رئيس الوزراء يصدر قرارًا بإسقاط الجنسية المصرية عن 4 أشخاص    تراجع سعر الدولار الأمريكي أمام الجنيه اليوم 16 أكتوبر    وزير المالية يزف أخبارًا سعيدة للمستثمرين لتخفيف الأعباء | فيديو    ارتفاع جماعى لمؤشرات البورصة بمستهل تعاملات جلسة نهاية الأسبوع    وزير الخارجية يلتقى رئيس اتحاد الغرف الصناعية والتجارية الهندية    بفائدة 15%.. مبادرة حكومية لتوفير 90 مليار جنيه تمويلات للصناعة والزراعة    محافظ الجيزة يتابع استعدادات انطلاق المهرجان الدولي الثامن للتمور المصرية بالواحات البحرية    السفيرة «نبيلة مكرم» تتفقد المساعدات الإغاثية لغزة وتشيد بالمؤسسات المشاركة    «الهلال الأحمر المصري»: 400 شاحنة مساعدات تستعد للانطلاق نحو غزة    فنزويلا تدين العمليات السرية الأمريكية: انتهاك للقانون الدولي    بروكسل تستعد لإعادة تفعيل بعثتها المدنية عند معبر رفح    الإدارة الأمريكية: تركيا مستعدة للمشاركة في البحث والإنقاذ بغزة    الاحتلال الإسرائيلى يقتحم عدة مناطق فى بيت لحم    مدرب شباب المغرب يتحدث عن الإنجاز التاريخي بعد التأهل لنهائي المونديال    سعد شلبي: لا ديون على الأهلي ونسعى لفرع جديد.. ونستهدف عقود الرعاة بالدولار    محمد صلاح يغادر الغردقة متجهاً إلى لندن لاستئناف مشوار ليفربول    تحرير 316 محضرًا للمخابز والأسواق خلال حملات تموينية بأسيوط    طقس الإسكندرية اليوم.. انخفاض في درجات الحرارة والعظمى تسجل 27 درجة مئوية    السيطرة على حريق نشب فى بدروم بقنا    سقوط عصابة فرض السيطرة بعد الاعتداء على طفل بحلوان    الجريدة الرسمية تنشر قرار الداخلية برد الجنسية المصرية ل23 شخصا    «ممنوع عنها الزيارة».. عمرو ياسين يكشف تطورات الحالة الصحية لزوجته    «إلهام شاهين عن مهرجان الجونة»: أجمل تجمع فني    مصر والسعودية تبحثان تعزيز التعاون الصحي المشترك وتوطين الصناعات الدوائية    وزارة الصحة تنصح بتلقى لقاح الانفلونزا سنويا لهذا السبب    الصحة: فحص 19.5 مليون مواطن ضمن مبادرة الكشف المبكر عن الأمراض المزمنة    أغذية الشتاء الذهبية.. 10 أطعمة تمنحك الطاقة والمناعة والدفء    اليوم.. محاكمة أوتاكا بتهمة نشر فيديوهات خادشة لطليقته هدير عبد الرازق    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك».. تنظيم قوافل دعوية بالفيوم تناقش «مخاطر التحرش وآثاره»    مصرع 4 وإصابة 3 في حادث تصادم سيارتي نقل جنوب أسوان    «الري»: مشروع مشترك بين مصر والأردن وتونس والمغرب لتحلية المياه لإنتاج الغذاء    انخفاض جديد ل الدولار الأمريكي اليوم الخميس 16-10-2025 أمام بقية العملات الأجنبية عالميًا    حركة القطارات| 45 دقيقة تأخيرًا بين قليوب والزقازيق والمنصورة.. الخميس 16كتوبر 2025    ترامب يعتزم لقاء مودي خلال قمة آسيان    كوريا الجنوبية.. عودة خدمة "يوتيوب" للعمل بشكل طبيعي بعد انقطاع مؤقت    محافظ الغربية ووزير الاوقاف يشهدان احتفالية مولد السيد البدوي    محسن صالح: شخصية الخطيب ستتغير في الولاية المقبلة للأهلي    امتداد لتاريخ من الحضور الوطني تحت القبة.. وجوه سياسية وفنية وإعلامية ضمن المعيّنين ب«الشيوخ»    تجهيزات مسرح النافورة لفعاليات مهرجان «الموسيقى العربية» ال33    دوري المحترفين.. «وي» يواجه الترسانة في الجولة التاسعة    في العمرة.. سهر الصايغ تشارك جمهورها أحدث ظهور لها أمام الكعبة    ترامب: نزع سلاح حركة حماس لا يحتاج إلى الجيش الأمريكي    ننشر أسماء مرشحي انتخابات النواب 2025 بالفيوم بعد غلق باب الترشح    الأخبار السارة تأتي دائمًا من بعيد..    بعض المهام المتأخرة تراكمت عليك.. حظ برج الدلو اليوم 16 أكتوبر    أسعار التذاكر بعد حفل افتتاح المتحف المصري الكبير    أكتوبر.. فصلُ الانتصارات المصرية    .. ورضي الله عن أعمال الصالحين الطيبين لاغير    مشكلة الميراث    أوسكار يجتمع مع حكام تقنية الفيديو بعد عودته من تشيلي    أحمد الجندي: هدفي ذهبية أولمبياد لوس أنجلوس.. وظروف طارئة منعتني من التواجد بقائمة أسامة أبوزيد في نادي الشمس    شوقي غريب يرشح 6 لاعبين من منتخب الشباب ل حسام حسن    بعد استبعادها من القائمة الوطنية.. أمين مستقبل وطن بسوهاج تقدم استقالتها "مستند"    بعد تراجع الدولار.. هل تنخفض أسعار الدواء في مصر؟    غادة عبد الرازق تعود بقوة في رمضان 2026 ب«عاليا»    هل يجوز شراء شقة بنظام التمويل العقاري بقصد الاستثمار؟.. أمين الفتوى يجيب    هل الألعاب الإلكترونية المدرة لأرباح مالية حلال أم حرام؟.. أمين الفتوى يوضح    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 15-10-2025 في محافظة الأقصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اشكالية الجزارة وفقه السياسة عربياً..!! عبد الرحمن عبد الوهاب
نشر في المصريون يوم 07 - 06 - 2011

لقد حذر الكثير من المحللين الغربيين بشار الاسد في بداية الثورة السورية ، ان هذا الزمان ليس زمان ابيك فاحترس ،لأسباب وجيهة ألا وهي ان العالم أكثر قرباً ووضوحاً من امس ، وانه لا يمكن التعتيم على الجرائم بأساليب الماضي في ان تذبح الشعوب خلسة أو بدون محاسبة خلف اسوار سايكس بيكو،كما فعل ابيه في مجزرة "حماه"، وانه لا مناص من محاكمة المجرمين أقلها اصدار مذكرة اعتقال من المحكمة الدولية ، او ان يحاكمهم الشعب بعد الثورة .الا ان بشار لم يعتبر بمبارك أو زين العابدين، كنا نظن ان مسحة العلم التي تلقاها بشار كطبيب ستردعه عن سفك الدماء او قد تحيد به إلى حد ما عن مسلك الجزارة، الا انه كان اعمى البصيرة ، ولم يتعامل بطريقة متحضرة مع شعبه ، قال الامام علي : ما أكثر العبر واقل الاعتبار، كان من المفترض ان يأخذ بشار عبرة من مبارك وزين العابدين و يبصر العواقب ، إلا انه لم يبصر الامور على نحو جيد ، كون أن الاجرام يجري في دماءه كجينات وراثية ، وقد قالت العرب ان العرق نزاع، اي ان ينزع المرء دوماً الى عرقه ، قطعاً سيحاكم على جرائمه ، بقي ان يستوعب الجزارون العرب انه قد انتهت ازمنة الاجرام وان اي اجرام سيواجه بالمحاكمة والقصاص، كجرائم ضد الانسانية ، ناهيك عن ان نقتص من جزاريّ الامس بأثر رجعي ..!!
لم يعتبر عبد الله صالح ايضا ، بنهاية الرئيسين السابقين زين العابدين او مبارك ، وهاهو يمارس الاجرام والمراوغة يومياً ، بالرغم انه يدرك ان الشعب اليمني يملك من السلاح ما يمكن به ان يتحول اليمن الى بحر يطفح بالدماء ،فالشعب اليمني ذكي ويستوعب ما يدور في خلد صالح ،و يدرك كم هو يناور ،فكان الشعب اطول نفساً، واعمق رؤية، ولم يمنحه ما يريد. "اي الالتجاء الى السلاح" ،هاهو القذافي ايضا يمارس الاجرام حتى وصل الى تسميم الابار وقصف المدنيين عشوائيا بصواريخ غراد ، تباً لاجرام الجزارين العرب، حينما تريد ان تخلعهم الشعوب كما تخلع النعال.
******
ما بالنا اليوم على موعد مع فرعون وهامان وقارون وابو لهب.. اجل إنها نسخ كربونية.. وكأننا مع ما وصفه الاوربيون بمصطلح Déjà vuفيلم قديم معاد الاخراج ، او احداث ماضية تعاش لمرة اخرى والتي تعني بالانجليزية already seen،نفس النمطية من التفكير ناهيك عن الجينات الوراثية. او الإرث غير الحضاري للاستبداد. فما زال البعض يحمل الشفرة الجينية لأبي لهب، وما زالت منهجية فرعون يعالج بها فراعنة القرن الواحد و العشرين سياسة الحكم. في تذبيح الذكور واستحياء الاناث ، او اغتصاب الاناث، واسألوا ايمان العبيدي في ليبيا ،وعلى الجهة الأخرى مازالت ضوضاء جيش النمرود يتردد صداها: (حرقوه وانصروا آلهتكم).
وكانت الروعة أن (القرآن الكريم) كتاب المجد.. وما عليك إلا أن تقرأ وتسحب على الواقع.. ذلك لان التاريخ يجري بالسابقين جريه بالآخرين. وما اشبه اليوم بالبارحة، ستجد نمطية التفكير لقارون وفرعون وابو لهب وقوم عاد وثمود ، وكان التساؤل في سورة القمر..( أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر.؟ )بمعنى : هل انتم حال استثنائية من مصارع السابقين؟! الذين أخذهم الله اخذ عزيز مقتدر؟ ان مجد القران دوما يعالج البشرية المتفلته والساقطة والمجرمة على مر العصور.. بمعيارية ادراك نهاية الظالمين الذين مروا على يابسة الكون ..ولا مناص من معيارية التقوى وان الانسان موقوف ومسئول بين يدي الله ، انه القرآن (كتاب المجد) بكل معنى الكلمة من مفردة وظلال ومغازي ومضامين وزخم لمفردة (المجد) قال تعالى (ق والقرآن المجيد)، إنها الروعة الفائقة لكلام الله تعالى.. فقط ايها القاريء الكريم: ماعليك إلا أن تقرأ وتسحب على ارض الواقع.
*****
لقد ذكر المولى تبارك وتعالى في كتابه الكريم.. موضوع فرعون ومعالجته السياسة من خلال الذبح:(إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ) (القصص : 4 ) وقال تعالى : (وَإِذْ نَجَّيْنَاكُم مِّنْ آلِ فِرْعَوْنَ يَسُومُونَكُمْ سُوَءَ الْعَذَابِ يُذَبِّحُونَ أَبْنَاءكُمْ وَيَسْتَحْيُونَ نِسَاءكُمْ وَفِي ذَلِكُم بَلاءٌ مِّن رَّبِّكُمْ عَظِيمٌ) (البقرة : 49 )
وكانت مهمة الأنبياء كموسى وهارون عليهما السلام الوقوف في وجه الجزارين.. ومحمد صلى الله عليه وسلم الوقوف في وجه أبي لهب وأمية ابن خلف فراعنة الأمة.. وكسرى وقيصر عالميا ، في كل بلاد الدنيا يكون الذبح للأنعام ناجم عن الجوع.. وفي بلاد العرب، القتل للمتعة، ان الطغيان يستشعر المتعة والبهجة في لون الدماء وتدفقها..وجدنا الحجاج بن يوسف الثقفي يقول :"ان للشيطان طيفاً وان للسلطان سيفاً" وهو الذي قتل الرجل الصالح سعيد بن جبير ناهيك عن الرعية التي امعن فيها ذبحاً واجراماً.
تعرض الفيلسوف ريمون بولان في جامعة السربون في كتابه" السياسة والأخلاق" وهو موضوع اثير حوله العديد من الجدل وما زالت المعضلة قائمة و لن تنته، اللهم الا اذا عولجت اسلامياً. وكان الغرب وما يزال يعتمد على الإرث الفكري لكتاب الأمير لميكافيللي.. إلى سياق العلاقة بين الحاكم والرعية.. والمنحى الذي يتكيء عليه الحاكم.. انه لا مانع من انتهاج أي وسيلة إلى الغاية سواء أخلاقية أو إجرامية، عادلة كانت ام ظالمة لا مانع من الدخول في حروب غير اخلاقية ليملكوا رقاب الناس وليستعبدوا البشر من دون الله ، ذلك لأنه استبعد عنصر الأخلاق.. أو (التقوى ومخافة الله)..
ليقولا فولتير: تحتاج الحكومات لأن يكون لديها رعاة وجزارين.
Governments need to have both shepherds and butchers. Voltaire
والتقوى مرتكز اسلامي تحديدا ، وقد وضعت التقوى في القرآن ، في مضمار العلو والفساد في الارض ،في سياق النهاية المأساوية لقارون، ان جعل الله العاقبة للمتقين وليست للمجرمين قال تعالى :( تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ) القصص (83)
والحكاية معروفة.. في التراث الإسلامي.. يوم أن دخل علي بن أبي طالب في مبارزة مع عمرو بن عبد ود.. ويومها بصق بن عبد ود في وجه الإمام علي كرم الله وجهه.. فتمهل الإمام ساعتها.. وبعد أن انتهت المبارزة، سألوه لم تمهلت عليه؟!! قال خشيت ان اقتله ثأرا لنفسي وليس لله.. انه يريد أن يخلص النفس من حظوظها.. ويكون كل شيء لله. بالرغم ان الموقف لا يستدعي تمهلاً.. لأن في التمهل قد يكون هلاكه أثناء المبارزة واستباق الضربات..كان باختفاء الخلافة الإسلامية. وتنحية شرع الله ، واتكاء الحكام العرب في أنظمة سايكس بيكو إلى مفهوم التراث الغربي.. ومعالجاته.. التي لا تتواءم مع السياق الإسلامي من قريب أو بعيد.. كانت فيها آليات الحكم العلماني نوع من العلاج المستورد.. وكان علاجاً سياسياً يتلخص في ذبح وجزّر الشعوب لتعود بنا إلى منهجية فرعون.. تذبيح الذكور واستحياء الإناث.كان هناك منطق للعديد من الكتاب والمفكرين ممن يعملون لصالح اميركا واسرائيل من الباطن أن يكون موقفهم.. كما قال نيشته: لدينا نوع من الفن وهو أن نحمي أنفسنا من الحقيقة.."we have an art to save ourselves from the truth."
. الا ان الجريمة التي تحدث في سوريا ، لا يمكن ا التعتيم عليها ، ولا يمكن ان تمر بلا حساب ، وان اتخذت كل الاجراءات والمعالجات بغية الفرار من العقاب ، مفهوم الجزارة سياسيا على الساحة العربية كما قال الشاعر:
تراه ضاحك السن وفي *** أثوابه دماء العباد
وهو عرف مألوف لدى القتلة والمجرمين وجدناه ايضا عند الغرب ،كما قال تشرشل أيضا:" إذا أردت أن تقتل رجلاً فكن على أعلى درجات التهذيب".. ثمة اتفاق بينهماعلى الرؤية فالجاهلية واحدة المغرس.. قالوا في الغرب.. في النظرية لا فرق بين النظرية والتطبيق، أما في التطبيق يوجد الاختلاف..
In theory, there is no difference between theory and practice. But in practice, there is."
Yogi Berra
وتلك من معضلات الغرب الكبرى ،اما في في القوانين التي نزلت من السماء.. وصل المسلمون إلى قمة المجد.. لتتطابق النظرية مع التطبيق ، وسيطروا على الكون في وقت قياسي.. وحققوا العدل بمعايير السماء.. على كافة أرجاء الكون.. كيف والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول : لو ان فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها . (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيّاً أَوْ فَقَيراً فَاللّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيراً) (النساء : 135 ) الا أن أسباب انتكاس الأمة بشكل عام.. هو أن يتخلي المسلمون عن منظومة قوانين السماء ، اي شريعة الله .
صارت السياسة في أزمنة الاستبداد نوعا من الجزارة ومعالجات الذبح. وما على فرعون إلا أن يحول العرش إلى مذبح كبير ويشحذ السكين أوالساطور على نحو جيد.. وثمة طابور طويل من الاطفال والعيون البريئة تقف امام المذبح، وهات يا ذبح. وليمارس الفعل المضارع للاستبداد اعماله الفرعونية ، والأصل في الأمر أن سنن الله لا تحابي ،وان هلاك المجرمين قائم لا محالة ،اجل ثمة علاقة ما بين مهنة الجزارة والسياسة، اعتقد من الماثل للعيان لا يحتاج إلى تأكيد وقد قال الإمام علي:"وضح الصبح لذي عينين" أننا نعاني منذ قرون من تلك المعضلة وهي علاقة رصدها الشاعر نزار: والعالم العربي إما نعجة مذبوحة أو حاكم قصاب.. وكانت الرؤية ثرية على الساحة الغربية حيث قال كوتراد أديناور أول مستشار ألماني، حول الشعوب والطغاة: "إن العجول الغبية من الشعوب هي من تختار جزاريها".
Only the stupidest calves choose their own butcher. Konrad Adenauer
ولقد عالجها اللورد باريون كشاعر حساس وكثائر في نفس الوقت: "إذا كان لدينا طاغية فدعوه على الأقل أن يكون "جنتلمان" رجلاً مهذباً، حسن التربية لكي ينجز عمله، ويضيف ، ودعونا نسقط بالساطور بدلا من سكين الجزار"
If we must have a tyrant, let him at least be a gentleman who has been bred to the business, and let us fall by the axe and not by the butcher's cleaver. Lord Byron
. ولقد وجدت نفس المرئيات لدى ماكسميلان روبسبير: "الجريمة تذبح البراءة لتأمين عرش الحاكم والبراءة تقاوم بكل مالديها ضد محاولات الجريمة".. ولقد قال كوناللي : من المفترض أن يتحول ساديو القمع "رجال الشرطة" الى جزارين اما أولئك ممن يخافون الخوف غير المبرر من الحياة، عليهم أن يكونوا كتابا"
ولذلك نرى أن ثمة عداء قائم ما بين الجزارين من الحكام من جهة والكتاب الثائرين من جهة اخرى.
ولا مانع أبدا.. أن يذبحوا الثوار في الغرف مظلمة..
قال الشاعر العربي :
وكم من دم أعيا الكماة مرامه ***يوم الوغى وأراقه الحجام
مرحبا بكم في زمن ،، الحجامين او بالاحرى الجزارين العرب ،ومهنة الجزارة.. فن وعلم له أصول ،على الساحة السياسية ،وعرفت جيدا انه (علم وفن وأصول).. عندما أهدى لي صديق نصف خروف مذبوح في عيد الاضحى الماضي.. وكان علي أن أقوم ببعض مهام الجزارة مجبراً لا بطل ، فوجت أنني فاشل في هذا المضمار لا استطيع أن أعالج الموقف جزارياً، فيخرج العظم بالرتوش وأجزاء من اللحم بعد عملية(التشفية) بعكس ما تخرج العظام بيضاء ناصعة من تحت يد الجزار او الحاكم العربي.. ولا اعرف..هل نقص خبرة.. أم الأسباب تتعلق بنوعية المعالجة أو الحرفية أوحدة السكين..الجزارة في بلاد اليمن مهنة ليس لها احترامها وأيضا في جنوب الجزيرة العربية.. ولكن لها هيبتها في مصر.. هل هى عملية إسقاط سياسي على الواقع الاجتماعي ؟ وليس كل الجزارين سواء.. ولهذا وجدنا محمد سعد في الفيلم الكوميدي بوحة يقوم بالسلخ قبل الذبح على طريقة الحكام العرب.. فالشاة لا يضيرها السلخ بعد ذبحها ، إلا أن السلخ قبل الذبح يضرها ويضيرها وتكون مأساة للمسلوخ. الجزارة في العالم في العربي.. لها سياقها المتميز.. ونحن.. كما قال الشاعر: ما أسوا أن تركب فرسا في زمن يعشق ذبح الفرسان..قال ديستوفسكي : هناك من قتلوا وذبحوا انبيائهم ، ولكنهم يحبون الشهداء ويقدسون من تعرضوا للتعذيب حتى الموت.
Men do not accept their prophets and slay them, but they love their martyrs and worship those whom they have tortured to death. Fyodor Dostoevsky
وكان لبني اسرائيل تراث دامي في قتل وذبح الأنبياء.. اما العرب فذبحوا أبناء الأنبياء، وما ذبح الامام الحسين كثائر منكم ببعيد. قال الحسين : "من هوان الدنيا على الله ان تهدى رأس يحي بن ذكريا الى بغي من بغايا بني اسرائيل "وكانت مهمة الطغاة هي الذبح.. ذبح الشعوب الذين بمثابة الوليمة الكبرى.. وفي العادة لابد أن يكون هناك مشهيات أولية ومقبلات قبل الوليمة الكبرى.. وهي عادة ما تبدأ بذبح أئمة الثوار وقادة الأحرارعلى ٌُنصب الطغيان بالرغم ان الله تعالى قد حرم (وما ذبح على النصب) المائدة 3 إلا انه لا مانع أن يذبح الطغاة الثوارعلى نصب الصهيونية اليوم.، ولقد أدركها العديد من الشعراء العرب كما قال هاشم الرفاعي:
ولقد علم الدهر أني الغداة **** على مذبح المجد قربانه
ولقد سقناها في مقال سابق أي منذ سنة تقريبا:" أن من يخرج عن طاعة السلطان في بلاد العرب يذبحونه كالبعير وفي بلاد الغرب يذبحونه كالخنزير وما بين البعير والخنزير كان المصير." وإذا تتبعتا تاريخ الشرق الأوسط مع الذبح فسنجده طويل فنحن ذو تاريخ قديم وارث حضاري لا يستهان به.. نظرا لان الاستبداد ضارب الجذور ومتوارث حضاريا منذ فرعون وهامان إلى مبارك وحبيب العادلي ،مرورا بالقذافي وبشار الاسد و انتهاء الى علي عبد الله صالح ..انها قافلة المجرمين عبر التاريخ.
*****
الجزارة على الوضع السياسي، تختلف عن السياق الاجتماعي. سياسياً مرتكزاتها الخيانة وتفتقد إلى الأخلاق.. وإلا لما طالبهم "بايرون" أن يكون لديهم حس من الأخلاق..في انة يذبحونا بالساطور بدلا من السكين ، اي ان عنصر الرحمة والاخلاق مفتقدان الى ما لانهاية ، بل ومن رابع المستحيلات. قال احد السلف اسوأ خصال الحكام، القسوة على الرعية والجبن عن الاعداء ، تراهم اذا تغاضبت اسرائيل لبسوا البامبرز هلعا وخوفا ، اما رعاياهم فكما نرى هذا النوع من الذبح والسلخ وبحور من الدماء، أجل سنجلبهم للعدالة ونطبق حكم الله فيهم ، طال الزمان ام قَصُر ..!!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.