" أما الفاشية الدينية، فيأبى أصحابها إلا احتكار الدفاع عن غزة ونصرتها إن كان ثمة نصرة من الأصل ونعت كل مخالف ٍفى الرأى أو حتى خصم سياسى بالكفر أو النفاق إذا ما اجتهد لرفع الضيم عن أهله فى غزة، أو حاول وسعه وقف آلة القتل من حصد مزيد من الأرواح " ما بين القوسين ليس من كلامى ، وحتى لا يذهب ذهنك بعيدا عزيزى القارىء فهو ليس من كلام المتصهينيين العرب بل جزء من مقال كتبه المتحدث الرسمى باسم حزب النور أحد الأحزاب " الإسلامية " الداعمة لانقلاب الثالث من يوليو قبل عدة أيام فى جريدة الشروق والفقرة السابقة توضح مأزومية الخطاب السياسى والفكرى بل والأخلاقية لدى بعض فصائل الإسلاميين خاصة تلك التى اقتحمت ساحة العمل السياسى ليس فجأة ولكن بسابق ترتيب عقب الإطاحة بمبارك والتى شكل حضورها المفاجىء علامات استفهام بارزة . المأزومية الفكرية واضحة فى الكلمات التى نحت بها صاحبنا عبارته فقد أبى إلا الاقتباس من القاموس العلمانى المتطرف الذى يصر على تشويه الدين ( والمقصود به الإسلام بطبيعة الحال) فى الوعى الجمعى للأمة وذلك بربطه الدائم بالمصطلحات والعبارات ذات المدلول السيىء مثل الفاشية والديكتاتورية والاستبداد والطغيان ... إلخ . فمن المحال أن يلتقى الإسلام بالفاشية سواء على مستوى التصورات أو التطبيقات ولم نعرف فى خطابات المدارس والجماعات الدعوية والسياسية الإسلامية المعاصرة أى ارتباط بالفاشية ، فلم يبق إلا أن "صاحبنا " رأى أن يسير على نهج " أصدقائه " من العلمانيين باستبدال الفاشية بمصطلح الحركة الإسلامية دعما لهم فى حربهم " المقدسة " ضد الدين وأتباعه . ثم لا أدرى من استقى صاحبنا فرية احتكار الإسلاميين " الفاشيين " للمقاومة والدفاع عن غزة ، فليس من ذنب حماس أنها أحسنت إعداد كتائبها بما يؤهلها لمقاومة المحتل الغاصب ، كما أن التفاف أهل غزة حولها لا يعد جريمة تستدعى " التلسين " والمهاجمة ، والأهم من كل هذا فإن المقاومة الفلسطينية فى غزة ليست على أصحاب الاتجاه الإسلامى من حماس والجهاد الإسلامى وفقط بل هناك اتجاهات أخرى مقاومة مثل كتائب الشهيد أبو على مصطفى وهى ذات اتجاه يسارى بل إن حركة فتح نفسها لها فصيل مقاوم داخل غزة . ثم إنه لم يكن من المتوقع أبداً أن تصل الخصومة السياسية بين حزب النور وجماعة الإخوان إلى هذه الدرجة من اللدد وإنكار حقائق التاريخ التى تفرض نفسها على الجميع إذ كيف يتم الادعاء بأنه ليس هناك ثمت نصرة من الأصل من جانب الإخوان أو غيرهم للقضية الفلسطينية وجهاد الإخوان فى فلسطين منذ عام 48 محفوظ ومعروف ولولا تدخل الجيوش العربية حينها لصالح العصابات الصهيونية لتغير وجه التاريخ والمنطقة بأسرها بعد أن تمكنت كتائب الإخوان من إحراز انتصارات على الجبهات التى قاتلوا عليها . تسلل الخطاب العلمانى إلى بعض فصائل الحركة الإسلامية يعنى أن هناك ثمت أزمة حقيقية فى بنيتها الفكرية ونشأتها الدينية خاصة وأن أدبياتهم قبل الهرولة المفاجئة إلى مستنقع السياسة كانت مشحونة بالحديث عن الولاء والبراء وصوره ومظاهره بصورة مبالغ فيها حتى إذا ما جاء وقت العمل رأينا صدورا حانية تضم إليها من كانوا يحرمون من قبل مجرد إلقاء السلام عليهم ، وفى ذات الوقت سمعنا ألسنة حدادا على المتوافقين معهم عقدياً وأصولياً . حتى فى مأساة غزة لم نسمع صوتاً هادراً مستنكراً للمذابح المروعة ومتضامناً مع الضعفاء المساكين بذات القوة التى رأيناها فى تدعيم الحزب مثلاً لأحد المرشحين الرئاسيين فى انتخابات الرئاسة الأخيرة والتى جاب فيها شيوخ الحزب البلاد طولا وعرضاَ فى مؤتمرات وندوات كما سيروا مئات السيارات وطبعوا آلاف البوسترات والملصقات . ألا تستحق غزة منكم اليوم مؤتمراً واحداً داعماً أو ملصقاً مؤيداً بدلا من الغمز واللمز ورمى الداعمين بالفاشية والتشكيك فى نياتهم وجلد ذواتهم . فانتبهوا أيها المشايخ فهذا وقت الحد الفاصل مابين الإسلام والنفاق فتحسسوا مواقع أقدامكم .