نشرت بعض الصحف وثيقة حقوق الإنسان التى سيطرحها الدكتور محمد البرادعى لتكون جزءاً لا يتجزأ من الدستور الجديد وقد حظت الوثيقة بمجرد نشرها باهتمامٍ كبير ، ولك أن تتخيل أنها أصبحت الأكثر تعليقا والأكثر تفضيلا لموقع الدستور الاصلى بمجرد نشر الموقع لها ، وقد كنت واحدا من المترقبين لصدور هذه الوثيقة لأنى - وكثيرون غيرى - نرى أن هذه الوثيقة من الممكن أن تكون هى الحل لفك الاشتباك بين المنادين ب "الدستور أولا" والمنادين ب "الانتخابات أولاً " ، لأن صاحبها هو شخصية يحترمها الخصوم قبل الأصدقاء ودوره فى الثورة ، وموقفه من النظام السابق لاينكره إلا مكابر ، وهو صاحب تجربة فريدة جمعت معظم الأطياف السياسية المعارضة لنظام مبارك فى كيان واحد ( الجمعية الوطنية للتغير) ، ويكفيه أن بيان "معاً سنغيّر" والذى يُعد من أهم مقدمات الثورة عُرف بين الناس باسمه ( بيان البرادعى ) . قرأت الوثيقة سريعا ... ماهذا ... هل انتهت ؟ .. ربما هناك جزء ناقص ... تأكدت أنها مكتملة ... مرت بى فترة من الصمت ... ثم سمعت صوت يقول ما هذا يا دكتور ... – لا تفكر كثيراً إنه صوتى – ... لقد جاءت الوثيقة - رغم الجهد المشكور المبذول فيها - مخيبة لآمالى . الوثيقة مكونة من 17 مادة ، منهم مادتان تأكدان على إنه لايجوز المساس بالمواد الواردة بالوثيقة أو تأويلها ، ومن منطلق حرصى على الوثيقة وحتى تصبح بنودها فعلاً غير قابلة للمس بعد إدراجها بالدستور القادم ، أقدم ملاحظاتى على موادها : - المادة رقم (1) من الباب الاول قد يكون بها عوار كبير فهذه المادة نصت على " نظام الدولة جمهوري ديمقراطي يقوم على حقوق المواطن وسيادة الشعب. ويمارس الشعب هذه السيادة من خلال نظام نيابي يقوم على انتخابات عامة نزيهة دورية تجري على أساس الاقتراع السري، وعلى قدم المساواة بين جميع المواطنين دون تمييز، ووفقاً لإجراءات تضمن حق الترشح والتصويت لجميع المصريين دون أي تفرقة " ، والعوار الذى أعنيه هنا أن المادة جعلت حق الترشح والتصويت لجميع المصريين دون أي تفرقة ، بمعنى أنه اذا كان حق التصويت يجب أن يكون لجميع المصريين ، فان حق الترشيح ، يجب ألا يكون كذلك , وانه لابد من وجود شروط يجب توفرها فى المرشح ... فى دستور 71 كانت توجد نصوص جيدة لكنها تنتهى بفقرات مثل " وذلك فى حدود القانون " او " وينظم القانون " او " وفقاً للقانون " .. ثم ياتى القانون بعد ذلك بقيود مجحفة تعطل ما جاء بالنص الدستورى ، أعلم تماما أن الدكتور البرادعى - وأنا مثله – يكره وجود مثل هذه النصوص فى الدستور الجديد ، وحلا لهذه الاشكالية اقترح ان نضيف الى النص الشروط الضرورية التى لابد من توافرها فى المرشح ، كسنه ، ومستوى تعليمه ، وموقفه من الخدمة العسكرية ، وهل يُسمح له أن يكون حاملا لجنسية أخرى أم لا ، هذا فيما يخص المرشح النيابى أما المرشح لرئاسة الجمهورية فلابد من إضافة ضوابط مقبولة تضمن جديته وتضمن أن يكون له شعبية على مستوى الجمهورية وإلا فاننا سنصحوا ذات صباح لنجد نصف شعب مصر مرشح للرئاسة . - المادة رقم (5) من الباب الاول تحدثت عن القوات المسلحة ودورها وانتهت بهذه العبارة "...، وتتولى القوات المسلحة وضع وتطوير ومراجعة النظم التي تكفل تحقيق هذا الهدف " وكلمة " النظم " هنا قد تفسر على أنها أنظمة الحكم وهو ما يعطى الحق للقوات المسلحة للتدخل لتغيير نظام الحكم فى اى وقت ، وهذا لا يتفق مع الديمقراطية وسيؤدى الى عدم الاستقرار ، لذا أفضل وضع كلمة " الآليات " بدلا منها . - المادتان أرقام (6) و (7) من الباب الثانى ، قد تثيرا بلبلة شديدة .. فالمادة رقم 6 تنص على " الحق في العمل مكفول، وتلتزم الدولة ببذل أقصى جهد ممكن لتوفير العمل لكل مصري بشروط عادلة دون تمييز.." ، والمادة رقم (7) تنص على " الحقوق الاجتماعية مكفولة، وتلتزم الدولة ببذل أقصى جهد ممكن لتكفل لكل مصري مستوى من المعيشة يوفر الصحة والرفاهية له ولأسرته ... " . وسؤالى هنا ماهو المقياس الذى سنقيس به جهد الحكومة لنتأكد انها بذلت أقصى جهد ممكن ؟! إن وضع مثل هذه العبارات الفضفاضة فى الدستور يفتح الباب لرفع ملايين القضايا على الدولة من ملايين العاطلين عن العمل الذين لم توفر لهم الدولة فرص العمل المناسبة .. وكذلك من ملايين العاملين والكادحين الذين لا توفر الدولة مستوى من المعيشة يكفل الصحة والرفاهية والمسكن و .. لهم ولأسرهم ، وستدفع هيئة قضايا الدولة فى هذه القضايا بدفع واحد ... الدولة بذلت أقصى جهد ممكن !!!.. ولك ان تتخيل .. هل ستحرك هذه القضايا عجلة البلاد الى الامام أم إلى الخلف ... قد يقول قائل إن الغرض من وضع مثل هذه المواد بالدستور هو دفع الحكومة لبذل أقصى جهد ممكن بالفعل .. وهنا أرد ، بأن الحكومة المنتخبة لا يحركها الدستور ولكن الذى يحركها ويدفعها للعمل هو صندوق الانتخاب .. لانه لكى يعاد انتخابها مرة أخرى ، فإن عليها بالفعل أن تبذل أقصى جهد ممكن.. إن مثل هذه العبارات يصلح للبرامج الانتخابية لكنه بالتأكيد لا يصلح للدستور . - أما المادة رقم (8) من الباب الثانى فعلى الرغم من أن الجزء الاول منها جيد ، إلا ان الفقرة الخاصة بالقبول فى التعليم العالى قد تكون سببا فى إغلاق جميع الجامعات والمعاهد الخاصة فى مصر .. لانها تنص على " لكل مصري الحق في التعلم ... وأن يكون القبول للتعليم العالي على قدم المساواة التامة للجميع وعلى أساس الكفاءة وبصرف النظر عن القدرة المالية " مما يعنى أن على الجامعات الخاصة قبول كل من يتقدم اليها طالما توفرت فيه شروط الكفاءة بغض النظر عن كونه قادراً على سداد مصاريفها أم لا . - المادة رقم (9) من الباب الثانى تكلمت عن حرية ممارسة الانشطة الثقافية وحرية انتاجها دون أى قيود ، وهذا يفتح الباب امام انتاج مواد ثقافية تخالف تقاليد المجتمع المصرى العريق ، لذا أفضل أن يوضع فى نهايتها هذه العبارة " فيما لايخالف أعراف المجتمع وتقاليده ". - المادة رقم (10) من الباب الثانى بها تكرار ضمنى لا داعى له من وجهة نظرى المتواضعة لانها نصت على " لكل مصري الحق في التمتع بحرمة حياته الخاصة.. وأن يخضع لقانون الأحوال الشخصية الذي يتفق ومعتقداته دون الإضرار بحقوق الآخرين .. " ، ويقينأ فان المادة الثانية من الوثيقة تضمن لجميع المصريين هذا الحق لان مبادئ الشريعة الاسلامية تكفل لغير المسلمين التحاكم إلى شريعتهم فى أحوالهم الشخصية . هذا فيما يخص ما جاء ببنود الوثيقة ، أما بالنسبة لما لم يرد بها ، فقد كنت أنتظر من وثيقة تُجمع عليها كل القوى السياسية ، وتُنهى حالة الاستقطاب بين فريقى "نعم" و"لا" ، وتسمح بتنفيذ السيناريو المنصوص عليه بالاعلان الدستورى دون خوفٍ من أحد ما يلى : - أن تحتوى الوثيقة على مواد تضمن تداول السلطة ولا تقصى أى فصيل من المشهد السياسى - هذا على مستوى الجماعات - - أما على مستوى الأفراد فلابد من وجود مواد تكفل لهم حريتهم وكرامتهم وتصون حقوقهم . بنود الوثيقة تحقق جانبا كبيرا من هذا خاصة فيما يتعلق بحرية وحقوق الأفراد ، ومع ذلك فقد عابها الاتى : - الوثيقة لم تذكر مدة الرئاسة ولا الحد الاقصى لمدد الرئاسة – يعنى ممكن يبقوا خمس مدد مثل المخلوع ويمكن أكثر – - الوثيقة لم تتطرق من قريبٍ أو بعيدٍ لحالة الطوارئ .. متى تفرض؟ .. ومن الذى له حق فرضها؟.. ومتى ينتهى العمل بها؟ ... - الوثيقة أشارت إلى إجراء انتخابات نزيهة ، ولكن لم يرد بها أى مواد تضمن هذه النزاهة ، وسؤالى ألم تكن كل الانتخابات التى عرفتها مصر نزيهة !!.. هذه الكلمة المطاطة جداً تم استهلاكها بما فيه الكفاية على مدار الأربعين سنة الماضية . إن عدم وجود مواد قاطعة النص والدلالة فى دستور 71 فيما يتعلق بهذه النقاط الثلاثة تحديداً كان السبب الرئيسى فى كل ما عناه الوطن خلال العقود الماضية .... كيف فاتك ذلك يادكتور !!!. - تحفظى الاخير خاص بعدم وجود أى فقرة بالوثيقة تربط مصر بالوطن العربى . أخيراً .. هذه هى رؤيتى للوثيقة ، أتمنى ان يأخذ بالصالح منها قبل صدورها فى صورتها النهائية . وفق الله كل أبناء مصر المخلصين لكل ما ينفع وطننا الحبيب على طريق النهضة والبناء .