لا أجد قوما أشبههم بمبارك ومن شاركوه في خراب مصر إلا قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه وهذا تشبيه ربما رآه القارئ ضربا من الخيال وإمعانا في التوهم ، ولكن من يرجع بذاكرته إلى الوراء ويرى كيف استطاع قتلة عثمان رضي الله عنه أن يحولوا بين الخليفة الجديد ( علي رضي الله عنه ) ومعاقبتهم وأن يصير بعضهم من جنده ومن رجال حكمه كما تسلل بعض رجال الحزب الوطني السابق وصاروا من رجال الحكومة الجديدة ومن محافظيها ير صدق قولي .. ولا يعنيني الآن تغلل هؤلاء المباركية ( إن صح التعبير ) في الحكومة فوجودهم لن يؤثر بشيء ما دامت تلك الحكومة انتقالية ، ولن يمر عليها شهور حتى تستبدل بأخرى ، وإنما يعنيني هو الجدل الدائر بشأنهم والمطالبة الملحة بشأن التعجل بمحاكمتهم بحيث لا نترك للقضاة فرصة التروي في محاكمتهم ، واتهام البعض قادة الجيش بما لا يليق ودفع الشعب إلى الاحتكاك بالمؤسسة العسكرية من خلال التصريحات المتهورة والاستماع لما تبثه وكالات الأنباء الغربية المحرضة على الفتنة ، وبالأخص الأمريكية ، كل صباح ومساء عن وجود تواطؤ بين الجيش والحكومة السابقة ، تلك الوكالات التي لا تريد سوى خراب مصر ، وإقناع الشعوب الأخرى بعدم التفكير في الثورات على حلفاء الغرب من الحكام الظلمة وإلا كانت النتيجة خراب البلاد .. إن بعض المتحمسين في خلافة علي رضي الله عنه دفعهم الحماس إلى أن يخرجوا على سلطته ، ولا يعطوه الفرصة الكافية ليدبر أمر القصاص من قتلة عثمان رضي الله عنه وراحوا يجيشون الجيوش دون إذن منه ، وكانت النتيجة أن دخل الطرفان في حربين ( هما من أشد الحروب خطورة في تاريخ الإسلام ) موقعة الجمل وموقعة صفين ، تلك الموقعتين اللتين راح ضحيتهما عشرات الآلاف من خيرة المسلمين ، ثم حرمان المسلمين من نظام الخلافة القائم على الشورى وحسن الاختيار إلى الآن .. وأخشى ما أخشاه الآن أن يعيد التاريخ نفسه ، ويدفع المتهورين البلاد إلى أتون حرب أهلية وصدام بين الجيش والشعب ، صدام يأتي على الأخضر واليابس في البلاد ، بحجة ضرورة الإسراع في محاكمة قتلة الثوار وتطهير البلاد ، وعندها لن يكون هناك سبيل إلى محاكمة القتلة أو الفسدة ، بل ربما تمكنوا في ظل الأوضاع المضطربة من الفرار من البلاد جميعا بعد أن تشتعل نيران الحرب الأهلية فيها ، وينجوا من العدالة في ظلمة الليل كما نجا قتلة عثمان وسط السيوف المشتعلة بين المسلمين في وقعة الجمل ووقعة صفين .. فيا عقلاء البلد ويا مثقفيها انظروا بعين الشفقة لمصركم وانظرا بعين الرأفة لمستقبل أولادكم وترووا يرحمكم الله في أحكامكم ، ودققوا في ألفاظكم ، وتمعنوا في قراراتكم ولا يستخفنكم الذين لا يعقلون ، فوالله لأن ينجوا القتلة كلهم من القصاص أهون من أن تدخل البلاد في أتون الحرب الأهلية ، ولأن ينجوا الفسدة واللصوص والمجرمون من المحاكمة وتذهب أموالهم بغير رجعة أهون من ضياع البلد كلها ، ولأن نصبر على فساد بعض الوزراء والمحافظين الذين لا نرضى عنهم ساعة أهون من أن تتطور الأمور لتدخل بنا في الأحكام العرفية التي تعود بنا إلى فترة الاستبداد مرة أخرى .. فهل أنتم منتبهون لنصحي ؟؟!! *مدير موقع التاريخ الالكتروني