لماذا أبديت غضبك عندما عرفت بالخبر يا صديقي؟ أليس هذا هو حكم القضاء، الذي اتفقنا أن نحتكم إليه؟ ستقول لي: ولكن الجميع يعرف أنه هو المسئول الأول عن قتل المتظاهرين، ودمهم جميعًا في رقبته، سأرد عليك: القضاء لا يعرف المشاعر، ولكنه يعرف الأدلة والإثباتات، ولا بد من توفر كل الأدلة بشكل قاطع حتى يتم توقيع العقوبة على المتهم، ستقول لي: ولكن القضاء أحيانًا ما يصدر أحكامًا غير منطقية، سأرد عليك: من غير المعقول أن نقبل من القضاء الحكم الذي يأتي على هوانا فقط، ونرفضه إن كان يخالف ذلك، يا صديقي.. بالرغم من عدم صحة الخبر، ولكنه يطرح التساؤل، هل تريد محاكمات سريعة وعادلة، أم تريد حكمًا بالإعدام فقط؟. ما زلنا أسرى الماضي.. بالرغم من أني دائمًا أفضل الكتابة عن بناء مستقبلنا، إلا أني سأتوقف لحظة مع الحاضر وأحداثه، لأتخذ منه قاعدة انطلاق للمستقبل، فتصاعد الأحداث في الأيام الأخيرة جعل من الواجب علينا جميعًا التفكير بهدوء وتعقل، حتى لا نخسر كل المكاسب التي حققتها مصر بعد الثورة، قد تتهكم على كلامي وتقول: وما هو الفرق بين قبل الثورة وبعدها، أنا لا ألمس تغييرًا حقيقيًا؟ وهنا أجدني مضطرًا لأن أرد عليك بنفس إجابة الدكتور "معتز بالله عبد الفتاح"، وأطلب منك بصراحة أن تخبرني عما تغير فيك أنت بعد الثورة، ما هو الفرق بين أدائك قبل الثورة وبعدها؟ لماذا تطلب أن تتغير الدنيا من حولك بأسرع ما يمكن، بينما لم تصنع بيديك أي تغيير يذكر؟ أعرف أن كلامي قد لا يعجب الكثيرين، وهناك من سيعتبرني خائنًا للثورة ودماء الشهداء، ولكني أكتب لا ليرضى عني الناس، بقدر ما يهمني أن اكتب ما يمليه علي ضميري، فأنال رضا رب العالمين. هل تعرفون ما هو التحدي والخطر الأكبر على الثورة؟ الإجابة الصحيحة ليست هي تأجيل المحاكمات، أو بقاء بعض الوجوه القديمة في المشهد السياسي، صدقوني.. إن أكبر خطر يواجه ثورتنا العظيمة هو أن نفقد التعاطف الشعبي الهائل، الذي ظل مؤيدًا لكل مطالب الثورة من يومها الأول، فلنحذر جميعًا من تحول بوصلة الشارع في الاتجاه المخالف، وهو ما بدأت بوادره تظهر الآن، ولو استمر السير في عكس الاتجاه، فسوف نجد الكثيرين ممن يحلفون بأيام مبارك، سأكون أكثر صراحة.. وأنتقد بعضًا من الشباب والنخب، الذين تفرغوا بعد نجاح الثورة للفضائيات والإعلام، ونسوا هموم الناس ومشاكلهم، مر الآن قرابة السبعة أشهر على بداية الثورة، وأصبحت الساحة السياسية مفتوحة تمامًا لكل من يرغب في العمل الجاد، فماذا قدمت الأحزاب والنخب؟ بل وحتى البعض من الشباب الذين تصدروا المشهد في الثورة؟ حينما يصبح الإعلام في واد، والشارع في واد آخر، فالنتيجة الحتمية هي تكرار نتيجة استفتاء التعديلات الدستورية، قل ما شئت في الأداء السياسي أو الإعلامي للإخوان المسلمين، ولكن لا بد أن ترفع القبعة احترامًا لهم على تواجدهم الحقيقي في الشارع، واختلاطهم بهموم الناس ومشاكلهم، ولا بد أن تصفق كثيرًا معي لشباب "الإخوان المسلمين" في تلك القرية البسيطة بإحدى محافظات مصر، التي وصلتني منها صورة للافتة رفعها "الإخوان"، ليس للدستور أو الانتخابات أولاً، وإنما هي ندوة جماهيرية في الساحة الكبرى للقرية، عن كيفية زيادة محصول الأرز، وتجنب الآفات الزراعية، نعم.. يحتاج الناس إلى الحرية والديمقراطية ؛ولكنهم يحتاجون أيضًا لمن يفهم احتياجاتهم ويتجاوب معها. في حواري مع الأستاذة "هالة فؤاد" نائب رئيس تحرير مجلة "آخر ساعة"، والمنشور في عدد هذا الأسبوع من المجلة، قمت بلفت انتباهها إلى الدور الذي يقوم به الإعلام حاليًا، بحثا عن الإثارة، والتنقيب في ملفات، بعضها لا يسمن ولا يغني من جوع، في مقابل إهمال شبه كامل لمشاريع المستقبل، وتجاهل مقصود لقصص بطولات حقيقية صنعها أبطال مصر في مختلف المجالات، تخيل أنك أحد ضباط الشرطة الشرفاء الذي يؤدي عمله على أكمل وجه، كيف ستكون مشاعرك وأنت ترى الجميع ينظر إليك بارتياب، ويعتبرك فاسدا، قاتلا، مرتشيا، كم من وسائل الإعلام اهتمت بقصة المقدم "طارق الوتيدي"، رئيس مباحث قسم "مصر القديمة"؟ والذي نسج قصة بطولية في مطاردته للبلطجية، ورغم إصابته بطلق ناري، إلا أنه أصر على مطاردتهم، وألقى بجسده كله على ثلاثة منهم، وهو يهتف بأعلى صوته، ويقسم أن يطهر "مصر القديمة" من كل الخارجين على القانون، ثم تقدم كالوحش، عاري الصدر، يجري خلف الباقين، الذي لم يجدوا أمامهم سوى الهروب كالفئران، من منا وجه التحية للشهيد النقيب "محمد على عبد العزيز"؟ الذي دفع حياته ثمنًا لمطاردة لص سيارات، لم يتقاعس عن أداء واجبه ولم يتأخر، فكانت النهاية بطلق ناري أودى بحياته، لا أدعي أن جهاز الشرطة كله ملائكة؛ ولكن لماذا لا يصبح واحدًا من أهدافنا هو إعادة الثقة إلى جهاز الشرطة، وإظهار بطولاتهم، وتكريم المتميزين منهم؟ بدلاً من البحث عن أخطائهم وتصيدها. صحيح أننا جميعًا نطالب بالقصاص العادل، وبتطهير أجهزة الدولة، ولكن الحذر كل الحذر ممن قد يستغل هذه المطالب المشروعة ليسير بنا نحو الفوضى، من خلال مطالب مطاطية لا نهاية لها، ما أحوجنا الآن إلى أن نركز في البناء والمستقبل بهدوء، قابلت هذا الأسبوع العديد من الأصدقاء العرب، الذين طلبوا مني توجيه هذه الرسالة لكل ثوار مصر: "أيها الشباب.. العالم لا زال يبدي انبهاره بثورتكم التاريخية، لقد قمتم بالمستحيل، وقدمتم لنا النموذج الملهم، الذي سنتعلم منه دومًا، ولكننا الآن نترقب ما يحدث في مصر بحذر، أرجوكم أن تتذكروا بأن حصاد الثورة لن يؤثر عليكم فقط ؛ وإنما سيمتد لكل بلد عربي، أرجوكم يا شباب مصر.. لا تضيعوا أملنا في أن نرى ثورتكم مكتملة، أرجوكم.. لا تضيعوا الحلم بأن تعود مصر لقيادة الأمة نحو ريادة العالم، فهو الحلم الذي عاشت الأجيال تنتظره، وربما تكون هذه هي اللحظة التاريخية لتحقيق الحلم". [email protected]