«قيثارة السماء، الروحاني، الرباني، المعجزة» هكذا أطلقوا علي ذلك الصوت العذب الذي اختار القرآن ليكون رفيق حياته ويرتله ترتيلا مختلفا بصوت ملائكي من ذهب، إنه الشيخ محمد رفعت محمود رفعت أول من أقام مدرسة لتجويد الفرقان في القرآن وكانت طريقته تتسم بالتجسيم للمعاني الظاهرة، بهدوء شديد ينزل عليك سكينة التلاوة لتستمع وتستمتع بصوته الشجي اللامس للقلوب، والآسر للأرواح كان جل اهتمامه بمخارج الحروف وكان يعطي كل حرف حقه ليس كي لا يختلف المعني بل لكي يصل المعني الحقيقي إلي صدور الناس، بخشوع ورقة عابد يشهد بوحدانية الله وصمديته. رتل الشيخ محمد رفعت القرآن الكريم علي مدي عشرات السنوات، تعلم رفعت بالسيدة زينب ودرس بدرب الجماميز في سن الخامسة حتي التحق بكتاب مسجد فاضل باشا للقرآن وحفظ المقامات الموسيقية علي يد شيوخ عصره. وكان والده يعمل مأمور قسم شرطة الخليفة وتوفي الأب وهو في التاسعة من عمره فلجأ «المعيل الوحيد» للأسرة إلي القرآن دون أن يسترزق منه ثم ذاعت شهرته في الإذاعة وهو في الخامسة عشرة من عمره ونال محبة وإعجاب الناس. افتتح «رفعت» الإذاعة المصرية بصوته وقرأ جزءا من آيات القرآن الكريم 1934، ويروي عن شيخ أنه كان رخيما رقيقا ذا مشاعر جياشة عطوفا علي الفقراء والمحتاجين حتي أنه كان يطمئن علي فرسه كل يوم ويوصي بإطعامه، ظل صوت محمد رفعت يذكر الجميع بإجادة قراءة القرآن الكريم وحب الاستماع إليه حتي بعد وفاته ورغم ظهور الكثيرين من القرآن إلا أن صوته ظل في أذهان الجميع، أصيب الشيخ محمد رفعت بمرض «الزغطة» سرطان الحنجرة وتوقف عن القراءة ويقال إنه علي الرغم أنه لم يكن يملك تكاليف العلاج إلا أنه اعتذر عن عدم قبول أي عون من رؤساء وملومك العالم الإسلامي وكانت كلمته المشهورة «إن قارئ القرآن لا يهان». وفارق صاحب الصوت الذهبي الحياة في 9 مايو 1950. يذكر أن الشيخ رفعت كان صديقا لكثير من الفنانين وقتها ومنهم أم كلثوم كوكب الشرق ومحمد عبدالوهاب والذي وصف الكاتب محمود السعدني صوته «بأنه ملائكي يأتي من السماء لأول مرة» وفسر سر تفرده بأنه كان «ممتلئا تصديقا وإيمانا بما يقرأ..» وقال عنه علي خليل «شيخ الإذاعيين» إنه كان هادئ النفس، تحس وأنت جالس معه أن الرجل مستمتع بحياته وكأنه في جنة الخلد، كان كيانا ملائكيا تري في وجهه الصفاء والنقاء والطمأنينة والإيمان الخالص للخالق وكأنه ليس من أهل الأرض. ونعته في الإذاعة المصرية عند وفاته إلي المستمعين بقوله: «أيها المسلمون فقدنا اليوم علما من أعلام الإسلام».. رحم الله محمد رفعت ومتعنا بصوته العذب.