الشباب أكثر "ثأرًا".. والقيادات تلجأ إلى"الخطط البديلة": الدفع ببعض الحلفاء إلى الحياة السياسية والشباب إلى التسرب بين القوى الثورية.. وضغوط أمريكية لدمج الجماعة فى الحياة السياسية.. والتنظيم الدولى يقود حملة "غسيل سمعة" عام مضى على جماعة الإخوان المسلمين، يتيهون فى الأرض، تيه ساهموا فيه بأنفسهم بقدر لا يقل عما مساهمة الآخرين فيه، بدأ عداده منذ خرجوا مقهورين من عاصمتهم التى أسسوها فى رابعة وتوطدت أركانها فى 45 يومًا، آملين منها أن تعيد لهم دولتهم الضائعة ومرسيها على العرش، ولكن تلك الآمال والتى ارتفعت ورفضوا معها أى حلول وسط هوت بهم فى النهاية، فدولتهم لم تستغرق أكثر من دقائق تلاوة بيان لإعلان تاريخ تأبينها وعاصمتهم لم تستغرق أكثر من 12 ساعة لإخراجهم منها، وعام لتثبيت أركان النظام الجديد الذى خرج على أنقاضها، ليبدأ فى مشاريعه الكبرى بدعم عالمي، فيما لا يزالون هم تيه، بعضهم نجوا فى دول أخرى، وآخرين فى بطون القبور، وكثيرين فى غياهب السجون، والباقى لا يزال يحدد شكل القادم والذى انحسرت خياراته بين (الإحباط والعنف). وبالرغم من أن شدة العام الذى شهدته الجماعة منذ فض رابعة، إلا أنها لم ولن تنتهى كما أكدت الأطراف مجتمعة ل"المصريون" ليس فقط لقدرة الجماعة الكبيرة على التعامل مع تلك الأوضاع والتى ألفتها منذ عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، وقدرتها على إعادة ترتيب صفوفها بعد كل منحة، ولكن "لأن استمرارها أحد عوامل توازن القوى فى الشرق الأوسط.. وإحدى الأوراق التى تستخدمها الولاياتالمتحدة والغرب بوجه عام لخلق حالة من الصراع على الهوية فى تلك المناطق، وفى الوقت ذاته التنوع الضرورى حيث تمثل الجماعة تيارًا إسلاميًا غير متشدد على خلاف الجماعات التكفيرية والجهادية والإرهابية كداعش وغيرها" هذا ما أكده سامح عيد، الخبير فى شئون الإسلام السياسى ل"المصريون". وفى إطار سياسات الأمر الواقع وما تفرضه، تكشف "المصريون" عن خطة الإخوان للتعامل مع المرحلة القادمة والتى ستنقسم إلى عدة محاور، الأول خاص بالتحرك الميدانى والمعتمد على قوى الشباب، والثانى بالاندماج غير المباشر فى الحياة السياسية ضمن لعبة "تقسيم الأدوار" وموائمات مع النظام، والثالث يعتمد على التحركات فى الخارج. الشباب.. البعض للعزلة وآخرين للثأر والقليل تحت وطأة السمع والطاعة فى مقابل سنوات من التهميش وجد شباب الإخوان المسلمين أنفسهم فوهة مدفع لم يستشيرهم أيًا من قياداتهم سابقًا فى أمور أوصلتهم إلى تلك المرحلة فى النهاية، دفعوا الفاتورة الأبهظ، مئات من القتلى والمعتقلين والمطاردين الذين لن يستطيعوا أن يفروا خارج مصر كما فعلت بعض القيادات، ليمر العام الأول عليهم بعد تولى مهمة القيادة الميدانية وقد تغير الحال وانقسموا إلى ثلاثة فرق، الأولى تملك منهم الإحباط انقطعوا عن التظاهرات الأسبوعية بعضهم شارك فى 3 يوليو الذى حشدت له الجماعة على أنه ثورة الجديدة، لينتهى ومعه بعض ما تبقى لديهم من أمل وكذلك الوضع فى ذكرى رابعة. أما الفصيل الثانى، وهو الذى بدأ يظهر على السطح منذ عدة شهور تحديدًا بتدشن حركات مثل "ولع" و "مولوتوف" و"مجهولون" ومعه بدأ الكفر علنية بالسلمية، والانقلاب على كلمة مرشد الإخوان من أعلى منصة رابعة "سلميتنا أقوى من الرصاص" وتعديلها إلى شعار "السلمية لا تعنى الاستسلام" لن تنحصر عند ذلك الحد بل مؤهلة للزيادة فى الفترة القادمة، فبعد أن تنخفض أعداد المشاركين فى التظاهرات مع الوقت إلى أن تتلاشى لن يبقى للشباب الذى نشأت بينه وبين قوات الأمن حالة ثأرية لرؤية صديقه أو شقيقه يموت أمامه أو تعرض للتعذيب وضاع مستقبله داخل المعتقلات ومن ثم فلن يفرط فيه" يقول أحمد الصياد، منسق حركة شباب الأزهر ل"المصريون"، أن تلك الحركات لم تعد تخضع لأى من القيادات ولا تعبأ بسلمية التحالف الوطنى لدعم الشرعية، متوقعًا أن تنتج تلك الحالة عن تدشين كيانات موازية من الشباب تقوم على استراتيجية الثأر لاسيما أن تلك الحركات تنسق جيدًا فيما بينها وعلى تواصل ومن ثم توحدهم فى كيان ليس بالصعب. ويقول سامح عيد: سينتهى الحال بشباب الإخوان والمتعاطفين معهم إلى فصيلين الأول يتجه إلى المزيد من العنف والتطرف والانضمام إلى أنصار بيت المقدس أو داعش لإشباع الحالة الثأرية التى نشأت لديهم، أما الفريق الثانى فسيفقد الأمل فى جدوى تلك التظاهرات وسيعتزلون الحياة السياسية وينصرفون إلى حياتهم الخاصة". فيما رد أحمد البقري، نائب رئيس اتحاد طلاب مصر الموجود حاليًا خارج مصر وعضو المجلس الثوري، قائلًا: إن من يسأل على العنف فى الشارع هو هذا النظام الذى يقتل المصريين فى الشوارع، مؤكدًا تمسك الشباب على مدار عام كامل بالسلمية المبدعة مضيفًا: أننا لن نقف مكتوفى الأيدى أمام بطش العسكر وعلى من بيده القوة الباطشة أن يراجع نفسه أما الشباب فهم أصحاب همة عالية ورؤية لتحديات المستقبل وأصبحوا أكثر نضجًا ووعيًا من ذى قبل وهذا ما رأيناه منذ 3 يوليو الماضى إلى الآن، تطور نوعى فى الحراك أما العنف فنرفضه بشكل واضح. وما بين هؤلاء وهؤلاء لا يزال القليل تحت وطأة الجماعة ممن نشأ على السمع والطاعة ولا يزالون على تواصل بالقيادات سواء فى المحافظات أو فى الخارج، علمت "المصريون"، أن تلك المجموعات والتى تنقل إليها التعليمات من خلال أيمن عبد الغنى رئيس لجنة الشباب بحزب الحرية والعدالة وصهر المهندس خيرت الشاطر يتم توظيفها كلجان إعلامية تقوم بنشر شائعات معينة لخدمة الجماعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وترصد ما يقوم به الفصيل الثاني، بالإضافة إلى محاولة التداخل بين القوى الثورية والعلم بما يخططون له لمحاولة استغلاله فى أى لحظة، وأن جزءًا منهم سيحضر اجتماعات القوى الثورية للتجهيز لاحتجاجات 27 سبتمبر بالتزامن مع الحكم على مبارك. العودة.. تقسيم أدوار مع الحلفاء.. دخول بعضهم البرلمان.. ومواءمات على المدى البعيد ليس معنى تجديد التأكيد فى كل بيان يصدر من قبل الجماعة أو ظهور لقادتها على إحدى القنوات الخارجية على أنه لا تنازل ولا تفريط أو مداهنة أن ذلك ما يجرى فى الغرف المغلقة، والتى دائمًا ما تفرض قواعد جديدة وتتحدث فقط بأوراق القوة التى يمتلكها كل طرف. "نحن أنفسنا لا نثق فى القيادات أو مواقفها ومنذ فض رابعة وأنا انتظر فى أى لحظة الحديث عن أن القيادات تجلس مع ممثلى السلطة الجدد تتفاوض، فهم لهم حسابات مختلفة تركز بالأساس على كيان التنظيم وضمان عدم إقصائهم، كما أن للواقع دائمًا كلمة أخرى يفرضها" هذا ما أكده أحمد الصياد، مشيرًا إلى أن هذا أحد العوامل التى جعلت الكثير من الشباب لا يخضع لأوامر القيادات ويبدأ فى صياغة اللعبة بطريقته. ولم يكن الشباب فقط هو المتشكك فى تصريحات الجماعة وتأكيدتها السابقة، فلقد اجتمع خبراء الإسلام السياسى على أن الجماعة لا يمكن بأى حال أن تسمح للكيان الذى دشنته على مدار 80 عامًا بالفناء، وستلجأ إلى مواءمات سرية مع الدولة بتدخلات من أطراف دولية لإعادة دمجها فى الحياة السياسية على مدار الأعوام القادمة، بالإضافة إلى تقسيم أدوار بينها وبين حلفائها، حيث سينهار التحالف قريبًا وتندمج بعض قواه وهى "الوسط والوطن والجماعة الإسلامية" فى الحياة السياسية من خلال الاندماج مع قوى معارضة كمصر القوية أو تحالفات شبابية وبعضهم سيشارك فى انتخابات مجلس الشعب، مع انتقادات من الجماعة فى العلن حتى لا تصطدم مع قواعدها، فى حين يتم التنسيق بينها فى الخفاء. وقال عيد: إن جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن أن يتم القضاء عليها بتلك السهولة سواء لقدرتها التنظيمية الكبيرة التى تمكنها من إعادة ترتيب صفوفها حتى فى أصعب الظروف كما حدث عقب الحقبة الناصرية، أو للضغوط الخارجية على النظام المصرى التى تقودها الولاياتالمتحدة لعدم إقصاء جماعة الإخوان وإعادة دمجها داخل الحياة السياسية بشكل تدريجي، وذلك لإحداث نوع من توازن القوة وتواجد جماعات إسلامية غير عنيفة تضعها فى مواجهة الأخرى وتستخدمهم طبقًا لمصالحهم، وحتى تستمر حالة الصراع على الهوية. وأشار إلى أن الولاياتالمتحدة تضغط على النظام الحالى حتى لا يتعامل مع جماعة الإخوان كتعامله مع الجماعات العنيفة، مشيرًا إلى أن ذلك ما يحدث بالفعل فمعظم قيادات المحافظات تم الإفراج عنها قبل العيد وحتى قيادات الصف الأول والثانى بدأ الإفراج عنهم مستشهدًا بقرار الإفراج عن حلمى الجزار وعبد لمنعم عبد المقصود. وتوقع الخبير فى الإسلام السياسى، أن يتم التعامل معهم بالطريقة ذاتها التى كان يتعامل معهم مبارك بها حيث السماح لهم بالوجود السرى والمشاركة فى الحياة السياسية لاستخدامهم كفزاعة، مشيرًا إلى أن لجوء الدولة لمواءمات مع الجماعة على ذلك الأساس سيمنح لهم الفرصة لإعادة ترتيب صفوفهم، ومشيرًا إلى ضرورة تفكيك التنظيم وتصحيح مفاهيمه. واتقف معه خالد الزعفراني، القيادى المنشق عن جماعة الإخوان المسلمين والخبير فى شئون الإسلام السياسي، محملًا جماعة الإخوان مسئولية ظهور بعض الحركات العنيفة وآخرها "كتائب حلوان" والتى تعد نتيجة طبيعية لحالة الشحن التى قامت بها الجماعة لهؤلاء الشباب ووضعهم فى مواجهة مع الدولة، مؤكدًا فى الوقت ذاته أنها لا تمثل خطورة حقيقية على المجتمع وسهولة مواجهتها. فيما أكد نبيل نعيم، مؤسس تنظيم الجهاد فى مصر سابقًا والخبير فى شئون الحركات الإسلامية، أن خطة الإخوان للعودة تقوم فى جزء منها على استراتيجية تقسيم أدوار بينها وبين أنصارها، حيث سيتم الدفع ببعضهم لدخول الانتخابات القادمة والمشاركة فى الحياة السياسية حتى لا تنعزل منه بشكل كلى ويبقى لها قوة تستطيع السيطرة عليها وتحريكها داخله، متوقعًا أن يتم الدفع بتلك الشخصيات من خلال حزب النور السلفي، فعلى الرغم من خلاف الفترة الماضية سيتغاضى عنه كل طرف لمصلحته، فالإخوان لدخول البرلمان والنور للحصول على أصواتهم والقدرة على الصمود لاسيما بعد أن فقد الكثير من شعبيته فى الشارع. وأضاف الخبير السياسى أن تعاطى بعض أحزاب التحالف (الوسط – الوطن) مع المبادرة التى أطلقها تحالف الإخوان المنشقين أحد أشكال لعبة تقسيم الأدوار خاصة أن الوطن من الأحزاب صنيعة الإخوان حيث منح خيرت الشاطر الأموال لعماد عبد الغفور لتدشين الحزب والانفصال عن النور، على حد قوله. الجماعة تستغل تقرير"بريطانيا" لتحسين صورتها عالميًا بعد التخوفات التى انتابت التنظيم الدولى لجماعة الإخوان عقب إعلان بريطانيا فتح تحقيق فى أنشطة الجماعة بناء على ضغوط خليجية ومصرية، والجهود الكبيرة التى قادوها لمنع صدور أى قرار يدينهم من مؤتمرات حضرها النائب العام البريطانى السابق، وتواصل مع أعضاء بمجلس العموم البريطاني، وحملات إعلامية لتحسين صورتها، صدر التقرير أخيرًا ليبرأ الجماعة من تهمة الإرهاب ويؤكد عدم وجود أدلة تلصق بهم التهمة، وبالرغم من أنه لم يعلن رسميًا واقتصر الأمر على تسريبات إلا أن الجماعة بدأت فى استغلاله لصالحها. علمت "المصريون" أن التنظيم الدولى للجماعة سيعقد عدة مؤتمرات للرد على التقرير البريطانى وتوضيح ما تعرض له من محاولات تشويه قادها النظام المصرى وحلفاؤه، وذلك فى بريطانيا بالتنسيق مع مؤسسة قرطبة، وفى اسطنبول. فيما أكد سامح عيد، أن نتيجة التحقيق البريطانى عن أنشطة جماعة الإخوان المسلمين والذى برأ ساحتها من الإرهاب بناء على تسريبات بعض الصحف كان متوقعًا، فبريطانيا لن تحرق كارت مهم تستخدمه، متوقعًا أن تخرج بريطانيا من المأزق الذى سببه لها ذلك التقرير من خلال عدم إعلان ما جاء فيه صراحة، فستخرج النتيجة مائعة لا تدين ولا تبرأ فى محاولة لإرضاء كافة الأطراف وعدم إلزام نفسها باتخاذ موقف لصالح طرف وعلى حساب آخر، مشيرًا إلى أنها لا تريد أن تدخل فى توترات مع بعض دول الخليج التى ضغطت عليها لبداية ذلك التحقيق من الأساس. آخر مبادرات المصالحة بين الجماعة والدولة على مائدة "السيسى" حصلت "المصريون" على نص تقرير تحالف شباب الإخوان المنشقين الذى قدموه إلى مؤسسة الرئاسة الخميس الماضي، والذى تضمن عددًا من البنود التى يجب أن تلتزم بها الدولة، بالإضافة إلى أخرى تلتزم بها الجماعة لتحقيق مصالحة وطنية، وذلك تحت مسمى مبادرة "وطن وأحد شعب وأحد". وتمثلت البنود التى يجب أن تلتزم بها الدولة فى أن تكون الدعوة للحوار الوطنى تمهيدا للمصالحة الشاملة مقدمة من الدولة رسميًا أى من السيد الرئيس عبد الفتاح السيسى لتيار الإسلام السياسى وليست دعوة من بعض الوسطاء الذى أثبتت التجربة فشلهم جميعًا فى كل المبادرات. وأن تكون الدعوة صريحة وواضحة وموجهة وعلانية لهذا التيار، بحيث تكون الفرصة الأخيرة لهم للمشاركة فى عملية بناء الوطن لا هدمه وعلى أساسها سيتحدد استراتيجية الدولة الجديدة فى التعامل بكل قوة مع هذا التيار وهذا الفصيل، والبعد عن الوسطاء والجلوس مباشرة على مائدة مع قيادات التيار الإسلامى المؤيدين لمرسى مع الإصرار على إعلانهم مشاركتهم فى جلسات الحوار وإثبات حسن النية فى إتمام المصالحة مع الدولة، بالإضافة إلى ما أكدت عليه المبادرات السابقة من الإفراج عن المعتقلين، تطبيق مبادرة الدية الشرعية، وقف الخطاب الإعلامى المحرض ضد التيار الإسلامي.أما الجماعة فعليها أن تلتزم بوقف التظاهرات والتبرأ من العنف، والقبول بالنظام الحالى والاعتراف به. وكان تحالف الإخوان المنشقين، قد قاد الجهود على مدار الفترة الماضية للتواصل مع قوى التيار الإسلامى لعرض مبادرتهم ودعوتهم للدخول فى حوار على أساس تشكيل لجنة حكماء تتولى مسئولية صياغة مبادرة جديدة، وهو ما قبله حزب الوسط وحاول إقناع الوطن به، فيما رفضه باقى التحالف. وقال عمرو عمارة، منسق تحالف المنشقين، ل"المصريون" إنهم تواصلوا مع عمرو دراج تليفونيًا ورفض مبادرتهم، إلا أنهم أصروا على وضع الرئاسة فى المشهد وتسليم تقريرهم لها. فيما أكد خالد الزعفراني، الخبير فى شئون الإسلام السياسي، أن فشل المبادرات المتلاحق لا يعنى قفل باب الحل السياسي، فالقضية أكبر من تلك المبادرات التى يكن الغرض من بعضها مجرد "الشو الإعلامي" والبحث عن دور كما فى مبادرة تحالف المنشقين، أما الحلول التى ستتوصل إليها الدولة والجماعة ستتم برعاية أطراف خارجية على رأسهم الولاياتالمتحدة وتركيا والاتحاد الأوربي، وستكون سرية لصالح الطرفين، ولن يتم لمس نتائجها إلا عبر سنوات.