هم فئة من المصريين الذين لا يؤمنون بالدين، يعتبرون أنفسهم "ملحدين"، هكذا استهلت الإذاعة الألمانية "دويتشه فيله" حديثها عن "الملحدين في مصر"، قائلة إن هذه الصفة جعلتهم في مهب حملات دينية تصدرتها الجماعات الإسلامية إثر ثورة 25يناير، والآن في ظل حكم السيسي يبدو أنهم باتوا "خطرا" لا يقل عن الإخوان المسلمين"، بحسب تعبيره. وسلط التقرير الضوء على أحد هؤلاء الملحدين، ويدعى أحمد حرقان، وهو في الأربعينيات من عمره، قال إنه أمضى أكثر من نصف حياته في دراسة الشريعة الإسلامية والتخصص فيها، وهو يعتبر نفسه "ملحدًا"، إلا أنه يفضل كما يقول في كثير من الأحيان إخفاء أفكاره وتفادي الدخول في جدل مع أصدقائه وزملائه في العمل حول القضايا الدينية، لأنه كما يقول يخشى على حياته، فقد تعرض أكثر من مرة للتهديد بالقتل، كما يؤكد. يقول حرقان، إنهم "كثيرون وربما يصل عددهم الملايين في مصر، الذين يمكن اعتبارهم ملحدين ولا يؤمنون بالدين. وهو رقم يصعب التحقق منه في ظل غياب إحصاءات علمية حول الموضوع". ويقول التقرير إنه "منذ ثورة 25 يناير بدأت ملامح حياة هذه الفئة تتغير بشكل جذري، نتيجة عوامل كثيرة، أبرزها جرأتهم على التعبير عن أفكارهم، وبالمقابل تسليط الأضواء عليهم من قبل جماعات إسلامية متشددة، وسرعان من يتحول الجدل حولهم إلى حملات تكفير تستهدفهم. كما يقول نشطاء يعتبرون أنفسهم ملحدين على غرار حرقان". لكن المثير، وفق التقرير، أن "هذه الفئة باتت في الآونة الأخيرة هدفا لحملات تقودها مؤسسات دينية رسمية مثل الأزهر ووزارة الأوقاف، رغم أن اللواء السابق عبدالفتاح السيسي وصل إلى سدة الرئاسة على أنقاض حكم الإسلامي محمد مرسي، متهما إياه بالسعي لإقامة دولة دينية وإقصاء فئات واسعة من المجتمع المصري ذات الخلفيات الدينية والثقافية المختلفة". وتساءلت الإذاعة الألمانية: فماذا تغير وما هي خلفيات الحملة على "الملحدين"؟ هل أضاف حكم السيسي "الملحدين" إلى لائحة "أعداء الدولة" التي يتصدرها الإخوان المسلمون؟ فعلى الرغم أن المجتمع المصري معروف بتدينه، إلا أن الخبراء يرصدون أن الإلحاد بات يشكل "ظاهرة حقيقية" في السنوات الماضية، وبدأ الحديث عنه يتزايد عقب ثورة 25 يناير، مع وصول التيارات الدينية لسدة الحكم، تعالت الأصوات الداعية إلى مواجهة هذه الأفكار. وفي هذا السياق، أعلنت وزارتا الأوقاف والشباب والرياضة، تنظيم حملة قومية لمكافحة انتشار ظاهرة "الإلحاد بين الشباب". وتعد هذه الخطوة هي الأولي من نوعها. الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف أشار في خطاب له بتاريخ 27أغسطس إلى أن "الخطر الثاني بعد الإرهاب يتمثل في الإلحاد المسيس الموجه الذي تديره أيدٍ خفية عبر مواقع التواصل الإلكتروني، وتديره حركات ومنظمات مشبوهة تهدف إلى ضرب أمن واستقرار المجتمعات العربية الآمنة المستقرة". ووصف الدكتور أحمد ترك المسؤول عن الحملة بوزارة الأوقاف ومدير عام بحوث الدعوة بالوزارة، الحملة ب "المشروع المتكامل بالتنسيق بين وزارتي الأوقاف والشباب"، مشيراً إلى أن المشروع لم يتم البدء في تطبيقه حتى الآن. وقال ترك إنه تم وضع "خطة لتوعية الشباب بخطورة الإلحاد على العقيدة والأخلاق والانتماء الوطني، ومعالجة شبهات الملحدين نفسيًا وإيمانيًا واجتماعيًا، من خلال فريق عمل متكامل في كل التخصصات المعنية"، موضحا أن الخطة تتضمن "جمع ودراسة كل شبهات الملحدين والقيام بتفنيدها والرد عليها، وتلقي التدريب اللازم على أيدي أساتذة متخصصين في علم النفس والاجتماع والعقيدة الإسلامية الصحيحة، لفريق العمل الشبابي قبل بدء المهام الموكلة إليه". كما تشمل خطة وزارة الأوقاف عمليات "إعادة تأهيل لملحدين سابقين" كما يوضح ذلك تركا مشيرا إلى "تدريب مجموعة من شباب الجامعات والشباب العائد من تجربة الإلحاد، وتأهيلهم للمشاركة في مواجهة الظاهرة، وضمهم إلى المبادرة، إطلاق حملة وقائية للشباب بكل فئاته." مشيرا أن الحملة تتضمن مبادرات على مواقع التواصل الاجتماعي ضمنها صفحة على موقع فيسبوك تحمل اسم مبادرة "بالعقل كده". وإطلاق خط ساخن يتبع وزارة الشباب "للتعامل مع أسر الملحدين وتقديم المساعدة لهم علميًا ونفسيًا". من جهته، ينفي الدكتور يسري حماد نائب رئيس حزب الوطن –المنشق عن حزب النور السلفي- من الأساس تزايد الإلحاد بعد عزل مرسي عن منصبه. ووصف إعلان وزارتي الشباب والرياضة عن خطة لمواجهة الإلحاد ب"الإعلان الإعلامي". ويقول: "ليس الهدف منه التصدي لظاهرة الإلحاد، بل للإيهام أنها تتزايد وأن السيسي هو من سيتصدى لها، للمزيد من الإيحاء بتدينه وحرصه على منع الإساءة للدين". وأوضح حماد قائلاً: "الإلحاد لم ينتشر ولم يزداد في مصر، بل فُتح له المجال إعلاميا كخطة مساعدة وفريق مساعد أمام التيار الإسلامي، كمزيد من التشويه والضغط النفسي ليقبل بالأمر الواقع، ويحافظ على البقية من المظهر الإسلامي للمجتمع". ويصف وزارة الأوقاف بأنها "وزارة الأمن السياسي"، مضيفاً أنه "بمزيد من التدقيق فيما تعرضه الفضائيات ومن تستضيف من موعيات المشايخ، وما يستهزأ به بعض الإعلاميين من ثوابت الإسلام وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم". ويشرح قائلاً: "ندرك أن الباب مفتوح لذلك، وكان يستطيع منعه بمجرد الأمر، وليس بالإعلان عن خطة تتبناها وزارة ليس لها علاقة بالعمل الدعوي". ويستنكر أحمد حرقان، ملحد مصري، اندهاش البعض من انتشار الإلحاد في مصر، قائلاً "الطبيعي أن نتجه إلى الإلحاد في ظل إرهاب الدين والتخوف منه، معتبراً الدين انعكاسا لأفكار خرافية". وتابع: "أحاول منذ 27 سنة الهروب من التفكير في قضايا الدين، رغم تخصصي في الشريعة الإسلامية ودراستها جيداً، دون أن أكون مقتنعا بها". واعتبر أن انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، البطل الرئيسي لمرحلة الإلحاد، كونها ساهمت في تسهيل تبادل الأفكار، والاستماع إلى مختلف وجهات النظر. وقدر عدد "الملحدين" بخمسة إلى ثمانية ملايين، وأشار بأن "هذا العدد الضخم غير ظاهر، لأن أكثريتهم لا تجهر بإلحادها". وأردف قائلاً: "لو أن كل الملحدين أجهروا بقناعاتهم، فسيكون عددنا أكثر من المسيحيين في مصر". وأكد أن هناك ضغوطا اجتماعية تواجه هذه الفئة، قائلاً "نحن نحارب ونكافح ويتم التعدًي علينا في الشوارع، وحياتنا في خطر". واستبعد حرقان إسهام ثورة 25 يناير في تزايد الملحدين لمصر. وأستطرد بالقول: "لم يتغير شئ سواء قبل أو بعد ثورة 25 يناير". ووصف التفسيرات القائلة بأن صعود جماعة الإخوان المسلمين أدى إلى تزايد الإلحاد "قراءة سطحية".
وعن محاولة مؤسسات الدولة لمواجهة الإلحاد، اعتبر حرقان أن مضمون الحملة والهدف منها هو الاستهلاك المحلي، مفسراً ذلك "بعجز المجتمع عن مواجهة الملحدين، لأنه في حالة مواجهتهم سيصيبهم الذعر بسبب كثرة عددهم" كما يقول. واعتبر أن تزايد الملحدين في مصر كان السبب وراء برامج حوارية مع الملحدين، وأستشهد ببرنامج "لحظة سكون"، الذي كان يعرض على قناة سي بي سي. ونوًه إلى أن تزايد عدد الملحدين، سيؤدي إلى "تصادم وتزايد معدلات العنف والتنكيل بالملحدين، وحصول مجازر"، وأشار إلى "غياب حرية العقيدة في مصر رغم اندلاع ثورتين في البلاد". وتتباين وجهات نظر الخبراء حول مدى انتشار أفكار الإلحاد في أوساط الشباب في المجتمع المصري، خصوصا في ظل ندرة الدراسات الإحصائية حول الموضوع، إلا أن تقارير المنظمات الحقوقية المصرية والأجنبية، تشير سنويا إلى انتهاكات في مجال حرية الاعتقاد وأشكال متعددة من المضايقات يتعرض لها الأشخاص والجماعات على أساس أفكارهم وعقائدهم. كما يتعرض مفكرون لحملات تكفير لمجرد إبداء آراء اجتهادية أو نقدية في قضايا الدين. وفي تحليل ممدوح الشيخ، الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، لهذا الموضوع، يرى أن جزءًا من الظاهرة يعود للاحتجاج الاجتماعي أكثر منه موقفا عقائديا. وحاول تفسير الظاهرة قائلاً: "ما حدث هو مطابقة بين سلوك رجال الدين وبين فكرة الدين، أدى إلى اهتزاز شرائح من الناس للخطاب الديني". ويفسر الشيخ حملة المؤسسات الدينية الرسمية على الملحدين، بأنها محاولة للظهور بمظهر الدولة المحافظة على هوية دينية، رغم صراعها مع الحركات الإسلامية، للحفاظ على مصداقيتها. وتابع "هذه رسالة موجهة إلى جموع الشعب البسطاء وليس المثقفين". ودعا الدولة إلى الاهتمام بحرية التعبير والإصلاح الديني الذي يعاني من مشكلة، وترك مساحة الشأن العام لرجال العمل العام(المجتمع المدني ووسائل الإعلام...) وليس الموظفين الحكوميين.