نواصل إجابة الأسئلة التي وردت إلى بريدي الألكتروني من عدد من القراء الأفاضل : 1- قال تعالى : {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (78) } [الحج /78] فكيف نفهم قوله تعالى (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ) مع أن ديننا يأمرنا بقطع يد السارق في أكثر من عشرة دراهم ، ويوجب صوم شهرين متتابعين لمن أفطر يوما واحدا من شهر رمضان عمدا بوطء الزوجة ، ورجم المتزوج الزاني ولو زنا مرة واحدة ؟ أليس هذا كله من الحرج ؟ - ومتى سمانا ابراهيم عليه السلام ( المسلمين) ؟ ---------- أما عن الحرج فيمكن أن يكون المقصود بالدين في الآية الكريمة هو مجرد النطق بكلمة التوحيد مع اعتقادها ، والحرج في اللغة معناه الضيق الشديد ، وكل تلك العقوبات التي تبدو قاسية ، يمكن ألا تسبب حرجا ، فلو أنكر الزاني المحصن أنه زنى ، ولم يكن هناك أربعة شهود بالمواصفات الفقهية المشددة المعروفة ، فلن يقام عليه الحد ، ويظل باب التوبة مفتوحا أمامه ، وكذلك الأمر بالقياس إلى السارق ، أما المفطر عمدا بالوطء فصحيح أن عقوبته شديدة وهي صوم شهرين متتابعين ، لكنها تسقط بعدم قدرته على تنفيذها ، ويكون أمامه فرصة التصدق ، فإن عجز عن إطعام ستين مسكينا فيبقى أمامه باب التوبة مفتوحا كغيره . وبوجه عام ، فإن الدين الإسلامي جعل من التوبة والكفَّارات ورد المظالم لأهلها وسائل مشروعة ومتاحة لكل مذنب ، كما أن كل العقوبات السابقة ، وغيرها ، يُلجَأ إليها بعد التأكد من النظر في الضرورات وما أحاط بها من رُخَص شرعية كالقصر دون الإتمام ، والتيمم ، وأكل الميتة ، وما شابه ذلك ، وعلى هذا نفهم معنى رفع الحرج الوارد في الآية . وأما عن تسمية الأمة ( المسلمين ) على لسان ابراهيم عليه السلام ، فذلك مفهوم من قوله عليه السلام كما جاء في القرآن الكريم : {وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ } [البقرة / 127 - 128] وقيل أيضا : إن الضمير ( هو ) في قوله تعالى ( هو سماكم ) يعود إلى الله تعالى الوارد اسمه في صدر الآية وليس إلى ابراهيم عليه السلام . --------------------------- 2- هل قاعدة أن ( ما ) لغير العاقل ، ومَنْ ) للعاقل مطلقة ؟ وهل تنطبق على لغة القرآن الكريم ؟ -------------------- والجواب أن هذه القاعدة وضعها اللغويون حكما على الأغلب ، وليست مطلقة ، فقد ورد في لغة القرآن ما يخالفها ، فقد قال تعالى : { وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا } [النساء / 3] حيث استعملها القرآن هنا مع الزوجات ومع النساء ممن ملكت أيمان المسلمين . والنوعان من العاقلين. وقال أيضا : وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ إِلَّا عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ [المؤمنون /5-6] وقال في الحالة المعاكسة ، وهو استعمال ( من ) لغير العاقل : ( وَاللَّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ مَاءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلَى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللَّهُ مَا يَشَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ) (النور/ 45) حيث استخدم مع الحيوانات ( من ) وليس ما ، وشواهد ذلك في القرآن وفي الشعر العربي القديم كثيرة تدل على أن هذه التفرقة مبنية على الأغلبية لا على القطع . والله أعلم ونواصل لاحقا إن شاء الله . ---------------------------- [email protected]