«المشاط»: التأمين الصحي الشامل هدف استراتيجي للدولة المصرية ضمن منظومة التنمية البشرية    الرقابة المالية تحدد قواعد استثمار صناديق التأمين الحكومية.. استثمار 5-20% في الأسهم المصرية    بعد سحب الجنسية الكويتية منه، من هو الداعية طارق سويدان وما هي جنسيته الحقيقية؟    "ذا جارديان": خطة ترامب في أوكرانيا صفقة قذرة تهدد مستقبل أوروبا نفسها    اتهامات متبادلة بعدم الاتزان العقلي بين عمران خان ورئيس أركان الجيش الباكستاني    تجنب الوقوف بجوار اللاعب الإسرائيلي، تصرف ذكي من محمد السيد في كأس العالم للسلاح    عقب تداول فيديو، ضبط متهم في واقعة التعدي على سيدة بالجيزة    جريمة اسمها حرية الرأي    وزير السياحة والآثار: إعلان خطة تطوير المتحف المصري بالتحرير قريبا    انتخابات متعثرة.. إلا قليلًا    رئيس جامعة سوهاج يتحدث عن المبادرة الرئاسية "تمكين" لدعم الطلاب ذوي الهمم    الإدارية العليا تبدأ نظر 300 طعن على نتائج المرحلة الثانية لانتخابات النواب    وزير الخارجية يبحث تطورات الأوضاع في منطقة القرن الأفريقي    هزتان ارتداديتان قويتان تضربان ألاسكا وكندا بعد زلزال بقوة 7 درجات    تقارير: الدورى السعودي يستعد لاستقطاب محمد صلاح براتب أكبر من رونالدو    ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سائحين بالهند    قرار هام من القضاء الإداري بشأن واقعة سحب مقررين من أستاذ تربية أسيوط    حبس الحكم العام و3 من طاقم الإنقاذ في غرق لاعب السباحة يوسف محمد على ذمة التحقيقات    حسام حسن VS حلمى طولان    موعد مباراة ريال مدريد أمام سيلتا فيجو في الدوري الإسباني.. والقنوات الناقلة    استقرار أسعار الخضراوات داخل الأسواق والمحلات بالأقصر اليوم 7 ديسمبر 2025    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى 20 درجة    كثافات مرورية للقادم من هذه المناطق باتجاه البحر الأعظم    حصاد حملات الداخلية خلال 24 ساعة.. آلاف القضايا في النقل والكهرباء والضرائب    الأمن يضبط 7 أطنان دقيق مدعم قبل ترويجها بالسوق السوداء    هيئة الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بإمساك بعض السجلات    مصر تنضم إلى مركز المعرفة للتغطية الصحية الشاملة UHC Hub    «ميلانيا» تفتح أبواب الجحيم    التضامن: فريق التدخل السريع تعامل مع 519 بلاغا بمحافظات الجمهورية خلال نوفمبر الماضي    روجينا تبدأ تصوير مسلسل "حد أقصى" وتحتفل بأولى تجارب ابنتها في الإخراج    مواقيت الصلاه اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 فى محافظة المنيا    وزير الصحة يعلن اليوم الوضع الوبائى لإصابات الأمراض التنفسية    مستشفى كرموز تجح في إجراء 41 عملية لتغيير مفصل الركبة والحوض    وزارة الصحة توضح أعراض هامة تدل على إصابة الأطفال بالاكتئاب.. تفاصيل    تعليمات من قطاع المعاهد الأزهرية للطلاب والمعلمين للتعامل مع الأمراض المعدية    هل تعلم أن تناول الطعام بسرعة قد يسبب نوبات الهلع؟ طبيبة توضح    حضر التلاميذ وغاب المدرسون، استياء بين أولياء الأمور بسبب غلق أبواب مدرسة بمطروح    نظر الطعون على نتيجة المرحلة الثانية لانتخابات النواب    وزير الرياضة يهنئ محمد السيد بعد تتويجه بذهبية كأس العالم للسلاح    تراجع سعر اليورو اليوم الأحد 7 ديسمبر 2025 أمام الجنيه بالبنوك المصرية    المتهم بقتل زوجته فى المنوفية: ما كنش قصدى أقتلها والسبب مشاده كلامية    الخشت: تجديد الخطاب الديني ضرورة لحماية المجتمعات من التطرف والإلحاد    نظر محاكمة 9 متهمين بقضية خلية داعش عين شمس اليوم    رئيس جامعة حلوان: منتدى اتحاد رؤساء الجامعات الروسية والعربية منصة لتبادل الخبرات    كان معاه 20900 جنيه.. "اهل مصر" تنشر اعترافات أحد سماسرة الأصوات بقنا    محمد عشوب: نتمنى تنفيذ توجيهات الرئيس نحو دراما تُعبّر عن المواطن المصري    مواعيد مباريات الأحد 7 ديسمبر 2025.. ختام المجموعة الأولى بكأس العرب وريال مدريد وقمة إيطالية    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الأحد 7 ديسمبر    جيروم باول يتجه لخفض أسعار الفائدة رغم انقسام الفيدرالي الأمريكي    إنقاذ شخص من الغرق في نهر النيل بالجيزة    وزير الخارجية يبحث مع نظيره الإيراني تطورات الملف النووي والحلول الدبلوماسية لخفض التصعيد    دعاء الفجر| اللهم ارزقنا نجاحًا في كل أمر    "ولنا في الخيال حب" يفاجئ شباك التذاكر... ويُحوِّل الرومانسية الهادئة إلى ظاهرة جماهيرية ب23 مليون جنيه    محسن صالح: توقيت فرح أحمد حمدى غلط.. والزواج يحتاج ابتعاد 6 أشهر عن الملاعب    محمد صلاح يفتح النار على الجميع: أشعر بخيبة أمل وقدمت الكثير لليفربول.. أمى لم تكن تعلم أننى لن ألعب.. يريدون إلقائي تحت الحافلة ولا علاقة لي بالمدرب.. ويبدو أن النادي تخلى عنى.. ويعلق على انتقادات كاراجر    خالد الجندي: الفتوحات الإسلامية كانت دفاعا عن الحرية الإنسانية    الأزهري يتفقد فعاليات اللجنة الثانية في اليوم الأول من المسابقة العالمية للقرآن الكريم    مفتي الجمهورية: التفاف الأُسر حول «دولة التلاوة» يؤكد عدم انعزال القرآن عن حياة المصريين    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اللواء محمد جمال الدين محفوظ.. مؤرخ العسكرية الإسلامية
نشر في المصريون يوم 17 - 09 - 2014

حديثنا اليوم عن رجل تولى مسئولية خطيرة ومهمة بعد هزيمة ساحقة ألمت بالأمة العربية فى 5 يونيو 1967، التى حدثت نتيجة الزيغ والبعد عن منهج الله والاحتكام إلى النظريات المادية التى أضرت بالأمة وأدت إلى إحراجها فى مرحلة مهمة من مراحل التاريخ، هو اللواء أركان الحرب محمد جمال الدين على محفوظ، سنتحدث عنه بمناسبة الاحتفال بالذكرى الواحدة والأربعين لحرب أكتوبر المجيدة … تولى مدير إدارة التوجيه المعنوي للقوات المسلحة بعد الهزيمة التي سادت خلالها مظاهر الإحباط وروح الانهزامية، فعمل الرجل بكل ما يملك حتى أستعاد الجندي المصري ثقته بنفسه، لقد كان الاختيار مناسباً، لأن الرجل نشأ فى بيت علم طاهر، وأسس معرفته منذ صغره على مبادئ الإسلام الحنيف، وكان يرى أن قوة الأمة وازدهارها لا يمكن أن تتحقق إلا فى ظل الإسلام، وأنها لم تتقدم إلا فى ظل التمسك بمبادئ هذا الدين العظيم.. وقد أسدى الرجل للثقافة العربية مؤلفاته الجليلة، التى أبان فيها عن عظمة العسكرية الإسلامية، فقد تناول التاريخ الإسلامي ومواقعه وغزواته محللاً وقائعه فى ضوء النظريات الحربية الحديثة .
وقد ولد قائدنا فى أغسطس سنة 1922 فى بيت علم عريق يتلى فى جنباته القرآن، ويتردد عليه الناس ينهلون العلوم من صاحب هذا البيت، الشيخ "على محفوظ" أستاذ الوعظ والإرشاد وعضو جماعة كبار العلماء بالأزهر الشريف، وهو مؤلف الكتاب الشهير "هداية المرشدين إلى طرق الوعظ والخطابة"، وهو سليل الحسن بن على رضي الله عنه ..تلقى الابن العلوم الإسلامية على والده، وكان منضبطاً على خلق عظيم، لم ينجرف إلى عادات الشباب فى هذا الوقت التى يشوبها التحرر الزائد، والبعد عن الخلق القويم، وإنما تخلق بالمعانى الإسلامية .. فبعد أن حصل على شهادة البكالوريا أراده والده أن يكون مقاتلاً يفيد وطنه الذى كان أرضه مدنسة بقوات الاحتلال البريطانى البغيض، والمكائد تدبر بليل للإجهاز على فلسطين، فالتحق بالكلية الحربية وتخرج منها عام 1942، وخدم طوال حياته فى سلاح المدفعية العريق، وكانت مدة خدمته 33 سنة، قضاها فى وظائف القيادة والتدريس والأركان والإدارة والتوجيه المعنوى والإعلام والحرب النفسية، وقد انتهت خدمته عام 1975، وكان الرجل طوال حياته يسعى إلى التعلم والاستزادة من العلم، فقد حصل على ماجستير العلوم العسكرية وعلى درجة زميل لكلية الحرب العليا وعلى ماجستير فى العلوم السياسية من جامعة القاهرة، وحصل على دورات تخصصية فى كثير من المعاهد العسكرية والإنجليزية والروسية.
وظل الرجل منزوياً عن المكائد والتسلق ..هذه الظواهر سادت فترة، وساعدت فى إفساد الحياة السياسية والعسكرية فى ذلك الوقت نتيجة لتصدر بعض الجهلة بأمور القيادة، فجنح الرجل إلى الإخلاص فى عمله، يستفيد منه كل من خدم معه، ولهذا ذاع صيته نتيجة إخلاصه وتدينه وعلمه الغزير، فعين مديراً للتوجيه المعنوى للقوات المسلحة بعد نكسة يونيو 1967، فاتخذ منهج الإسلام لبناء الروح المعنوية وإرادة القتال، فقرر العديد من الأمور التى يتسلح بها الجندى معنوياً، فجعل "الجهاد فى سبيل الله" عقيدةً للقوات المسلحة، و"النصر أو الشهادة" شعاراً للقوات المسلحة، وجعل أيضاً "الله أكبر" صيحة القتال للقوات المسلحة، وجعل لعلماء الدين والوعاظ دوراً فعالاً فى معايشة القوات المسلحة وتحريض رجالها على القتال تحت لواء الجهاد، وربط أعمالهم فى السلم والحرب بالدين وقد كان هذا المنهج من أهم أسباب النصر فى حرب رمضان 1393ه (أكتوبر1973م).
هذا على المستوى العسكرى، أما على المستوى الثقافى فقد أضاف اللواء محفوظ للمكتبة العربية العشرات من الأبحاث والكتب والمقالات فى التاريخ العسكرى الإسلامى والعسكرية الإسلامية والتوجيه المعنوى وعلم النفس العسكرى، فهو الرائد فى هذا المجال لا يدانيه إلا القليل، منهم: اللواء الركن محمود شيت خطاب، واللواء محمد فرج، واللواء عبد الرحمن زكى، واللواء جمال حماد، وقد قرر بعض هذه الكتب فى المعاهد والكليات العسكرية، ومن أهم كتبه: "المدخل إلى العقيدة والإستراتيجية العسكرية الإسلامية"، و”العسكرية الإسلامية ونظريات العصر"، و"العسكرية الإسلامية ونهضتنا الحضارية"، وفى هذه الكتب يحمل الدعوة إلى إحياء أمجاد العسكرية الإسلامية باعتبارها جانباً رائداً من الحضارة الإسلامية، وقد شارك بأبحاثه فى المؤتمرات الدولية مثل مؤتمر"الدفاع والعالم الإسلامى" فى لندن عام 1399ه والمؤتمر الرابع للسنة والسيرة الذى عقد بالقاهرة فى صفر عام 1406ه .
كان اللواء محفوظ عضواً بالعديد من الهيئات الإسلامية والعسكرية مثل: المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، وعضواً شرفياً بالمعهد الإسلامى لشئون الدفاع والتكنولوجيا بلندن.
انجازات العسكرية الإسلامية في التاريخ:
ويرى اللواء محفوظ الإسلام باعتباره حضارة كاملة، وأنه نظم كافة أمور الحياة ديناً ودنيا، قد عالج أمور الحرب باعتبارها ظاهرة اجتماعية، ووضع خير المناهج والمبادئ بكل ما يتصل بها من حيث أهدافها وقوانينها وآدابها، ويقول: "والباحث المحقق لا يجد في الإسلام كل ما تحتويه النظريات العسكرية المعمول بها في الشرق أو الغرب فحسب، بل إنه ليكتشف بالتحليل والمقارنة أن نظريات الإسلام الحربية تتجاوز تلك النظريات وتتفوق عليها سواء من الناحية الفنية البحتة أو من حيث نبل المقاصد والأهداف، وقد نشأت في المدينة بعد الهجرة أول مدرسة عسكرية في تاريخ العرب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قائدها ومعلمها الأول، وعلى أساس مبادئ القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة القولية والعملية والتقريرية قامت نظريات العسكرية الإسلامية في مختلف شؤون الحرب والقتال مثل: أسباب الحرب وأهدافها – آداب الحرب – بناء الجيش القوي – بناء المقاتل – إعداد القادة – التدريب على القتال – الحرب النفسية – المخابرات والأمن ومقاومة الجاسوسية – الانضباط والجندية وتقاليدها – بناء الروح المعنوية وإرادة القتال – إعداد الأمة للحرب – الصناعة الحربية واقتصاديات الحرب… الخ، وهكذا تكوّن أول جيش في تاريخ الإسلام والمسلمين، وتعلم رجاله في المدرسة العسكرية الإسلامية على يد قائدها ومعلمها الأول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما أذِنَ اللهُ لهم بالقتال طبّقوا ما تعلموه في المعركة فكانوا مضرب الأمثال في الكفاية القتالية والشجاعة والعبقرية الحربية، وكانوا دائماً منصورين على أعدائهم بإذن الله" .
وجملة القول أن تنظيم الإسلام لأمور الحرب قامت عليه وعلى نظرياته المدرسةُ العسكرية الإسلامية كما قام أيضاً جيش الإسلام بقادته ورجاله، ودخل الجيش الإسلامي "بوتقة الحرب"
فماذا كانت النتيجة؟
ويرى أيضاً إن أعظم الأدلة التي تبرز النتائجَ التي حققتها العسكرية الإسلامية شهادةُ التاريخ.. فلقد حققت الجيوش الإسلامية من المهام والانجازات ما أصبح من الحقائق التاريخية التي لا تنازع والتي نذكر منها على سبيل المثال:
أولاً – تأمين الدعوة وقيام الدولة الإسلامية:
وهذا ما حققه جيش الإسلام في عصر النبوة، الذي حارب فيه المسلمون أكثر من عدو، فقد حاربوا المشركين واليهود والروم، وكانوا في كل معاركهم يواجهون عدواً متفوقاً عليهم في العدد والعدة، لكن نصر الله كان حليفهم.
ثانياً – الفتوحات الإسلامية:
وفي أقل من مائة عام امتدت الفتوحات الإسلامية من حدود الصين شرقاً إلى شاطئ الأطلسي غرباً، وقد بلغ عدد القادة الفاتحين في أيام الفتح الإسلامي ستة وخمسين ومائتي قائد (256) منهم ستة عشر ومائتا (216) من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم مؤسس المدرسة العسكرية الإسلامية ومعلمها الأول، وأربعون من التابعين بإحسان رضي الله عنهم.
ولو أردنا أن نلخص ما ينطوي عليه هذا الانجاز العظيم في تاريخ المسلمين في كلمة واحدة فإننا نقول إن معناه الواضح هو أن "العسكرية الإسلامية" قد هزمت كلا من العسكرية الفارسية والعسكرية البيزنطية.
القدرة الدفاعية الإسلامية:
ويحلل اللواء جمال الدين محفوظ القدرة الدفاعية الإسلامية التي بناها الرسول القائد صلى الله عليه وسلم، وتركها أمانة في أعناق المسلمين من بعده إلى عناصرها الأساسية، ثم يتأمل فيما فعل المسلمون بها، لكي نستخلص الدرس والعبرة لحاضرنا ومستقبلنا، فالله تعالى يقول: »فاعتبروا يا أولي الأبصار« (الحشر: 2).
ويعدد اللواء محفوظ عناصر تلك القدرة الدفاعية ما يلي على سبيل المثال:
1- جيش قادر على الردع وتحقيق الأهداف الإستراتيجية..
ليس من شك أن في الجيش الإسلامي في عصر النبوة قد حقق الهدف الاستراتيجي وهو تأمين الدعوة وقيام الدولة الإسلامية وتوفير الأمن والاستقرار لها لكي تؤدي رسالتها السامية لخير البشرية.
ولقد حدد الرسول القائد صلوات الله وسلامه عليه هذا الهدف منذ اللحظة الأولى من الصراع مع المشركين حين رفع يديه بالدعاء إلى ربه بعد أن نظم صفوف الجيش في بدر وقال: »اللهم إن تهلك هذه العصابة من أهل الإسلام فلن تعبد في الأرض..« بهذا الوضوح والتحديد ربط عليه الصلاة والسلام برباط وثيق بين الدعوة وبين القدرة على الدفاع عنها وتأمينها، فكان من ذلك الهدف الاستراتيجي واضحاً ومحدداً.
وفي سبيل تحقيق هذا الهدف حارب المسلمون أكثر من ستين عملية من عمليات القتال قاد منها الرسول صلى الله عليه وسلم بنفسه ثماني وعشرين غزوة، وقد واجه المسلمون –وهم قلة في العدد والعدة- في تلك العمليات أكثر من عدو، فقد حاربوا المشركين واليهود والروم.
2- جيش على مستوى عصره..
في فترة وجيزة لا تتجاوز سبع سنوات لحق جيش الإسلام الأول بقيادة الرسول صلى الله عليه وسلم بمقتضيات عصره من حيث تكوين القوة الضاربة والتنظيم والتسليح: فلقد كانت الاستراتيجية العسكرية العالمية المعاصرة لعصر النبوة (فارس وبيزنطة) تقوم على أساس أن تشكل القوة الضاربة للجيش من الفرسان بنسبة الثلث تقريباً من مجموع قوته.
وكان جيش الإسلام في بادئ الأمر يفتقر إلى الفرسان، ففي أولى الغزوات مثلاً –وهي بدر – كانت لدى الجيش فرَسان فقط، فعُني الرسول صلى الله عليه وسلم بتدريب المسلمين على الفروسية وحثهم على اقتناء الخيول حتى قفزت قوة الفرسان إلى المعدل العالمي وهو الثلث، ففي آخر غزوة -وهي تبوك- كان عدد الفرسان عشرة آلاف في جيش قوامه ثلاثون ألف مقاتل، وتطور تسليح الجيش بأن أضاف إلى أسلحته المنجنيق والعرادات والدبابات، وهي أسلحة خاصة بالحصار ودك الحصون والأسوار. فقد بعث الرسول صلى الله عليه وسلم بعثة من اثنين من المسلمين إلى جرش في الشام فتعلما صنعة هذه الأسلحة، ثم استخدمها الرسول صلوات الله وسلامه عليه في حصار الطائف وخيبر.
3- مدرسة عسكرية كاملة..
وترك الرسول القائد صلى الله عليه وسلم مدرسة عسكرية كاملة لها مبادئها ونظرياتها في أسباب الحرب ودوافعها وآدابها، ونظرياتها في إعداد الأمة للحرب، وفي إعداد المقاتلين وإعداد القادة، وفي الاستطلاع والأمن ومقاومة الجاسوسية، ونظرياتها في الحرب النفسية والتدريب على القتال واقتصاديات الحرب ، وترك لنا أيضاً شهادة من التاريخ بأن الجيوش التي تطبق هذه المبادئ تصبح قوة لا تقهر.
4- جيل من القادة الخبراء بفن الحرب..
بلغ عدد قادة الفتوحات الإسلامية ستة وخمسين ومائتي قائد، كان منهم ستة عشر ومائتا قائد من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم الذين تعلموا على يديه وفي مدرسته، وليس هذا فحسب، بل باشروا القيادة تحت إشرافه وتوجيهه بصور شتى، فعملوا تحت قيادته العليا قادة للوحدات الفرعية التي يتألف منها الجيش، وقادوا السرايا الحربية قيادة مستقلة، وشاركوا في التخطيط الحربي فأصبحوا خبراء في التخطيط والقيادة معاً. والمعروف أن القادة الذين اكتسبوا خبرة عملية في الحرب يعدون من أثمن الثروات الاستراتيجية لأمتهم.
5- شخصية إسلامية قوية راسخة العقيدة..
ومن أهم ما ترك الرسول صلى الله عليه وسلم ذلك البناء الشامخ للشخصية الإسلامية التي أسلمت وجهها لله وملآت قلبها بعقيدة الإيمان بوحدانية الله، وتخلقت بالأخلاق التي أمر بها سبحانه وتحررت من رق العبودية لغير الله..
ولقد نشأت هذه الشخصية في مجتمع إسلامي، قام أفراده بواجبهم نحو ربهم، وجمعتهم رحمة الأخوة وسماحة التآلف وكرم الإيثار، وباعوا أنفسهم وأموالهم صادقين مطمئنين لقاء ما أعطاهم ربهم من جنته ومغفرته ورضوانه، وملك حب الله قلوبهم فأحبوا من أحبه وعادوا من عاداه ولو كان أقرب الناس إليهم.. وهكذا تهيأ المناخ الصالح للشخصية الإسلامية لإظهار كل طاقاتها المدخرة فيها.
الرسول صلى الله عليه وسلم القائد:
خص اللواء جمال محفوظ الرسول صلى الله عليه وسلم بالعديد من الدراسات والمقالات والبحوث التى ضمنها كتبه فقد ذكر أن عدد العمليات الحربية في عصر النبوة بلغت أكثر من ستين عملية ما بين غزوة وسرية، وقاد الرسول القائد صلى الله عليه وسلم بنفسه من هذه العمليات ثماني وعشرين غزوة.. ويقول: "وإذا تناولنا هذه الغزوات بالتحليل الإحصائي، من حيث النوع والكمية والتوزيع الزمني، فسوف تتكشف لنا عدة مبادئ في القيادة الحربية في غاية الفائدة للأمة الإسلامية، وتعد من أبرز خصائص العسكرية الإسلامية.".
فقد استعرض محفوظ غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم، وأثبت أنه حرص على مباشرة القيادة بنفسه طوال فترة الصراع كلها. (من السنة الثانية إلى السنة التاسعة للهجرة) وفي كل سنة من سنواتها بلا استثناء، مع إتاحة الفرصة – في الوقت نفسه- لأصحابه أن يتولوا قيادة الأعمال الحربية المختلفة تحت إشرافه وتوجيهه بصفته القائد الأعلى، وهذه العمليات تسمى بالسرايا التي بلغ عددها خلال نفس الفترة أكثر من ثلاثين سرية، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم قاد في السنة الثانية للهجرة –وهي أول سنوات الصراع- أكبر عدد من العلميات الحربية، وهو ثماني غزوات بينما لم يزد عدد العمليات التي قادها في كل سنة بعد ذلك عن ثلاث أو أربع عمليات في المتوسط. هذا التركيز في قيادة عمليات أولى سنوات الصراع له دلالاته التي لا تفوت القائد المحنك الخبير بفن الحرب، ويعد في نظر العلم العسكري والإستراتيجية الحربية من علامات القيادة الحربية الفذة، فهو يتيح للقائد –في بداية الصراع وقبل تصاعده- الفرصة لدراسة مسرح العلميات دراسة شخصية من الناحية "الطبوغرافية" (مثل طبيعة الأرض والطرق وموارد المياه والتضاريس.. الخ) ومن الناحية "الديموغرافية" (وهي الأهداف التي تسبب للعدو من الأضرار ما يؤدي إلى إحداث تغييرات حادة في الموقفين العسكري والسياسي ويؤثر تأثيراً بالغاً على تطور الصراع المسلح عامة)، ويتيح للقائد كذلك الفرصة لدراسة عدوه عن طريق الاحتكاك المباشر، وتقييم كفاءته القتالية مادياً ومعنوياً، ودراسة أساليبه في القتال، وأسلحته التي يستخدمها، وكل ذلك يكسب القائد ما يسمى "بالخبرة القتالية"، هذه الدراسة الشخصية الشاملة تمكن القائد من التخطيط السليم لجميع العمليات الحربية المقبلة، كما تمكنه من إدارة المعارك بكفاية تامة، ومن توجيه المقاتلين إلى ما يحقق لهم النصر على أعدائهم.
هذا قليل من كثير استعرضناه فى هذه السطور عن اللواء جمال الدين محفوظ الذى ظل يخدم وطنه فى الحرب والسلم ، وكان لا يبغى الظهور والأضواء وحسبه أنه أرضى ربه ثم أرضى وطنه .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.