حين تكون مهموماً بوطنك وليس بنفسك ، وحين تكون أجندة وطنك هى التى تشغلك ، وحين تقرر أنك لن تكون أنانياً ، وستضحى بأحلامك ولو إلى الأبد حتى يتمكن أبناؤك من العيش فى وطن يليق بتاريخه ، ويليق بمحبتك له ، ولهم ، حين تكون وطنيا فعلاً ، وليس ( طق حنك ) ولا فض مجالس ( ولا برامج توك شو يعدها ويقدمها أناس لا موهبة لديهم ولا تخصص عندهم ولا حتى إنصاف ) ، حين تكون كذلك فعلاً ، فإن ذلك سيجعلك غير مؤدلج ، وسيمنحك الفرصة لتنشغل بقضية وطنك إنشغالاً حقيقياً ، وتاماً ، وهو ما يعنى أن تفكيرك سيكون منطقياً ، ومنصفاً ، ومتجرداً ، وبالتالى فإن ما ستصل إليه من نتائج – غالباً- سيكون هو الحق أو قريباً من الحق .كواحد ممن لا أجندة لهم إلا أجندة الوطن ، ولا مصلحة لهم إلا مصلحة الوطن ، وليس لهم طلبات ولا أحلام إلا أن يروا هذا البلد فى مكانة تليق به وبأبناءه .كواحد يزعم أنه من هؤلاء ، أنظر إلى أى دولة أو جماعة أو مشروع ناجح فى الدنيا ، وأحلل أسباب هذا النجاح فأصل إلى نتيجة واحدة ، وسر واحد لهذا النجاح إنها (( النخبة )) ، نعم، وراء كل نجاح ، نخبة ناجحة ، وبمفهوم المخالفة فإن وراء كل فشل نخبة أو نخب فاشلة . منذ أكثر من مائة عام ومشكلة هذه المنطقة من العالم فى نخبها ، نخب تتمتع بصوت عال ، وانتهازية لا تحسد عليها ، وأنانية مفرطة وعناد شديد ، وأهم ما يميزها الجهل وقلة الحياء ، نعم ، لو أن النخب العربية السياسية والإقتصادية والرياضية والإجتماعية كان فى وجهها ذرة حياء لتركت الساحة منذ سنوات طويلة تحت وطأة تاريخ طويل من الفشل المركب والتام .النخب فى بلادنا لا تجيد سوى الجعجعة ، ولا تملك ما تقدمه للوطن سوى الكثير من الكلام ، والقليل النادر من الأفعال ، النخب فى بلادنا لا علاقة لها بالناس ولا بهموم الوطن.شروط الإنضمام للنخبة فى بلادنا ، ليس من بينها الكد والعرق والبذل والتضحية ،بل يكفى أن تكون ماسح جوخ ، هجاصاً ، مهجاصاً ، عالى الصوت ، ليس لك أى تاريخ نضالى ، وليس لديك مواهب إستثنائية ، ومن لا يصدقنى فعليه أن يبحث فى ذاكرته عن أى إسم مشهور فى بلادنا فى أى مجال وفكر بإنصاف فى حقيقة مواهبه وراجع تاريخه وستكتشف أن كلامى قاعدة لا تكاد تجد لها شواذ إلا القليل النادر. الحصول على مقعد فى صفوف النخبة فى أى بلد محترم فى العالم يعنى أن تحفر فى الصخر ، وأن تعمل بلا توقف وأن تقدم الكثير ، والكثير ، حتى تتمكن فى النهاية من حجز مقعد فى صفوف النخبة ( راجع كتاب عصر العلم للدكتور زويل لتعرف ثمن المقعد النخبوى فى أوربا والدول المتقدمة )، أما فى بلادنا فالنخب أقل الناس عملاً ، وأضعف الناس مواهباً ، وأكثر الناس ركوناً إلى الراحة وإيثاراً للسلامة . والآن وبعد الثورة - الثورة التى قام بها الناس وليس النخب - الناس الذين لم يسعفهم الحظ يوماً ليكونوا من النخبة ، ومع ذلك فإن هؤلاء البسطاء هم الذين قاموا بأعظم ثورة فى التاريخ ، قاموا بها بأنفسهم وأخذوا المبادرة بعد أن إنتظروا عشرات السنوات أن تتقدم النخب لتكون فى الطليعة وتقوم بدورها وتدفع الضريبة النخبوية لتقبض الثمن وتحصد الثمرة ، فلما يأس الناس من نخبهم ، ورموا طوبتهم ، واكتشفوا أنها نخب مكتبية ، وتماثيل شمعية بليدة لا حياة فيها ولا أمل ، وأن أفرادها مجموعة من الأشباح والفاشلين وعديمى الموهبة ، وأن التعويل عليهم يعنى الإنتظار إلى الأبد ، حين أدركت الجماهير هذه الحقائق كفرت بنخبتها ، واستعادت زمام أمرها ، وهبت هبتها العظيمة فأزاحت العصابة الإبليسية فى أقل من شهر ، وبتضحيات أهون بكثير مما كان متصوراً ، لتكتشف بعدها الجماهير خديعة نخبتها التى خدرتها عشرات السنوات . والآن ، وببجاحة لا مثيل لها تحاول هذه النخب قليلة الحياء أن تحصد مالم تزرعه ، دون حتى أن تنتظر حتى ينسى الناس أو تجف دماء ليس من بينها دم نخبوى واحد ، فما أقبحها من نخبة وما أقل حياءها وما أكثر بجاحتها ، نخبة تتشبث حتى الموت بمقاعد قضت فيها عشرات السنوات دون وجه حق ودون أن يكون لديها أى رصيد يسعفها .ابتعدى أيتها النخب الفاشلة ، كفى فشلاً وتخبطاً إنتهت المحاولات المسموحة ونفذ الرصيد ، إبتعدى ودعى الجماهير البسيطة تجنى ثمار ثورتها ، فعلى الأقل هذه الجماهير تمتلك الشرعية إضافة إلى نجاح تاريخى [email protected]