الثورة هي الخروج على الوضع القائم الى وضع أفضل أو أسوأ منه، وقد يثور شعب بقيادة نخبته المثقفة كالثورة الفرنسية، او بزعامة طليعة البروليتاريا كالثورة الروسية، وقد تقوم الشعوب بالثورة ثم تساندها الجيوش كما في ثورة 25 يناير! وكل ثورة لابد ان تنتهي باسقاط السلطة الحاكمة بالعنف وتستبدلها بسلطة اخرى، وكل سلطة جديدة بعد كل ثورة لابد ان تجرى تغييرات "جذرية" اقتصادية وسياسية واجتماعية وثقافية، ومالم تفعل ذلك لايمكن اعتبارها ثورة وانما هي هبة او حركة احتجاج أو انتفاضة شعبية. وفي التاريخ ثورات كبري أشهرها الثورة الانجليزية 1642 والامريكية 1764 والفرنسية 1789 والروسية 1917 والجزائرية 1954 وثورة 23 يوليو 1952 والايرانية 1979 وثورة 25 يناير وفي غالبية هذه الثورات وقعت اعمال عنف وصراعات وفوضى راح ضحيتها مئات الآلاف قبل ان تستقر الاوضاع ! خذ عندك الثورة الانجليزية فقد اندلعت في عام 1642 على شكل حرب طاحنة بين انصار الملكية ودعاة الحكم البرلماني، وتسببت في اعلان الجمهورية واعدام الملك شارل ثم عودة الملكية وعزل الملك جيمس الثاني وفي عام 1689 اي بعد 49 سنة انتصرت الثورة باعلان قانون الحقوق الانجليزي الذي منح الحرية للشعب، واعطي البرلمان سلطة سن القوانين وفرض الضرائب اي سلطة الحكم الفعلي! اما الثورة الامريكية فقد اندلعت 1764 اعتراضا على الحكم البريطاني والضرائب الاستفزازاية التي فرضها وانتهت بعد 12 سنة من الصراعات والمعارك باستقلال الولاياتالمتحدة في 4 يوليو 1776 واقامة نظام دستورى حقق التوازن بين السلطات الثلاث وبين الحكومة الاتحادية وحكومات الولايات ومنح الامريكيين الاستقلال والحرية. بعض حسني النية يتصورون ان الثورات يمكن ان تصلح الاوضاع الفاسدة في يوم وليلة، وهذا غير صحيح على الاطلاق، فالثورة الفرنسية اندلعت في عام 1789 احتجاجا على الجوع والازمة المالية وصاحبتها اعمال عنف وسلب ونهب وثورة مضادة وسقوط مئات الالاف من الضحايا وانتهت في عام 1799 بالغاء الملكية الاستبدادية وامتيازات الطبقة الاقطاعية ونفوذ الكنيسة واعدام لويس السادس عشر وزوجته! وهذا ماحدث ايضا في الثورة الروسية التي اندلعت عام 1917 احتجاجا على الجوع والاستبداد بعد سلسلة من الاضطرابات الشعبية والمجازر اشهرها مجزرة يناير 1905 ومع استمرار الاضرابات والاحتجاجات تمكنت الثورة في نوفمبر 1917 من انهاء حكم نيقولا رومانوف واسرته واقامة نظام اشتراكي حقق المساواة بين فئات الشعب وقضي على الراسمالية الاقطاعية، لكنه داس في طريقه على كل قيم الحرية والكرامة وحقوق الانسان. ربما تكون الثورة الجزائرية هي الاكثر شهرة في تاريخنا العربي فقد اندلعت في 1 نوفمبر 1954 ضد الاستعمار الفرنسي بعد هبات شعبية متنوعة ولم تتوقف طوال 7 سنوات ونصف استشهد خلالها مليون ونصف مليون جزائري، وانتهت باعلان الاستقلال في 5 يوليو 1962 وخروج مليون فرنسي من الجزائر بعد احتلال دام 132 عاما. لا توجد ثورة بدون تضحيات وهذا ماحدث في الثورة الايرانية التي اندلعت في اكتوبر 1977 على شكل انتفاضات شعبية استشهد خلالها 60 الف ايراني وانتهت بفرار الشاه واسرته في يناير 1979 وعودة الخوميني وانهيار النظام واعلان الجمهورية في ابريل 1979 ،صحيح ان الثورة الايرانية أنجزت تغييرات "جذرية" كبيرة لكنها سحقت كل القوى المناوئة واعدمت 200 من كبار المسئولين السابقين ودخلت في حرب مجنونة مع العراق استمرت 10 سنوات، وراح ضحيتها مليون قتيل من الجانبين بالاضافة الى خسائر تجاوزت 400 مليار دولار أما عندنا في مصر فقد اندلعت ثورتان خلال 59 سنة، الاولي في 23 يوليو 1952 وكانت انقلابا عسكريا سلميا سانده الشعب، انهي الحكم الملكي واقام الجمهورية وحقق الاستقلال والعدالة الاجتماعية لكنه لم ينشيء نظاما ديموقراطيا ، والثانية في 25 يناير 2011 وكانت ثورة شعبية بكل المقاييس ساندها الجيش أنهت حكم حسني مبارك واسرته وحالت دون توريث مصر لجمال مبارك وشلته! وكما انتهت ثورة 23يوليو بانقلاب مضاد قاده السادات ومن بعده مبارك، تواجه ثورة 25 يناير الان ثورة مضادة من فلول النظام السابق مدعومين برجال اعمال وقوي اقليمية ودولية لمنع اقامة نظام سياسي جديد أو اجراء تغييرات جذرية تحقق مصالح الاغلبية الساحقة من المصريين! مشكلة ثورة 25 يناير ان الذين قاموا بالثورة لم يحكموا، وان الثورة لم يكن لها قيادة او تنظيم او رؤية موحدة، لذا كان من الطبيعي ان يختلف الثوار على التفاصيل قبل تحقيق الاهداف الكبري، وان يدخلوا في صراعات ليس هذا وقتها ولا مكانها، ومن المؤكد ان اطرافا كثيرة تريد لهذه الثورة ان تموت او تتحول الى حركة تصحيحية. ربما يكون من الصعب الآن تحديد مصير ثورة 25 يناير، لكن اذا اردت ان تعرف مستقبل هذه الثورة فلابد ان تقرأ تاريخ الثورات الاخرى!