بعد أن أتم صيام يوم " عاشوراء " وأفطر وصلى بإخوانه صلاة المغرب وجلس يتسامر معهم منتظراً صلاة العشاء فاضت روحه إلى خالقها بعد حياة حافلة مليئة بالعطاء والبذل والتضحية قضاها متنقلاً بين السجون وبلاد المنفى الاختيارى الذى اختاره هرباَ من بطش وأذى حكام لا يسعهم إلا صوتهم أو صوت من يهلل لهم . قصة طويلة عاشها الشيخ محمد مختار المقرىء ( أبو إيثار ) مع الدعوة والعلم .. داعياً إلى الله تعالى وصادعاً بالحق وناشراً للعلم الشرعى فقد كان – رحمه الله –يمتلك موهبة خطابية نادرة أهلته لأن يكون صاحب لقب " كشك الصعيد " فقد كان شديد الشبه بالشيخ كشك – رحمه الله – فى بلاغته وفصاحته إضافة إلى قوته فى التصدى للظلم والاستبداد وفى تعرية الفساد وفضح المفسدين . وكان من الطبيعى أن يكون الشيخ هدفاً دائماً للسجن والاعتقال فتعرض للسجن عقب مقتل السادات وحكم عليه بالسجن لمدة سبعة أعوام ، ثم خرج من محبسه وأصر على مواصلة أداء رسالته فى الدعوة إلى الله مما عرضه للمطاردات الدائمة فكان يتنقل من بلد إلى آخر داعياً إلى الله فالتقيت به قبل أكثر من عشرين عاماً عندما حضر إلى الإسماعيلية ليلقى محاضرة عن وجوب الحكم بما أنزل الله تعالى ، وكان كعادته مبدعاً فى لغته وفصاحته وسرده للأدلة الشرعية بسلاسة ويسر وكأنه يقرأ من كتاب مفتوح أمامه . وعندما ضاقت به السبل فى بلاده وأيقن أنه إما مقتول أو مسجون ما تبقى له من عمر اختار له إخوانه أن يخرج من مصر ليكمل رسالته فى أى مكان آخر فتنقل من بلد إلى أخرى حتى استقر به المقام فى العاصمة البريطانية لندن فعاش فى منفاه " الاختيارى " داعياً إلى الله مبلغاً رسالة السماء مجتهداُ فى إرشاد الناس إلى ما ينفعهم فى دنياهم وآخرتهم . وكان الشيخ على موعد مع بلاء جديد أواخر التسعينات فقد اعتل قلبه فجأة دون سابق إنذار أو سابقة مرض مما استدعى التدخل الجراحى العاجل فكانت عملية القلب المفتوح التى تحول بعدها إلى شخص آخر فقد وهبه الله – تعالى – بسطة فى الجسم ملحوظة ولكن الجسد أبى إلا النحول والضمور وانحنى الظهر الذى ظل لعشرات السنين مرفوعاً وانخفض الصوت الذى عرف بقوته وجهوريته وفقد قلبه الجزء الأكبر من نشاطه وحيويته حتى أنه كان يعمل بكفاءة لا تتعدى 5% فقد من كفاءته الأصلية . وبالرغم من كل ذلك فقك كان الشيخ يتوق إلى اليوم الذى يعود فيه إلى مصر مرة أخرى ليعود إلى دعوته التى أحبها حباً عظيماً استعصت على المرض واعتلال الصحة لذا فبعد ثورة يناير ورحيل مبارك عاد إلى مصر التى غادرها رغماً عنه منذ أكثر من عقدين من الزمان وهو يظن أن الحياة قد ابتسمت له وأنه سيقضى ما تبقى له من عمر وسط إخوانه وبين جدران المساجد وحلقات العلم ولكن متى كانت الدنيا تصفو لإنسان ؟!!!! وبقى الشيخ بعد انقلاب الثالث من يوليو 2013 ولكنه اضطر للعودة إلى بريطانيا للحاق موعد المتابعة الصحية الدورية الخاص به وكان فى نيته الرجوع فور الانتهاء منها ولكن إخوانه ألحوا عليه فى البقاء حيث كان نظراً لتدهور الأوضاع فى مصر . ثم حضر إلى اسطنبول بتركيا لحضور مؤتمر دعوى منذ حوالى شهر فقرر البقاء مع إخوانه بعض الوقت يأنس بهم ويأنسون به بعد أن حرم منهم ومن رفقتهم سنوات طويلة ، وكان كعادته بين إخوانه مربياً وداعياً ومرشداً للخير ، وشاحذاً للهمم ، ومستنفرا للطاقات حتى توقف القلب العليل عن العمل فجأة !! رحم الله الشيخ المقرىء رحمة واسعة فقد مات غريباً بعيداً عن زوجه وولده وأهله ، ولكن حسبه أن الجميع بكاه بصدق وبحب كبيرين .