طائر هى كل الطيور المتواجدة فى مناطق الوباء، حفاظاً على الثروة الداجنة التى هى ميراث دولة وممتلكات شعب. فهل سمعتم عن أى جهود بذلها النظام المصرى فى هذا الصدد؟ [email protected]