الهيئة الوطنية للانتخابات تعلن مواعيد جولة الإعادة للدوائر ال 19 الملغاة والصمت الانتخابي    خبير اقتصادي: توقعات بارتفاع أسعار الذهب والفضة في 2026    أخبار الاقتصاد اليوم: استقرار سعر الدولار والذهب.. وزير المالية يوضح كيف تدير الحكومة الدين.. 21 مليار جنيه خسائر للبورصة    جمال رائف: صفقة الغاز مع إسرائيل رابحة لمصر ولا تمثل أي ورقة ضغط سياسية    ترامب: السيسي صديقي وسأكون سعيدا بلقائه    الخارجية الروسية: تطبيع العلاقات بين موسكو وواشنطن ليس بالأمر السهل    ليفربول يفتح ملف التجديد لنجم الفريق بعقد طويل الأمد    وفاة الفنان التشكيلي محمد عمر سليمان    سنن يوم الجمعة: آداب وأعمال مستحبة في خير أيام الأسبوع    7 أصناف من الأطعمة مفيدة لمرضى الأنيميا والدوخة المستمرة    الدفاع المدني بغزة يحمّل المنظمات الدولية والاحتلال مسؤولية ضحايا مخلفات الذخائر    تكريم مسؤول ملف السيارات ب«البوابة» في قمة EVs Electrify Egypt تقديرًا لدوره الإعلامي    إصابة 5 أشخاص باختناق نتيجة تسرب غاز في بشتيل بالجيزة    مجمع الفنون والثقافة يحتضن فعاليات مسرح المنوعات بجامعة العاصمة    جامعة حلوان التكنولوجية الدولية تنظم زيارة للمعرض الدولي السابع للأقمشة    ضياء رشوان: لا يوجد أي نوع من الترتيبات أو الاتصالات بشأن عقد لقاء بين الرئيس السيسي ونتنياهو    الداخلية تكشف حقيقة نقل ناخبين بسيارة في المحلة    سوريا تتوج بجائزة اللعب النظيف في كأس العرب    محاربة الشائعات    الأهلي يرفض بيع عمر الساعي ويقرر تقييمه بعد الإعارة    نازك أبو زيد: استهداف الكوادر الصحية والمستشفيات مستمر منذ اندلاع الحرب في السودان    نازك أبو زيد: الفاشر وكادوقلي والدلنج على شفا المجاعة بسبب الحصار    الداخلية تضبط سيارة توزع أموالا بمحيط لجان فارسكور    الجيزة: غلق جزئي بمحور أحمد عرابي أعلى محور الفريق كمال عامر غدا الجمعة    أراضى المانع القطرية بالسخنة «حق انتفاع»    المخرج أحمد رشوان يناشد وزارة الثقافة المغربية التحقيق في أزمة تنظيمية بمهرجان وجدة السينمائي    بنك الإسكندرية يحصل على حزمة تمويل بقيمة 20 مليون دولار أمريكي    تقرير: برشلونة لم يتوصل لاتفاق لضم حمزة عبد الكريم    وفد الأهلي يسافر ألمانيا لبحث التعاون مع نادي لايبزيج    نازك أبو زيد: الدعم السريع اعتقلت أطباء وطلبت فدية مقابل الإفراج عن بعضهم    إطلاق مبادرة «مصر معاكم» لرعاية أبناء شهداء ومصابي العمليات الحربية والإرهابية    أسرة الراحلة نيفين مندور تقصر تلقى واجب العزاء على المقابر    الداخلية تضبط مطبعة غير مرخصة بالقاهرة    جولة الإعادة بالسويس.. منافسة بين مستقلين وأحزاب وسط تنوع سلوك الناخبين وانتظام اللجان    بتكلفة 10.5 مليون جنيه، افتتاح 5 مساجد بمراكز إهناسيا والفشن وبني سويف    الأرصاد: تغيرات مفاجئة فى حالة الطقس غدا والصغرى تصل 10 درجات ببعض المناطق    الصحة اللبنانية: 4 جرحى فى الغارة على الطيبة قضاء مرجعيون    محافظ الدقهلية يكرم أبناء المحافظة الفائزين في المسابقة العالمية للقرآن الكريم    وزير الأوقاف يكرم عامل مسجد بمكافأة مالية لحصوله على درجة الماجستير    قطر تستضيف مباراة إسبانيا والأرجنتين فى بطولة فيناليسيما 2026    فوز مصر بجائزتي الطبيب العربي والعمل المميز في التمريض والقبالة من مجلس وزراء الصحة العرب    هل تتازل مصر عن أرص السخنة لصالح قطر؟.. بيان توضيحي هام    عبد اللطيف صبح: 55% من مرشحى الإعادة مستقلون والناخبون أسقطوا المال السياسى    ضبط عامل بالدقهلية لتوزيعه أموالًا على الناخبين    الترويج لممارسة الدعارة.. التحقيق مع سيدة في الشروق    الخارجية: عام استثنائي من النجاحات الانتخابية الدولية للدبلوماسية المصرية    الرعاية الصحية: مستشفى الكبد والجهاز الهضمي قدّم 27 ألف خدمة منذ بدء تشغيل التأمين الصحي الشامل    نبيل دونجا يخوض المرحلة الأخيرة من برنامجه التأهيلي في الزمالك    جلوب سوكر - خروج صلاح من القائمة النهائية لجائزتي أفضل مهاجم ولاعب    المستشفيات التعليمية تناقش مستجدات طب وجراحة العيون في مؤتمر المعهد التذكاري للرمد    تخصيص قطع أراضي لإقامة مدارس ومباني تعليمية في 6 محافظات    الداخلية تضبط قضايا تهريب ومخالفات جمركية متنوعة خلال 24 ساعة    سعر الدولار في البنوك المصرية اليوم الخميس 18 ديسمبر 2025    وزير الصحة: الذكاء الاصطناعى داعم لأطباء الأشعة وليس بديلًا عنهم    د. حمدي السطوحي: «المتحف» يؤكد احترام الدولة لتراثها الديني والثقافي    مواقيت الصلاه اليوم الخميس 18ديسمبر 2025 فى المنيا.....اعرف صلاتك    بطولة العالم للإسكواش PSA بمشاركة 128 لاعبًا من نخبة نجوم العالم    غياب الزعيم.. نجوم الفن في عزاء شقيقة عادل إمام| صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حكاية فنان "شقيان" أول ما بدأ يرتاح مات!
نشر في المصريون يوم 29 - 10 - 2014

"شقيان، مجهد، مكدود، مرهق"، بهذه الكلمات افتتح الكاتب بلال فضل مقالاً له ينعى فيه وفاة الفنان الكوميدى يوسف عيد، والذى وافته المنية فى 22 سبتمبر بمنزله عن عمر يناهز 66 عامًا.
وروى "فضل"، فى مقاله، بداية تعارفه على "عيد"، عن طريق الفنان عادل إمام، والذى كان قبل 18 عامًا فى كواليس تصوير فيلم (رسالة إلى الوالى)، مشيرًا إلى أن أول ما كان يجذب الناس نحو الفنان الراحل هو صوته المعهود بالمواويل الشعبية.
وجاء نص مقال "فضل" على النحو التالي:
«شقيان، مجهد، مكدود، مرهق»،كان هذا الانطباع الأول الذى أخذته عنه عندما التقيت به قبل 18 عاماً، وكان هذا آخر ما قاله لى عن نفسه قبل شهرين، عندما ظن أنه أخيراً بدأ يضع قدميه على أول طريق الراحة، الذى كان يظنه طريق الراحة من رزالات الدنيا والتنعم بنعيمها، لكنه كان للأسف طريق الراحة من الدنيا كلها، الدنيا التى لم يكتب له فيها من نعيمها وهنائها ما كانت تستحقه موهبته العريضة وقلبه الكبير.
كان لقائى الأول بالفنان يوسف عيد قد جرى بالصدفة عام 1997 فى كواليس تصوير فيلم (رسالة إلى الوالي)، وكنت ذاهباً لزيارة الفنان الكبير عادل إمام الذى كانت صداقتى به قد توثقت فى ذلك الوقت. حين وصلت بصحبة سائق عادل إمام ومرافقه الخاص عادل سليمان إلى «الكرفان» الخاص به، سمعت من خارجه صوتاً جميلاً يغنى أغنية شعبية عرفت فيما بعد أنها للمطرب الشعبى الرائع حفنى أحمد حسن، وقفت قليلاً حتى لا يقطع دخولى الغناء الجميل، وحين انتهى الغناء دخلت لأجد عادل إمام ومن معه يصفقون بحرارة ليوسف عيد، وقال لى عادل إمام بحماس: «تعال هأعرفك على فنان ما حصلش» مشيراً إلى يوسف عيد، وقاطعته قائلاً: «ومين ما يعرفش يوسف عيد يا زعيم ده أنا باعشقه»، نظر لى يوسف عيد مندهشاً، وزادت دهشته حين قلت له «ده أنا باعشق الغنوة اللى غنيتها فى فيلم يا مهلبية يا بتاعة يا دنيا أنا باسألك».
نظر إلى محرجاً، لكنه شعر بسعادة غامرة عندما وجد عادل إمام يثنى على الطريقة التى كان يرقص بها فى الأغنية، قائلاً: «عمرى ما كنت أتخيل إنى أشوفك فنان استعراضى يا يوسف.. شريف عرفة ده جن»، ضحك يوسف وأخذ يحكى كيف أنه دفع ثمن هذه الرقصة غالياً، لأن ظهره تعرض للأذى بسبب الحركات التى قام بها خلال إعادات التصوير التى تكررت كثيراً لكى تخرج على أكمل وجه، قائلاً بسخرية: إن اللى حصل ده دمر مستقبله فى الاستعراض، وبعد أن ذهب عادل إمام لتصوير لقطة فى مشهد، كاد يوسف عيد يذوب خجلاً عندما ذكرته بأغنيته القصيرة فى فيلم (سمع هس) التى يغنى فيها «روحوا اعملوا عاهة وتعالوا لى هاديكو يومية تلاتة جنيه».
وفرح من متابعتى له حين قلت إننى أعتقد أن شريف عرفة سبق له أن قدمه بشكل مختلف فى فيلم (الدرجة الثالثة) المظلوم، والذى لعب فيه دور مشجع مهووس بالغناء لفريقه بصحبة نخبة من أطعم الممثلين على الإطلاق مثل أحمد عقل وأحمد راتب ومحمد فريد وعبد العظيم عبد الحق وعبد السلام محمد وزايد فؤاد، وإننى لا أنسى مشهده الذى يقوم فيه برمى نفسه من على سطح مبنى لأن رئيس النادى جميل راتب أرسل له قبلة، بالمناسبة كان شريف عرفة أيضاً بعينه الثاقبة هو الذى قدّم يوسف عيد بشكل مختلف ومتميز فى فيلم (الناظر)، وحرص على منحه مساحة أكبر فى فيلمه التالى (ابن عز)، والذى أعتقد أن فشله وقتها جعل شريف عرفة يتوقف عن تقديم الأفلام الكوميدية، ليظل يوسف عيد محاصراً فى الأدوار الصغيرة حتى تأتيه أكبر فرصة حصل عليها فى دور (عم هيصة) الرائع فى المسلسل الممتع (الرجل العناب)، الذى أنهى فكرة كانت سائدة فى الوسط الفنى تقول إن يوسف عيد من نوعية الممثلين الذين لا يمكن أن ينجحوا إلا فى الأدوار القصيرة، وإن وجوده فى مساحات طويلة يمكن أن يكون مزعجاً للمشاهد، وأجارك الله من الأفكار السائدة فى الوسط الفنى التى إذا التصقت بفنان لم تغادره إلا بأعجوبة حين يتاح له إثبات خطئها
الغريب أن وصلة الاحتفاء التى قام بها عادل إمام وشاركته فيها بمحبة غامرة فى تلك الليلة الجميلة، قاطعها مدير إنتاج راحل كان رفيقاً لمشوار عادل إمام السينمائى قائلاً: «الكلام ده هيخلى يوسف عيد يتمرع علينا.. كويس إنى اتفقت معاه على الأجر قبل القعدة دي»، ليشعر عم يوسف بالحرج ويبدأ فى الحديث عن فضل عادل إمام عليه وكيف كان حريصاً على إعطائه مساحات مميزة فى أفلامه، منذ أن شاهده فى دور صغير فى مسلسل (دموع فى عيون وقحة) عام 1980، ليبدأ ظهوره معه فى فيلم (عصابة حمادة وتوتو) ثم دوره المميز فى (النمر والأنثى)، ليقاطع عادل حديث يوسف عنه، قائلاً لي: إننى لا بد أن أسمع صوت يوسف فى الموشحات الدينية، ويطلب منه غناء موشح ديني، ليغنى يوسف باقتدار موشحاً للشيخ النقشبندى وكان صوته لا يزال فى أوج قوته وقتها، وحين استغربت تميزه فى أداء اللحن الصعب قال بفخر: «أنا متربى على إيدين فقهاء»، قائلاً إنه كان يحلم بأن يكرر أمجاد محمد عبد الوهاب الذى خرج من حى باب الشعرية الذى ولد يوسف على أطرافه وعاش عمره كله فى ميدان الجيش، ثم يختم كلامه قائلاً: «بس حاجة واحدة بس فرقت معايا.. كان لازم أغير وشي»، لينفجر الجميع بالضحك، ويطلب الأستاذ عادل من يوسف بعدها أن يقوم بتقليد الرئيس أنور السادات الذى كان يبرع فيه بشدة، لأقضى فى تلك الليلة ساعات رائعة من الضحك والغناء والبهجة بصحبة يوسف عيد وعادل إمام لم يكن يزعجنى فيها سوى مجيئ مساعد المخرج لمقاطعة القعدة لتصوير لقطة من لقطات مشاهد تلك الليلة، والتى كان من بينها مشهد يوسف عيد الوحيد والشهير فى الفيلم.
عندما أتذكر وقائع تلك الليلة الجميلة، أتوقف تحديداً عند ما قاله مدير الإنتاج يومها وهو يقاطع احتفاءنا بيوسف عيد، وهو كلام لم يكن صادراً عن كونه رجلاً شريراً فقد كان رجلاً جميلاً رحمه الله برغم حدة لسانه، فهو لم يكن مثلاً منافساً لكى يغار من كلام طيب يقال بحق يوسف عيد، وكل ما هنالك أن كلامه كان يعبر عن حقيقة مؤسفة فى وسطنا الفني، هى الحرص على أن يظل ممثلوا الأدوار الصغيرة أو الثانوية ثابتين فى أماكنهم ليظلوا ثابتين على أدنى حدود ممكنة فى أجورهم التى توضع لها نسبة ضئيلة فى الميزانية. ربما لا يعرف الكثيرون أن أغلب الممثلين المتميزين والمحبوبين الذين بدأوا علاقتهم بالناس بأدوار صغيرة، كانوا وما زالوا يخوضون طيلة رحلتهم الفنية صراعاً للانتقال من فئة الممثل الذى يعمل باليومية، إلى فئة الممثل الذى يعمل بأجر قطعى متفق عليه قبل دخول الفيلم بغض النظر عن عدد مشاهد الممثل أو الأيام التى سيستغرقها التصوير، ولا ينتقل الممثل من فئة العامل باليومية إلى فئة صاحب الأجر المتفق عليه إلا عندما يكون قد امتلك اسماً مميزاً يمنحه قدرة الرفض التى تجعل المسؤولين عن الإنتاج يوافقون على شروطه حرصاً على وجوده فى العمل، إما لأن المخرج أو النجم متمسكان به، أو لأنه أفضل بديل متاح، ولا يوجد ممثل متميز آخر يمكن أن يؤدى الدور نفسه بأجر أقل.
والغريب أنه حين يتم ترشيح ممثل متميز من المعروفين بأدائهم للأدوار الصغيرة لأداء دور كبير فى العمل الفني، لا يرحب المنتجون أنفسهم بذلك، طالبين أن يتم اختيار اسم نجم معروف بالفعل للدور، لكى يتم «تكبير الأفيش» على حد تعبيرهم، مستندين على منطق أنه بما أنّ الممثل الذى تعود على الدور الصغير سيوافق على أى دور يقدم له، فلماذا لا يُستفاد من أسماء نجوم معروفين فى الأدور الكبيرة، ويكون نتيجة ذلك أن يبقى الممثل المتميز الذى تم وضعه فى خانة الممثل الثانوى محصوراً فى هذه الخانة إلى أجل لا يعلمه إلا الله، ولا يتسع المقام هنا لذكر أمثلة للمرات التى قمت فيها خلال الإعداد لأعمالى السينمائية والتلفزيونية بترشيح ممثلين متميزين أحبهم كان دائماً من بينهم يوسف عيد لأدوار كبيرة ليكون الرد الذى أتلقاه غالباً «بلاش.. أصل كبير الدور عليه خلينا نجيبه فى المشهدين دول هيعملهم حلو»، والغريب أننى عندما كنت أعترض على ذلك، قائلاً إن إمكانيات هذا الممثل أكبر من حجم الدور وإنه بالتأكيد سيرفض الدور الصغير وسيعتبر أننا نهينه به، أجد من يلومنى لأننى أقطع برزق هذا الممثل، قائلاً لى كلاماً من نوعية «ياعم سيبه يسترزق.. وبعدين إنت هتبقى أحرص عليه من نفسه.. هتشوف إزاى هييجى يمثل وهيشكرك إنك افتكرته كمان»، وللأسف كنت غالباً أفاجأ بأن الممثل الذى توقعت أن يعتذر عن الدور الصغير يأتى لتمثيله فوراً، وعندما أقول له حين يجمعنا لقاء خلال التصوير إننى سعيد لأننى أعمل معه، وأعتذر له عن صغر الدور وأننى لم أكن موافقاً على أن يعرض عليه دور صغير، أفاجأ به فى الغالب الأعم يقول لى كلاماً من نوعية «ليه بس كده.. ياعم الحمد لله إن حد فاكرنى أصلاً.. بس برضه ياريت تفتكرنى فى دور كبير بعد كده».
كان هذا الهمّ حاضراً للأسف فى آخر لقاء بينى وبين يوسف عيد، وقد كان هذه المرة لقاءً صوتياً عبر مكالمة طويلة لم أكن أدرى أننى لن ألتقيه بعدها، كان ذلك بعد عيد الفطر الماضي، وكنت قد شاهدت للتو دوره الرائع فى فيلم (الحرب العالمية الثالثة) الذى لعب فيه شخصية المطرب العالمى بوب مارلي، ليصبح دوره المتميز واحداً من أهم أسباب نجاح الفيلم الممتع.
كنت وقتها قد بدأت الإعداد لاستئناف كتابة سلسلة (الموهوبون فى الأرض) والتى كنت قد بدأت كتابتها فى مجلة الكواكب عام 1998، اتصلت برقم هاتف عم يوسف وتركت له رسالة على البريد الصوتى أننى فلان وأريد أن أتحدث معه عندما يسمح وقته، بعد ساعات اتصل بي، وبعد التحيات والسلامات وتهنئته على دوره الجميل، وبعد أن تذكرنا بعضاً من المرات القليلة التى التقينا فيها بصحبة الفنان الكبير عادل إمام والفنان الكبير صلاح السعدنى والذى كان من محبى يوسف عيد ومن مسانديه، منذ أن تعرف عليه فى مسرحية (زقاق المدق) التى كتبها الرائع بهجت قمر عن رواية نجيب محفوظ الشهيرة، وأخرجها المخرج الكبير حسن عبد السلام، وأنتجها المنتج الشهير سمير خفاجي، ولحن أغانيها بليغ حمدى شخصياً، ولعب بطولتها صلاح السعدنى مع عبد المنعم مدبولى وسيد زيان وعبد الله فرغلى ومعالى زايد، والطريف أن يوسف عيد انضم إلى فريق عملها بعد وفاة الفنان الكبير محمود شكوكو، وهى مهمة كانت تبدو مستحيلة لكن يوسف عيد نجح فيها، بشكل جعل سمير خفاجى يوقع معه عقداً ليضمه إلى مسرحيته التالية (علشان خاطر عيونك)، التى كانت أسعد حظاً بوجود نسخة مصورة منها تحفظها فى الذاكرة.
فوجئت فى المكالمة بعم يوسف عيد يبادر بعتابى لأننى كنت قد وعدته خلال آخر فيلم عملنا فيه أننا سنعمل سويةً فى دور أكبر، وهو ما لم يحدث بعد ذلك للأسف لأن كثيراً ممن عملت معهم كانوا يرون أنه لا يصلح إلا للأدوار الصغيرة، قلت له إننى سأؤجل الرد على عتابه إلى أن نلتقى للحديث فى أقرب وقت ممكن، وفوجئت به يقول مستغرباً: «بس أنا لسه ما وصلنيش ورق من طرفك»، لأفهم أنه ظن أن مقابلتنا ستكون بخصوص عمل قمت بكتابته، وشعرت بإحباطه حين قلت له إننى أريد مقابلته لأكتب عنه فى سلسلة عنوانها (الموهوبون فى الأرض) وعددت له أسماء من كتبت عنهم من قبل ومن أنوى الكتابة عنهم، ثم أضفت أننى أريد أن أحكى له حين نلتقى عن مشروع أستعد لكتابته، فيه شخصية رئيسية لمغنٍّ يحترف الغناء فى قهاوى الحسين بعد أن كان فى السابق منشد تواشيح فى إذاعة القرآن الكريم، ومع أننى أعلم أن المشروع مؤجل لأجل لا يعلمه إلا الله، إلا أننى فكرت أن أفتح شهيته الفنية للقائنا، وقد كنت محقاً فى ذلك.
بدأنا نتفق على مكان المقابلة، سألنى عن عنوان مكتبي، قلت له إننى لا أمتلك الآن مكتباً، وحتى لو كان لدى مكتب فأنا أريد أن أقابله فى بيته وسط أسرته، لأن ذلك يشكل جزءاً مهماً مما سأكتبه عنه، وإننى أتمنى أن ألتقى بأفراد أسرته وبعض أصدقائه إذا تيسر ذلك، وفوجئت به يقول محرجاً إنه يفضل أن نلتقى فى مكان آخر، «أصل أنا ساكن على قد حالى يعنى فى شقتى اللى ساكن فيها طول عمرى فى ميدان الجيش»، وعندما قلت ضاحكاً: «شكلك فاهمنى غلط ياعم يوسف» مضيفاً أننى أسكن فى شارع القصر العيني، فوجئت به يقول بنبرة ساخرة لا تخلو من المرارة «الحمد لله محبة الناس بالدنيا وفلوسها.. وأنا شاكر فضل ربنا ومبسوط بالحتة اللى أنا ساكن فيها والناس فيها كلهم قرايبى وحبايبى وشايلينى على دماغتهم من فوق وما بقتش أعرف أعيش فى حتة تانية أصلاً.. بس إنت عارف ساعات لما باركب تاكسى وأنا مروح من التصوير السواقين يفتكرونى ساكن فى التجمع الخامس وما يصدقوش إنى ساكن فى ميدان الجيش وبيفتكرونى رايح أزور حد من قرايبى وبعد كده هاطلع على التجمع الخامس ولا ستة أكتوبر ويقعد السواق يقولى طيب أستناك لغاية ما تخلص.. ما تقطعش برزقى مشوار للتجمع الخامس هيطلع لى منه حسنة جامدة.. أقوله ما تطلع معايا تشوف عيلتى فوق فى الشقة وأفتح لك الدولاب وتشوفنى وأنا باغير هدومى عشان تتأكد إنى ساكن هنا.. الناس ياعينى فاهمين إنى باخد فلوس بالهبل مش عارفين الشقا اللى الواحد فيه».
أخذت أحاول بارتباك تطيب خاطره بكلام مما يردد فى هذه المناسبات عن الفن الذى لا يكيل بالبتنجان، والموهبة التى لا تساوى كنوز الدنيا، ثم قلت له صادقاً إننى حين نلتقى سأريه نماذج أحتفظ بها لتأثيره المدهش على الأجيال الجديدة التى تعشق «دماغه» فى الأداء، ليقول لى بسعادة إنه يتابع ذلك من خلال ابنه هانى الذى توقع أن يكون ممثلاً جميلاً، «بس هو أحلى منى بكتير ويارب يبقى مستقبله أحسن منى كمان»، قلت وأنا أشعر بمرارته البادية فى كلامه إننى أتوقع أن يكون دوره فى (الحرب العالمية الثالثة) فاتحة خير عليه، وإننى متأكد أنه سيتلقى عروضاً فيها مساحات أدوار كبيرة فى الفترة القادمة، رد قائلاً «مانا قلت ده هيحصل بعد فيلم الناظر وما حصلش.. وقلت هيحصل بعد مسلسل الراجل العناب وما حصلش.. الظاهر ربنا مش كاتب لى أستريح»، قلت بحماس كنت أصدقه فعلاً أن الموضوع سيختلف هذه المرة لأن رد الفعل مختلف عن كل مرة، والمهم أن يحرص على رفض أى أدوار صغيرة من هنا ورايح، رغم أننى أعلم جيداً أن الأمر ليس فى يده، لأنه فى النهاية يوافق على أفضل ما يتم عرضه عليه، وأنه للأسف لا تتم معاملته بإنصاف من المنتجين، ضارباً مثلاً بالفيلم الذى كان يعمل فيه وقت اتصالنا، وهو فيلم (عمر وسلوى) الذى لم يكن يعلم أنه سيكون آخر أفلامه، قائلاً إن المنتج أحمد السبكى وهو الذى أنتج أيضاً فيلم (الحرب العالمية الثالثة)، قال له بعد نجاح الفيلم إنه لا يريده أن يعمل مع أحد غيره، وإنه سيبدأ فى تجهيز أدوار كبيرة له فى الأفلام التى سينتجها.
يضيف عم يوسف قائلاً: «فرحت وقلت خلاص شكل الواحد أخيراً هيرتاح، ألاقيه بيتفق معايا بعدها على فيلم، ولما جينا نتكلم فى الفلوس قالى هتشتغل معايا باليوم ولا تطلب أجر، أنا تحت أمرك اطلب اللى انت عايزه، قمت أنا قلت أحسن لى أشتغل باليوم عشان ما أتعطلش لو جالى فيلم تانى فيه دور كويس، قلت لأ هاشتغل باليوم، ولما بعتوا لى السيناريو لقيت دورى كبير وأنا اللى شايل مشاهد كتير فيها ضحك، قلت ياريتنى كنت اتفقت معاهم بالأجر، بس يالله نصيب»، قلت له محاولاً تهوين المسألة عليه أننى أعلم أن الحاج أحمد السبكى يحبه جداً هو وكل المنتجين الكبار، لسبب بسيط هو أنهم يشعرون بحب الجمهور له، وأنه لو «جمِّد قلبه شوية» سيختلف تعامل المنتجين معه الآن بالتحديد بعد أن لمسوا محبة الناس المتزايدة له خصوصاً الشباب، فتمنى أن يكون كلامى صحيحاً، وأنهينا المكالمة بالاتفاق على موعد للقاء بعد أن ينتهى من تصوير فيلمه، وأن يكون اللقاء فى شقته فى ميدان الجيش التى لم نكن نعلم أنها ستكون بعد أسابيع قليلة محطته الأخيرة التى أنهى بها رحلته المتعبة فى الدنيا التى سألها ذات يوم ساخراً «يا دنيا أنا باسألك.. ليه أنا ما طلعتش ملك.. ما أشبهش ولا إيه؟».
رحم الله الفنان الجميل يوسف عيد، ورحم كل الفنانين الموهوبين «الشقيانين» من عناء الواقع الفنى المرير الذى يفتك بمواهبهم دون عدل ولا إنصاف.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.