في يوم 9 مايو من عام 1882 وُلِد القارئ الشيخ محمد رفعت أحد القرّاء البارزين والملقّب ب"المعجزة" و"قيثارة السماء" بحي المغربلين بالقاهرة، وتُوفّي يوم 9 مايو من عام 1950. صوت ملائكي لم تنسَه الآذان ولا القلوب حتى الآن بل حتى تقوم الساعة.. لم يكن الشيخ محمد رفعت مجرّد قارئ، بل كان حامل قرآن، ولم يكن مرتزقا بصوته بل كان كما سُمّي سوط عذاب وصوت رحمة. فَقَد بصره في الثانية من عمره، وحفظ القرآن قبل أن يتمّ العاشرة، وتعلّم التفسير والقراءات، وكان يجري القرآن على لسانه رحمة ونورا، يبرد القلوب ويهدي الألباب.. كان الشيخ يقرأ وكأنما يستخرج الجمال في النص القرآني، فلا عجب أن ترى الدموع طوفانا من السامعين؛ لأن صوت الشيخ أدخل كلام الله إلى قلوبهم فلمسها فوجلت فانتفضت لذكر الله. لم يكن الشيخ رفعت يتكسّب بالقرآن أو يتربّح من قراءته، بل كان يفيض الإيمان ويبثّ حلاوة كلام الله على القلوب والأسماع.. وليس أدلّ على ذلك أنه لم يُوافق أن يفتتح بث الإذاعة المصرية 1934 بصوته إلا بعد أن استفتى في مدى كون ذلك ليس حراما، وحين سمعت صوته هيئة الإذاعة البريطانية أصرّت أن تسجّل القرآن بصوته لكنه رفض؛ ظنّا منه أنه حرام لكونهم غير مسلمين، فأفتاه الشيخ المراغي بعدم حرمة ذلك فسجّله لهم. وما يُروَى عن رقة قلب الشيخ، أنه زار صديقا له قبيل موته، فشكا له صديقه حال ابنته ومَن يرعاها بعد موته؟ فتأثّر الشيخ بذلك، وفي اليوم التالي كان الشيخ يقرأ سورة الضحى حتى وصل إلى قوله تعالى: {فَأَمَّا اليَتِيمَ فَلَا تَقْهَر} فتذكّر الفتاة وانهال في البكاء بحرارة، ثم خصّص مبلغا من المال للفتاة حتى تزوّجت.
صفّ ذهنك وقلبك واستمع إلى قيثارة السماء في تلاوة نادرة إضغط لمشاهدة الفيديو: في آخر حياته العجيب أن الشيخ تُوفّي في نفس اليوم الذي وُلِد فيه.. يوم الإثنين التاسع من مايو بعد ثماني وستين سنة عاشها خادما للقرآن محييا للقلوب بنور الله مجليا الصدأ عنها بتلاوة القرآن العظيم. أُصيب الشيخ محمد رفعت في عام 1943 بمرض الزغطّة؛ حيث كانت تأتيه كثيرا حتى توقّف عن القراءة للإذاعة، ولكن بالرغم من أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج؛ فإنه اعتذر عن عدم قبول أي مدد أو عون ألحّ به عليه ملوك ورؤساء العالم الإسلامي، قائلا كلمته المشهورة: "إن قارئ القرآن لا يُهان". كما قامت الجهود الخيرية بفتح اكتتاب لعلاج الشيخ، وجمع التبرّعات له، فتمّ جمع ما يزيد على خمسين ألف جنيه، وعندما عَلِم الشيخ رفعت بذلك رفض قائلا: "أنا مستور والحمد لله، ولست في الحالة التي تستوجب جمع هذه المبالغ، وإذا كان على العلاج؛ فالأطباء يُعالجونني ولكنهم لم يستطيعوا وقف هذا المرض ومنعه، كما أن هذه المبالغ أصحابها أوْلَى بها منّي؛ فهم الفقراء والمحبّون لصوتي حقا، ولكني والحمد لله لست في حاجة إلى كل هذا المال"، واعتذر عن قبول هذه التبرّعات، ثم تُوفّي -رحمه الله- بعد ذلك بعام واحد في 9 مايو عام 1950. استمع إلى مقتطفات من تلاوات الشيخ محمد رفعت الرائعة إضغط لمشاهدة الفيديو: قالوا عنه مِن أجمل ما قيل في رثاء الشيخ محمد رفعت ذاك النعي الذي بثّته الإذاعة المصرية: "أيّها المسلمون.. فَقَدنا اليوم عَلَما من أعلام الإسلام". وقالت الإذاعة السورية في نعيها على لسان مفتي سوريا: "لقد مات المقرئ الذي وهب صوته للإسلام". وقال عنه الأديب الراحل أنيس منصور: "لا يزال الشيخ محمد رفعت أجمل الأصوات وأروعها، وسر جمال صوت الشيخ أنه فريد في معدنه، وأن هذا الصوت قادر على أن يرفعك إلى مستوى الآيات ومعانيها". في ذكرى مولده ووفاته، رحم الله الشيخ محمد رفعت وأبقى صوته يُحيي القلوب ويربط الأرض بالسماء، بصوت خشع لله فسهّل الله له طريق الوصول إلى القلوب. شاهد ماذا قالت عنه حفيدته والشيخ أبو العينين شعيشع إضغط لمشاهدة الفيديو: واستمع إلى الأذان بصوت قيثارة السماء إضغط لمشاهدة الفيديو: