«داعش» أحدثها.. الجهاد فى فلسطين أقدمها.. أفغانستان حالة فريدة.. سوريا بتشجيع رسمى.. والعراق نتاج للقمع الأمنى "رأينا الواقع مخالفًا لما ينبغى أن يكون عليه الواقع الإسلامى كما درسناه فقررنا أن نغيره"، يمكن بتلك الكلمات القليلة التى قالها مصطفى يسرى، أمير عام تنظيم جماعة الجهاد فى الثمانينيات، أن نلخص الأسباب الحقيقية وراء انضمام آلاف الشباب المصريين لتنظيمات جهادية عدة حول العالم، وكانت مؤخرًا الانضمام للجهاد مع تنظيم الدولة الإسلامية "داعش". لم يكن أحمد الدوري، الضابط السابق بالداخلية الذى قتل مؤخرًا خلال مشاركته فى عمليات جهادية فى صفوف داعش، الحالة الوحيدة التى توجد بالقاهرة، بل هناك آلاف من الحالات التى ظهرت طيلة التاريخ المصرى وازدادت مؤخرًا مع ظهور حالة القمع الأمنى فى الشارع المصرى من قبل الأجهزة الأمنية. المتتبع لتاريخ العمل الجهادى فى مصر والذى بدأ عام 1964، حيث نشأت أول مجموعة جهادية بالقاهرة، مؤسسوها ثلاثة هم علوى مصطفى (من حى مصر الجديدة) وإسماعيل طنطاوى (من حى المنيل) ونبيل البرعى (من حى المعادى)، كردة فعل على الهزيمة العربية من جيوش الاحتلال الإسرائيلى ليظهر على أثرها تنظيمات أخرى واضطر شباب كثير للهروب من مصر والمشاركة فى الانتفاضة الفلسطينية باحثًا عن مناخ تطبيق الشريعة الإسلامية من وجهة نظره. استمرت تلك الحالة حتى قيام التنظيم بإرسال مقاتلين جدد فى مناطق آسيا لمواجهة الزحف الأمريكى بدءًا من التسعينيات وكانت أبرزها حالة أيمن الظواهرى الذى ذهب للقتال فى أفغانستان. وبعد هزيمة يونيو 1967 ازدادت حالة الغضب لدى الشارع العربى ليظهر اتجاه جديد يتبنى الأفكار الإسلامية وضرورة التغيير بشكل مسلح بعيدًا عن رفع شعارات التغيير السلمية والتظاهرات التى تواجه قمعًا أمنيًا فظهر تنظيم جهادى آخر تبنى بعد ذلك عملية اغتيال الرئيس السادات فى 1981، وشارك فيها خالد الإسلامبولى وعبود الزمر ومحمد عبدالسلام، القيادات بتنظيم الجهاد، لتختفى بعدها التنظيمات وتظهر فى عهد الرئيس المعزول محمد مرسى بسماحه بانضمام أعداد كبيرة من الشباب المصرى وبترخيص من الدولة للقتال مع المعارضة السورية ضد نظام بشار الأسد. وبرغم اندثار وركود التنظيمات الجهادية فى مصر إلا أن العناصر الجهادية تظهر من حين لآخر ومع اشتداد الأحوال السياسية، ولعل الأحداث التى شهدتها مصر فى 3 يوليو من العام الماضى كانت مناخًا جيدًا ومهيئًا لظهور عناصر جهادية تتبنى حمل السلاح لتضطر إلى الهرب والمشاركة فى تنظيمات جهادية بسورياوفلسطينوالعراق وكان أبرزها، بحسب مركز سوفان البريطانى المختص بمتابعة التنظيمات الجهادية، والذي أعلن فى آخر إحصائية له عن سفر ما يقرب من 358مقاتلًا مصريًا للانضمام إلى الجماعات المسلحة فى سورياوالعراق. ............................ إسلاميون: قمع الأنظمة العربية أدى إلى انضمام الشباب إلى "داعش" أكد إسلاميون أن عددًا كبيرًا من الشاب المصرى لجأ إلى الجهاد فى سبيل الله عبر تنظيم "داعش" فى سورياوالعراق أثناء حكم الرئيس المعزول محمد مرسى وبعده، مؤكدين أن الأنظمة العربية متحملة مسئولية ذلك نظرًا لقمع الحريات وعدم تطبيق شرع الله، مقدرين أعداد المصريين الذين يقاتلون فى تنظيم داعش بنحو 1700 شخص. وقال الدكتور ناجح إبراهيم، المفكر الإسلامي، إن الكثير من الشباب المصرى سافر للقتال فى سوريا ضد نظام بشار الأسد أثناء حكم الرئيس محمد مرسى وقبل انتخابه وازداد الأمر بعد مؤتمره الأخير فى استاد القاهرة بعد تلبيته لبيك يا سوريا وفتوى بعض العلماء بوجوب الجهاد ضد نظام بشار القاتل، مؤكدا أن هذا الأمر كان تحت عين وبصر الدولة وكانت الإعلانات فى الشوارع، ولا يكلف الراغب فى ذلك أكثر من 300 جنيه مصرى "32 يورو" والباقى يتحملها آخرون ويسافرون إلى سوريا عبر تركيا. وأضاف أن الحرب ضد تنظيم "داعش" هى نفس مسلسل الحرب على تنظيم القاعدة بعد حرب أمريكا مع الاتحاد السوفيتي، موضحًا أن تشجيع المصريين وغير المصريين للقتال فى سوريا فى بداية الأمر كان بإشراف من تركياوأمريكا، لأنهم سيقاتلون نظام بشار وإيران وحزب الله بالوكالة عن هذه الدول، وكان هناك أشخاص يدفعون، لكن بعد 30 يونيو أصبحت الأعداد قليلة نسبيًا، مشيرًا إلى أن أعداد المصريين الذين يقاتلون فى تنظيم داعش يقدر بنحو 1700 شخص. وقال حازم خاطر، المنسق العام لحركة "صامدون"، إن عددًا كبيرًا من الشباب المصرى والعربي، بدأ يلجأ للتنظيمات الجهادية مثل تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" من أجل الجهاد فى سبيل الله وتطبيق شرع الله، مؤكدًا أن سبب ذلك يرجع إلى النظام فى مصر من قمع للحريات حتى أصبح الإنسان غير آمن على نفسه وأولاده وإذا أراد التعبير عن رأيه من خلال المشاركة فى التظاهرات يتم قتله بالرصاص، موضحًا أن هذا الأمر دفع الكثير من الشباب إلى الهجرة خارج البلاد والجهاد مع مثل هذه التنظيمات، مؤكدًا أن فكرة الهجرة زادت أكثر بعد فض اعتصامى رابعة العدوية والنهضة لأنصار الرئيس المعزول محمد مرسى وعدم حل الأزمة بالطرق السلمية. وأضاف أن الأنظمة العربية، فشلت فى احتواء الشباب وأخرست كل صوت، ينادى بالحرية والكرامة الإنسانية، حتى امتلأت السجون بخيرة شباب هذا الوطن وأصبح لديهم دافع الانتقام وتحقيق أهداف ثورتهم من مغتصبيها. وأوضح خاطر، أن معظم ما يذاع فى وسائل الإعلام عن التنظيمات الجهادية فى العراقوسوريا يغلب عليه طابع التشويه والتحريف، وأن أغلب الفيديوهات التى تبث على شبكات التواصل الاجتماعى مفبكرة، مؤكدًا أن التنظيمات الجهادية تستهدف بشكل أساسى العسكريين الذين قتلوا المسلمين، وبالنسبة لطريقة القتل فهى تختلف من بلد إلى آخر حسب الطبيعة. .............. سياسيون: العنف الأمنى ليس سببًا كافيًا لانضمامهم.. و10 آلاف مصرى انضموا ل"داعش" أكد خبراء سياسيون، أن أسباب انضمام العديد من المصريين إلى تنظيم "داعش" والذين يُقدر عددهم ما يقرب من 8 آلاف مقاتل، ليست مقتصرة على المواجهات الأمنية أو كما يرى البعض أن قصة الضابط السابق أحمد الدروى دليلًا على ذلك، خاصة أن انضمامه للتنظيم جاء بعد فض اعتصام رابعة العدوية الذى كان مشاركًا فيه، وهو الأمر الذى يثير التساؤلات حول مدى اجتذاب هذا التنظيم للعديد من عناصره من داخل مصر، وما عددهم؟ وأسباب انضمامهم؟ وكشف العقيد خالد عكاشة، الخبير الأمنى والاستراتيجى، أن الأجهزة الأمنية فى مصر قدرت أعداد المصريين الذين يقاتلون فى سورياوالعراق، فى تنظيم "داعش" ما بين 8 إلى 10 آلاف، وذلك بمتابعة الآلاف من الجهاديين القدامى والجدد الذين سافروا إلى تركيا، واتخذ بعضهم مسارات تمويهية كالذهاب إلى أوروبا ثم تركيا ثم سوريا. وأضاف أن معظم الذين سافروا كانوا فى بداية الأزمة السورية وكانوا فى شكل مجموعات، حيث كان هناك اعتقاد بأن هذه المجموعات تستطيع محاربة الجيش السورى فى فترة زمنية محددة لكن الموضوع طال فبدأت الدولة المصرية على غرار دول عربية أخرى، تمنع منذ عام التوجه لسوريا أو استقبال أى فرد عائد من القتال فى سوريا. ويرى الدكتور حسن نافعة، أستاذ العلوم السياسية، أنه ليس هناك صلة بين الإجراءات الأمنية التى تتخذها الدولة حاليًا، من مواجهات مع بعض الشباب فى الجامعات أو التظاهرات السياسية، وانضمام العديد منهم لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مشيرًا إلى أن التنظيم يجتذب عناصره من جميع أنحاء العالم وأغلبهم من الدول الأوروبية وعلى رأسها إنجلترا وهذه الدول لا توجد بها مواجهات أمنية، إلا أن هناك اعتقادًا وفكرًا خاطئًا من بعض الشباب بما يفعله هذا التنظيم. وأوضح "نافعة" أن انضمام بعض الشباب المصرى للتنظيمات الجهادية بشكل عام أو لتنظيم "داعش" بصفة خاصة، ظاهرة تسبب فيها تراكمات اجتماعية كثيرة داخل الدولة، أهمها يأس الشباب من الإصلاحات الداخلية فى هذه الفترة، والاعتقاد بأن حمل السلاح والمواجهة المسلحة هى الطريق لمواجهة الدولة، بالإضافة إلى أن هناك توجهًا لبعض الشباب لديهم قابلية للتطرف الدينى بغرض إنشاء دولة إسلامية موحدة كما يزعمون. وأكد أستاذ العلوم السياسية، أن الإغراءات المالية ليست مستبعدة من أسباب انضمام الشباب ل "داعش" ويجب بحث الوضع الاجتماعى لهؤلاء للوقوف على أسباب واقعية لانضمامهم، لافتًا إلى أن كل من تركيا وقطر تساعدان الشباب ماديًا وعن طريق فتح الحدود وتهريبهم للانضمام للتنظيم. ومن جانبه، أكد الدكتور مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربى للدراسات السياسية والاستراتيجية، أن مواجهة الإرهاب بالحل الأمنى فقط قد يسبب توجه بعض الشباب إلى العنف، مشيرًا إلى أن بعض الشباب ظُلموا خلال المواجهات الأمنية، وذلك من خلال تواجدهم بالصدفة فى التظاهرات مما تسبب فى القبض عليهم أو إصابتهم فى المواجهات. وأوضح "غباشي" أن أغلب الشباب فى مصر تائه والحقيقة أمامه غائبة ويعانى العديد من المشاكل ولا يستطيع أن يبدأ حياة جديدة بسبب صعوبة البحث عن فرص عمل، فى الوقت الذى يفتقد فيه التوجيه من قِبل الدولة، كل هذه العوامل أوصلت بعض الشباب إلى اللجوء للعنف. ويرى "غباشي" أن الديمقراطية الحقيقية إذا طُبقت يكمن الحد من حالات العنف، والشباب المصرى مثل أى شباب لابد من إقناعه بوجود ديمقراطية حقيقية فى مصر بعد أن تم تضليله من قِبل الإعلام وإغلاق منافذ الحوار أمامه. وقال هشام النجار، الباحث فى شئون الجماعات الإسلامية، إن حالة من الانبهار تسيطر على الشباب، ما أسفر عن رغبتهم فى الانضمام إلى تنظيم الدولة الإسلامية "داعش"، مشيرًا إلى أن هذه الجماعات تستغل الحماسة التى تتولد لدى هؤلاء الشباب ورغبتهم فى خدمتها فيتم التغرير بهم تحت مغريات الشهادة والحور العين والجهاد. وأضاف، أن فكرة الخلافة الإسلامية تسيطر على هؤلاء الشباب والخطير فى الأمر أن الإسلاميين التقليديين ينتظرون داعش والجماعات التكفيرية ويترقبون مجيئهم لتحل مشكلاتهم مع السلطة الحالية، وتسوية الأزمة مع النظام السياسي. من جانبه، أرجع الدكتور أحمد زايد، أستاذ علم اجتماع، وعميد كلية آداب القاهرة أسباب سفر العشرات من الشباب المصرى وغيرهم من دول العالم، للانضمام لتنظيم الدولة الإسلامية "داعش" إلى عدم تكيف هؤلاء الشباب مع المجتمعات التى ينتمون إليها نظرًا لطموحاتهم الزائدة عن الحد، والتى قد لا يتوافق معها المجتمع أو الأنظمة، مؤكدًا أن هؤلاء الشباب يريدون الحرية الكاملة والتى تتجاوز أحيانًا حدود المعقول. وأضاف أن تنظيم "داعش" يعمل على إشباع شهوات هؤلاء الشباب فيما يتعلق بالزواج وكذلك فكرة الخلافة الإسلامية، مؤكدًا أن هذه الأفكار مضللة، ويجب أن يتم القضاء على هذا الفكر بالفكر أيضًا لأن العنف يعزز الفكر الخاطئ، لذا يجب أن يقوم الأزهر بالإشراف على آلاف المساجد ومراقبة خطباء المساجد لأن لهم تأثيرًا كبيرًا على فكر هؤلاء الشباب.