ذكرت في المقال السابق أنه كان من المتصور أن تكون التنظيمات السنية المعتدلة راس حربة في نشر الفكر السني الوسطي المعتدل وتظل قائمة على حراسته خشية تسلل التشيع أوالافكار المتطرفة, وهو ما تعجز عنه مؤسسات كالأزهر, لأن الأزهر لا يستطيع القيام بدور شعبي ولا اجتماعي إنما تتبلور أهميته في دوره العلمي ,لكن التنظيمات السنية (للاسف) غرقت في دروب وغياهب السياسة, ولم تقتصر مشاركتهم السياسية على احزاب تؤمن بهذه المرجعيات منفصلة تمام الانفصال عن روافدها الدعوية كجماعة الإخوان والدعوة السلفية والجماعة الإسلامية بل ظلت وثيقة الصلة لا تنقطع, مما جعل أغلب المجتمع وكذلك الاقليم في حالة توتر دائم من هذا التلازم .. كان لهذا الدور أن يترشد من جهة التنظيمات السنية, ومن الدولة من جهة أخرى باستمرار الحوار المجتمعي والعمل العام ومناقشة الأفكارا للوصول الى صيغ أفضل دون الاقتصار على الاقصاء والحل الأمني, وهو ما كان ليتحقق به فوائد كثيرة للدعوة والمجتمع والدولة,لكن الذي حدث هو الصراع لا الحل,ويبدو أن الشيعة في ظل هذا الصراع تمددوا, واذا نظرنا في الإقليم حولنا سنرى (وباختصار شديد) ماذا فعلت ايران الراعي الرسمي للشيعة في العالم.
ماذا فعلت ايران في لبنان ؟ لإيران مشروع, وهذا حق لكل دولة, وليس العيب على من له مشروع, ولكن العيب على من لا مشروع له, وربما كان كثيرون يطرحون فكرة التفرقة بين السياسة الإيرانية من جهة والمذهب الشيعي من جهة أخرى, لكن الحوادث المتتالية لم تجعل هذا الفصل مقبولا, فالسياسة جعلت لشيعة العالم بابا – مرجعية ومرشد ودولة مركزية - والسنة لا "بابا" لهم. ولذلك لم تأل ايران جهدا في القيام بدورها المركزي, فاستطاعت بهدوء أن يكون لها حزب في لبنان, والذي أخذ يكبر مع الوقت ويتمدد ويتسلح, وكما أتخذ نظام الاسد عنوانا هو مقاومة المشروع الصهيوني أتخذته ايران ايضا وكذلك حزب الله, وباعتبارها القضية المركزية للشعوب العربية,فموصوم بالعيب من يهاجمهم ؟ وإذا كنا لا نستطيع أن نشكك في نوايا حزب الله في موضوع المقاومة, لكننا لا نستطيع تجاهل ارتباطه بإيران وطائفيته التي صدقنا يوما زعيمه أنها غير موجودة حتى برهنت احداث سوريا على عكس مزاعمه, وانه حزب طائفي بامتياز, كان يدعو لنصرة المظلوم فانتصر للظالم ..كان يدعو لنصرة الحسين لكنه عندما جد الجد انتصر ليزيد .. ماذا فعلت ايران في العراق؟ مع انهيار حزب البعث وجيش صدام امام الاحتلال الامريكي للعراق بدأ الشيعة في تكوين مليشيات منظمة ومسلحة تسليحا كبيرا, وسط حالة من الغفلة للانظمة السنية, فكان الدور الايراني المتصاعد بقوة وكانت المذابح التي ارتكبتها التى هذه الميليشيات فى العراق (قوات بدر وجيش المهدي),مما يجعلنا نقرن فكرة الصراع على السلطة مع فكرة التوسع لصالح المذهب في آن واحد, ولم يعمل رجل ايران"المالكي" لصالح العراق ككل إنما كان يعمل لتقوية نفوذ الشيعة في الدولة والمؤسسات,وفعل ذلك بشكل مبالغ فيه وغبي مما حدا بإيران وامريكا أن يتخليا عنه في نهاية المطاف واستبداله بأخر ..واخبرتنا الأحداث أيضا أن ايران لم تقتصر على تقديم الدعم للشيعة في العراق بل امتد الى الاكراد مؤخرا لمقاومة تمدد داعش, ليصل نفوذها الى قوميات ومذاهب أخرى.. ويعرف جميع الفرقاء في العراق, والمهتمون بأمره من خارجه أن صاحب أهم كلمة في العراق هو "السيستاتي", وهو في النهاية رجل دين شيعي وليس رجل سياسة .. ماذا فعلت ايران في سوريا ؟ في العالم العربي سنة يختلفون وفي المقابل شيعة يتفاهمون, لقد كانت ولاية الفقيه حلا عبقريا لوجود الدولة حتى خروج المهدي من السرداب,وكان التفاهم مع العلويين على ما بينهم من خلاف كبير(يعتبرهم بعض علماء السنة طائفة مبتدعة ,وصلت الى حد تكفيرهم), فهم طائفة ضمن المذهب الجعفري الاثني عشري إلا أن شيعة ايران يعتبرونهم منحرفين أو مغالين, فهم على سبيل المثال لا يعتمدون نظام المرجعيات الدينية (الذي يعد أساسيا عندهم) لذلك, لم تقتصر جهود الحرس الثوري الايراني في سوريا وكذلك حزب الله على تقديم الدعم للنظام السوري بالنفس والجهد والمال والسلاح, إنما بالدعوة أيضا فسمعنا تعبير (أسلمة العلويين في سوريا) .. ماذا فعلت ايران في اليمن؟ وكما تجاوز الشيعة في ايران عن خلافاتهم المذهبية مع العلويين تجاوزوا خلافاتهم المذهبية مع زيدية اليمن, فمن المعروف أن الزيدية في اليمن أقلية وهم طائفة اقرب للسنة (لديهم موقف أقل راديكالية تجاه الخلفاء الراشدين على خلاف باقي الشيع),لكن الاحداث توالت لتكشف لنا عن أن جماعة الحوثي الصغيرة في صعدة والتي تأسست 1992 لتعكس عدم الرضا عن التمييز ضدهم ومعارضة سياسات النظام المحلية والخارجية (كما هو موجود ايضا في البحرين ويعكس ظلم حقيقي لهم), ولم يقدموا انفسهم ولم يعتبرهم أحد كمظهر محلي من مظاهر الهلال الشيعي العابر للقوميات, إلى أن حدثت المفاجأة المذهلة حين اصبح اليمنيون في 21/9/2014 ليجدونهم وقد سيطروا على صنعاء,وأن مؤسسات القوة المحلية انسحبت امامهم لتفسح لهم الطريق لاجتياح العاصمة والسيطرة على أهم مقار الدولة؟ داعش ..اسئلة حائرة !! ظهر تنظيم القاعدة (وقادت امريكا تحالفا دوليا لمقاومته) وبعد خفوت نجم القاعدة ظهر تنظيم داعش (لتقود امريكا تحالفا دوليا لمقاومته), لا فرق بين الجمهوري (بوش) ولا الديمقراطي (اوباما)الذي بدأ رئاسته بخطابي ود للعالم الاسلامي من استانبول ثم القاهرة. فالتنظيم الذي ترددت بعض الأخبار عنه من سنوات قليلة أصبح هو التنظيم الأخطر في العالم ؟ فهل هو نتاج حالة التخلف والقهر والاستبداد أم هو تنظيم تمت صناعته ليكون وجوده مبررا للتدخل ؟ وتظل الأسئلة حائرة عن تكوينه وتنظيمه وتدريبه وتسليحه وتمويله؟ وتظل الاسئلة حائرة عن انسحاب جيش بشار من مواقع بعينها تاركا لداعش مواقع وذخائر وسلاح, وكيف توجه سلاح داعش أولا صوب التنظيمات السنية الثائرة ضد بشار ..وكيف انسحب جيش المالكي في العراق (وهو جيش ضخم وطائفي) تاركا خلفه مخازن سلاح واسلحة ثقيلة ليستولي عليها داعش في التوقيت الذي تصاعدت فيه ثورة السنة ضد المالكي .. على جانب أخر , تظل الاسئلة الحائرة, كيف انتفض العالم ضد داعش ليمنع وصو التنظيم الى بغداد, ولم يقلق من وصول جماعة الحوثي الى صنعاء؟ ولماذا لم يتدخل العالم وهو يرى مذابح لأكثر من مائتي ألف سني في واحدة من أكبر مجازر العصر على يد العلويين وحزب الله والحرس الثوري الايراني في سوريا ؟ هكذا مرت مذابح السنة على يد ميليشيات المالكي وبشار والحوثي. هل من يقظة ثم مراجعة ؟ مع تنامي ظاهرة الإلحاد داخل المجتمعات السنية,ومع هذا التمدد الشيعي,هل من وقفة داخل الدول السنية لايجاد حلول لوقف الصراعات الداخلية للاستفادة من جهود التنظيمات السنية تحقيقا للتوازن المجتمعي من جهة وسعيا من جهة أخرى لتوحيد الجهود والانتباه الى الصراع الأهم والأخطر؟ عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.