النظم الإدارية فى دول العالم شيئ وفى مصر شيئ مختلف تماما, فلا توجد حكومة فى العالم لها عدة أنظمة إدارية مختلفة تتحكم فى التعيينات والمرتبات, مثل التى توجد فى مصر, وهذه الأنظمة تختلف من وزارة إلى أخرى وقد تختلف عن بعضها البعض فى الهيئات التابعة لوزارة واحدة, حتى قانون العمل الذى يسير نظم العمل فى مؤسسات الدولة, هناك قانون للعاملين المدنين بالدولة وقانون للعاملين بالقطاعين العام والخاص وقانون للعاملين باقطاع الاستثمارى. فمثلاً العاملين فى مجال البترول والكهرباء والمواصلات والتعليم والقضاء والجامعات وطبعا تختلف عن العاملين بالجهات العسكرية والشرطة لهم رواتب ومزايا تختلف عن بعضهم البعض وحتى اللوائح والقوانين التى تنظم العمل داخل تلك الوزارات غير موحدة ومختلفة تماما. ولنضرب المثل فى التخبط الإدارى بوزارة التعليم, حيث أنها تتعامل مع الموظفين إداريا بشكل متفاوت, فالتعيين بالنسبة للمدرسين يمر بأربعة مراحل حتى يتم التعيين النهائى, يتم تعيين المدرس للعمل بالحصة, وهو نظام يسمح للمدرس بالعمل بالقطعة فاليوم الذى يذهب فيه للمدرسة ويدرس عدد الحصص الخاصة به يأخذ عنها مقابل, ويكون المقابل فى حدود من 3إلى 4ج, فلو افترضنا أنه يدرس متوسط 80 حصة شهريا يكون إجمالى المرتب الذى يحصل عليه 320ج, ويكون حاصل على مؤهل جامعى تخصصى, أما فى حالة الغياب عن العمل وفى الأجازات والعطلات الرسمية فلا يستحق عنها مقابل, والمدرس يعمل بهذا النظام لمدة من الوقت قد تستمر عدة سنوات, وهذا النظام يشبه نظام السركى الذى يسرى على عمالة المقاولات وهو نظام معيب إذا كان يسرى على شخص يحمل مؤهل عالى ويعمل عمل إدارى أو إشرافى, وفى نفس الوقت يعامل كأنه عامل عرضى, ففى شركات القطاع الخاص خصوصا شركات المقاولات, ممنوع على تلك الشركات إدراج موظف يعمل بعمل إدارى أو إشرافى فى نظام عمال السركى, فلا بد من تعيينه بعقد وعمل تغطية تأمينية للمعاشات على هذا الموظف, وفى حالة قيام جهات التفتيش المختصة – مكتب العمل أو مكتب التأمينات الاجتماعية- باكتشاف إدراج هذا الموظف بكشوف العمل الخاصة بعمالة السراكى, يتم مجازاة هذه الشركة, وتغريمها مبلغلاً من المال مع إلزامها بتعيينه والتأمين عليه. المرحلة الثانية يتم تعيينه بعقد محدد المدة, ينتهى عند نهاية العام الدراسى, ويجدد عند بداية العام الدراسى الجديد, ثم تأتى المرحلة الثالثة وهى العمل بعقد مميز وهنا يصبح للمدرس الحق فى العمل بلجان الامتحانات ويستحق مكافأة الخاصة بها ويعتبر مدرس مساعد, كل ذلك قد يستمر عدة سنوات قد تزيد عن الخمس, ثم تأتى المرحلة الحاسمة وهى التعيين النهائى, وهى المرحلة التى يصلها المدرس ويكون قد أمضى من خمس لعشر سنوات, حتى يصبح موظف بالجهاز الإدارى للدولة. المثير للشفقة فى هذا الموضوع أن كل مراحل التعيين السابقة مطلوب من نفس المدرس المرور بها, عدة مراحل وظيفية حتى يتم تعيينه, ويظل طوال هذه الفترة فى حالة قلق لأن العقد قد لا يتم تجديده فيصبح بعد العمل عدة سنوات فى الشارع, أويتم تخفيض عدد الحصص التى يعملها فى الأسبوع من 20 إلى 15 مثلا وبالتالى ينخفض الراتب الشهرى, وللعلم لاتعتبر مدة عمله بالحصة مدة خبرة ولا يتم احتسابها فى مدة التأمين الاجتماعى الخاصة به بعد التعيين النهائى, فتضيع مدة عمله التى قد تطول عدة سنوات كأنه يعمل سريح فى الشارع. المهم بعد كل هذا العناء يتم تعيين المدرس بمبلغ راتب صغير لايكفى لحياة أسرته, مما يطضره للبحث عن عمل ثانى يعمل فيه بالمساء أو إعطاء دروس خصوصية لمواجهة تكاليف الحياة, وبعد كل هذا مطلوب من المدرس المظلوم إداريا واجتماعيا ووظيفيا مطلوب منه العمل بجد واجتهاد لتعليم تلاميذه والعمل على رفع مستواهم التعليمى, كيف يتأتى هذا وهو مظلوم من وزارته مالياً, وعندما يحاول أن يطور نفسه علميا بالأنتساب فى الجامعه لأخذ مؤهل أعلى يكون ذلك على حسابه ولا تشارك الوزراة فى تكاليف تلك الدراسة التى ستعود بالنفع على العملية التعليمة, وعندما يحصل على درجة الماجستير أو الدكتوراة تكون المكافأة زيادة 4 إلى 8ج يتم زيادتها على المرتب, وكأن التعليم والدراسات العليا لا تستحق أكثر من هذه المكافأة الزهيدة التى لا تذكر ولا تكفى حتى لشراء وجبة إفطار, وبعد كل هذا نقول أن العملية التعليمية متدهورة ومتخلفة وأن الطلاب يُحجموا عن الذهاب للمدرسة وهذا طبيعى مادام عصب العملية التعليمية لايحس بالأمان ولا يجد مايكفيه ماليا ليعيش حياة مطمئنة, ولا يجد التقدير المناسب لمجهوده أو لمؤهلاته, فإذا فقد المدرس الأمن والأمان فلا يستطيع أن يعطيه لتلاميذه وإذا فقد نعمة الحياة الهادئة وراحة البال والتركيز فلا يستطيع أن يقدم تعليم جيد ومستوى علمى عالى, لأن فاقد الشيء لا يعطيه. كاتب مصرى