يبدو أن المواجهات المتصاعدة بالقدسالشرقيةالمحتلة, منذ الأربعاء الموافق 22 أكتوبر, أربكت مخططات الاحتلال الإسرائيلي, فيما يتعلق بمحاولات "تهويد" المدينة المقدسة, وتقسيم المسجد الأقصى بين المسلمين واليهود. وكانت جامعة الدول العربية حذرت في 21 أكتوبر من اعتزام الاحتلال الإسرائيلى، تقسيم المسجد الأقصى زمانيًا ومكانيًا, وذلك من خلال تصويت الكنيست الإسرائيلى على هذه الخطة التقسيمية والعنصرية، خلال نوفمبر المقبل, تحت مسمى"مسودة قرار صلاة اليهود فى جبل الهيكل". وقالت الأمانة العامة بالجامعة فى بيان لها :"إن هذا التغول التهويدى للمدينة المقدسة بشكل عام، وتصاعد انتهاك حرمة المسجد الأقصى المبارك والحملة التهويدية التى تقودها سلطات الاحتلال الإسرائيلية وإجراءاتها التنفيذية لتقسيمه زمانيًا ومكانيًا، سيؤدي إلى زعزعة الاستقرار فى المنطقة وبما يهدد السلم والأمن الدوليين". وطالب البيان المجتمع الدولى بكل مؤسساته، وخاصة مجلس الأمن الدولى واللجنة الرباعية الدولية والأطراف الدولية الفاعلة على الساحة السياسية الدولية تحمل مسئولياتها والتدخل الفورى والعاجل لوقف هذا الانتهاك الإسرائيلى الصارخ لحرمة وقدسية المسجد الأقصى المبارك بشكل خاص، ومدينة القدس بشكل عام وإلزام إسرائيل (السلطة القائمة بالاحتلال) إنهاء الاحتلال للأراضى العربية على حدود الرابع من يونيو 1967 والوقف الفورى لكل إجراءاتها التهويدية للأراضى الفلسطينية ومقدساتها المسيحية والإسلامية. ويبدو أن حادثة استشهاد الشاب المقدسي عبد الرحمن الشلودي جاءت بمثابة رسالة تحذير مبكرة لإسرائيل من مغبة المضي قدما في تنفيذ مخططها ضد المسجد الأقصى, بل وضاعف هذه الحادثة أيضا من الاستياء داخل إسرائيل إزاء حكومة بنيامين نتنياهو, التي تتعرض, منذ فشل حربها الأخيرة على غزة, لانتقادات حادة. وقالت صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية في افتتاحيتها في 24 أكتوبر إن شرارة المواجهات الحالية في القدس كانت اختطاف وقتل الطفل محمد أبو خضير مطلع يوليو الماضي. وأضاف الصحيفة أن الحل في القدس لن يتحقق فقط عبر قوة جديدة أو إنفاذ آخر للقانون، مضيفة أن "العنف" في القدس لم يولد في فراغ, ولن ينتهي أمام "التصميم" الذي يظهره رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو . وتابعت "جذور العنف منغرسة في إحساس اليأس والخوف لدى الفلسطينيين في القدس، موضحة أن انهيار المسيرة السياسية والدعوات الإسرائيلية المتعاظمة لتغيير الوضع الراهن في المسجد الأقصى وتقسيمه بين المسلمين واليهود والإهمال المستمر للأحياء الفلسطينية من جهة, والتشجيع الحكومي للتوسع الاستيطاني في قلب تلك الأحياء من جهة أخرى, كل هذه تخلق المستنقع الذي ينبت فيه العنف". وخلصت الصحيفة إلى أن تجاهل جذور المشكلة والتركيز على إنفاذ القانون والعقاب لن يحل المشكلة، بل من شأنه أن يفاقمها، مجددة تأكيدها ضرورة وجود أفق سياسي لإنهاء الصراع. وفي السياق ذاته, نشرت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية مقالا للكاتب بن كاسبيت في 24 أكتوبر تحت عنوان "الاندفاع نحو الهاوية", حذر فيه من مغبة مواصلة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تهوره بشأن مواجهات القدس. وأضاف بن كاسبيت أن الأمر الوحيد الذي يجب عمله الآن هو محاولة خفض اللهيب بسلسلة سريعة من الخطوات الرامية إلى تهدئة الخواطر وتعطيل أبخرة البنزين التي تندفع في الهواء، بانتظار الشرارة، وهو عكس ما يفعله نتنياهو تماما. كما نشرت صحيفة "يديعوت" الإسرائيلية مقالا للمحلل العسكري أليكس فيشمان في 24 أكتوبر قال فيه إنه لا حاجة إلا إلى إحراق بساط داخل المسجد الأقصى لإشعال المنطقة كلها. وأضاف فيشمان أنهم في إسرائيل لا يتأثرون ب"الانتفاضة المصغرة" في القدس وكأنهم في "سبات الدب"، محذرا من تداعيات كارثية في حال عدم مسارعة الحكومة الإسرائيلية لتهدئة خواطر الفلسطينيين الغاضبين في القدس. وبدورها, أبرزت صحيفة "إسرائيل اليوم" الإسرائيلية تصريحات لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تعهد فيها بإعادة الهدوء إلى القدس. وأضافت الصحيفة أن نتنياهو أصدر, عقب اجتماع شاركت فيه قيادات أمنية, أوامر للدفع بقوات كبيرة إلى القدس. وجدد نتنياهو - حسب الصحيفة - هجومه على الرئيس الفلسطيني محمود عباس بقوله :"إنه يعظم القتلة ويعانق المنظمة التي ينتمي إليها المخربون", في إشارة إلى حركة حماس, التي اتهم منفذ عملية الدهس بالقدس, بالانتماء إليها. وفي رأي مخالف لتصريحات نتنياهو من داخل حكومته، نقلت الصحيفة عن وزيرة العدل الإسرائيلية تسيبي لفني دعوتها لوقف التصريحات الحماسية ومشاريع القوانين غير المسئولة واستفزازات البناء أو الاحتفالات في ظلمة الليل بالاستيلاء على منازل في مناطق إسلامية في القدس، مضيفة أن خطوة زائدة واحدة الآن من شأنها أن تدهور القدس وتدهور إسرائيل أيضا. وعززت قوات الاحتلال انتشارها على مداخل البلدة القديمة بالقدسالشرقيةالمحتلة وأبواب المسجد الأقصى منذ الساعات الأولى لصباح الجمعة الموافق 24 أكتوبر. وأعلنت شرطة الاحتلال عدم السماح لمن هم دون الأربعين عاما بأداء صلاة الجمعة في المسجد الأقصى. وتشهد المدينة المقدسة حالة من الغضب الفلسطيني بعد استشهاد الشاب عبد الرحمن الشلودي على يد جنود الاحتلال في القدس الأربعاء الموافق 22 أكتوبر, إثر دهسه عددا من المستوطنين. واندلعت في 23 أكتوبر, مواجهات عنيفة في عدة أحياء من القدس منها مسقط رأس الشهيد الشلودي في حي سلوان وحي الصوانة ووادي الجوز ورأس العمود والعيسوية, وأسفرت في مجملها عن عشرات حالات الاختناق وعدد من الاعتقالات. كما شهدت البلدة القديمة في القدس وخاصة حي باب حطة وحارة السعدية مواجهات عنيفة أيضا. وفي بلدة أبو ديس شرقي القدس سجلت مواجهات بين الشباب الفلسطينيين المحتجين وجنود الاحتلال. واستخدمت قوات الاحتلال خلال المواجهات القنابل الصوتية والغاز المدمع والرصاص المطاطي, كما تم رش الشبان والمنازل بالمياه العادمة. وتأتي الإجراءات الإسرائيلية المشددة في القدس, تنفيذا لقرار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي توعد "بأقصى رد على أي هجوم مستقبلي بالقدس". وفي بيان له, أعلن أن "القدس موحدة وكانت وستبقى دوماً العاصمة الأبدية لإسرائيل"، مضيفا أن "أي محاولة لإلحاق الأذى بسكانها ستقابل بأقصى رد". يذكر أن سلطات الاحتلال احتجزت جثمان الشهيد عبد الرحمن الشلودي "20 عاما", ورفضت تسليمه لذويه, إلا بشروط مفادها الدفن بجنازة محدودة، الأمر الذي رفضته عائلته, واندلعت على إثره المواجهات مع قوات الاحتلال.