حزب النور في صراعه على منابر المساجد مع وزير الأوقاف، يتورط في مواقف لا يجوز مطلقًا أن تصدر من حزب، مرجعيته الأساسية تعتمد على فحوى أخلاقي يفترض أن يكون معصومًا بقدر معقول من الضمير الديني.. وهو الفارق الذي يميز هويته الأخلاقية، عن بقية الأحزاب المدنية الأخرى التي تستبطن "هوية ميكافيلية" تستند إليها في التعاطي مع الشأن العام. حزب النور يعتبر أزمته مع الدولة ليست سياسية، معتمدًا على رصيده من رضا السلطة عليه، والذي تضخم بشكل غير مسبوق في تاريخ العلاقة بين السلطة والجناح السياسي للدعوة السلفية، بعد هوجة 30 يونيو، ومشاركة رئيس الحزب في احتفالية عزل مرسي يوم 3 يوليو 2013. حزب النور استشعر بأن أزمته مع السلطة هي أزمة "دور".. إذ اكتشف بمضي الوقت، بأن حاجة النظام إليه، لا تتخطى دور "الواجهة" وليس "الشريك"، فقد استخدم يوم 3 يوليو، لتصدير صورة بوجود تيار إسلامي بين القوى التي عزلت "الإسلامي" محمد مرسي.. لتأصيل الانطباع بأنه ليس ثمة موقف من الإسلاميين عمومًا.. وإنما من الإخوان وحسب ورئيسهم غير المرغوب في وجوده بالسلطة. ويبدو لي أن "النور" تيقن بأنه كان محض استثمار مؤقت لصالح طرف في الصراع على السلطة، وأن اصطفاف الإعلام المؤيد للسيسي، في التحريض على إغلاق الحزب، لا يمكن أن يكون عفويًا ودون ترتيبات، خاصة أن من بين هؤلاء الإعلاميين، من يعتبر واجهة إعلامية لأجهزة أمنية رفيعة، هي في واقع الحال، المطبخ الحقيقي لصناعة القرارات الكبيرة في مصر. النور استشعر بأنه خرج من "المولد بلا حمص".. فلا "سياسة" بعدما رأى أنه لا مستقبل له في "البرلمان" القادم.. ولا "مساجد" بعد أن أممتها الدولة، وأسست "شرطة دينية" تلقي القبض على كل من يعتلي المنابر دون ترخيص من الأوقاف. النور.. خرج من السياسة، فاتجه إلى ما يعتقد بأنها "الجبهة الأسهل" لإنجاز انتصارات عليها، والحصول على أي مكاسب حتى لو كانت محدودة.. وهي جبهة الصراع على المنابر مع وزير الأوقاف. المشكلة أن "النور" يتزايد توتره، وبدلاً من أن يقنع السلطة بأن وزنه أكبر من مجرد "ديكور" في عملية عزل مرسي.. وأنه يمتلك كفاءات علمية تؤهله لاقتسام المنابر مع الدعاة الرسميين المعتمدين من الكليات والمعاهد الأزهرية.. بدلاً من ذلك يلجأ إلى أسلوب "التحريض" الذي يطلق عليه بين عوام الناس "إسفين".. في عالم السياسة "التقارير الأمنية" ضد المنافسين أو المعوقين لأحلامه التي باتت "صغيرة". قياداته الكبيرة لا تتورع في التحريض المزدوج ضد وزير الأوقاف من جهة، وأئمة المساجد من خريجي الأزهر من جهة أخرى.. وما انفكت مرجعياتهم المشهورة إعلاميًا، تدعي بأن كثيرًا من خطباء المساجد المعتمدين من الدولة، ينتمون إلى جماعة الإخوان المسلمين.. وهو تحريض لا يليق مطلقًا بجلال وهيبة وعظمة الدين الذي يعتبرونه مرجعيتهم ومركز مشروعهم السياسي والاجتماعي والحضاري.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.