كنت من اشد المعجبين بالكاتب إبراهيم عيسي ورفاقه من كتيبة المعارضين في جريدة الدستور، وأنا أتابعهم وهم يشنون حملاتهم العنيفة ضد استبداد حكم مبارك. وأراه يصول ويجول في الصحافة والفضائيات من قبل أن اكتشف ربما في العامين الأخيرين فقط إنه صاحب علاقة عميقة مع أجهزة المخابرات كما عبر هو نفسه ، وأن مواقفه تلك كانت وقتية، وتغيرت بتغير الظروف. والشهادة المكتوبة تدافع عن الإخوان وسيدات الإخوان بحرارة وتقول بتبرئتهم من تهمة ممارسة العنف أو الإرهاب – بل إنه يتهم أجهزة الأمن بممارسة الإرهاب ضد الجماعة، قبل أن يتم تبادل الأدوار وتصبح الضحية هي الإرهابي وقوات الأمن التي يصف ابن عيسي ضرباتها بالتفاصيل المملة هي المجني عليها وهي الضحية، وقد قدم الكاتب الكبير دفاعه عن الجماعة في كتاب له تحت عنوان (تاريخ المستقبل) – وتحت عنوان الجماعة المسجونة – وابتداء من صفحة 48 في الكتاب - وأنا أنقل هنا حرفيًا ما كتبه وهو يقول: لقد جربت الدولة جماعة الإخوان، فبينما تضرب أجهزة الأمن في منطقة حساسة داخل الجسد الإخواني، فتجد صمتًا وتراجعًا، فإنها تقترب أكثر وتلكم أقوى وتختار منطقة أكثر حساسية وأعلى ألمًا فتضرب، فإذا الجماعة ترجع وتتراجع، فتغري بمزيد من الضغط والحصار والضربات ويبدو أنها صارت كأكياس الملاكمة بالنسبة للأجهزة الأمنية تتدرب عليها وفيها على فنون الإيذاء، بينما الجماعة مستسلمة ورخوة الاستجابة!!! ما الذي يدفع البعض (بعض الناس) إلى أن يراهنوا على قدرة جماعة الإخوان على تشكيل قوة ضغط ودفع للنظام بالمشاركة مع قوى وطنية وتيارات سياسية أخرى نحو تنفيذ إصلاحات وتعديل قوانين وتعديل دستور والسماح بحرية انتخابات نزيهة وتداول سلطة حقيقي؟؟ وما زلنا مع الدفاع الحار لابن عيسى عن الجماعة واتهاماته لأجهزة الأمن بممارسة الإرهاب، والاعتداء على سيدات وبنات شريفات عظيمات.. هكذا على حد تعبيره ... ويمضي قائلًا: الأمن يعتدي على الإخوان وسيدات الإخوان!! لا شيء يمكن أن يجعل الجمهور العاقل يتصور أن تيارا كالإخوان يضرب الأمن نوابه في البرلمان علنًا وأمام ناخبيهم في إهانات موجعة فيصمت التيار وتنحني الجماعة للإهانة وتفوت بلا مغاضبة ولا حتى معاتبة ولا رد اعتبار – ثم تتلقى سيدات وبنات شريفات عظيمات من عائلات الإخوان اعتداءات سفيهة وخسيسة من أفراد أجهزة أمنية أثناء محاكمات الإخوان ولا يصرخن "وامعتصماه" ولا تنجدهن نخوة جماعة ولا فروسية تيار ولا تنتفض عروق كبرياء يتحدى الإهانة ولا يردون عن الزوجات والأمهات الصفعة والركلة واللكمة بل كاظمين للغيظ يحسبونه إيمانا، ثم إذا هم يتعرضون للعصف الأمني الأسبوعي وشبه اليومي فيما يشبه الخطف البوليسي لكوادرهم فإذا بالصمت ردًا والسكوت جوابًا، والصبر احتسابًا وكأنهم فجأة تبنوا نظرية المهاتما غاندي فيتصاعد العصف إلى عاصفة أمنية تأخذ عدد من كبار قياداتهم وأعضاء في أعلى قيادة للإخوان ويتم الزج بهم في قضايا وتهم وسجن وسجون فيكون الرد الوحيد الذي يملكه الإخوان (وهو ما لا يملكون غيره) هو مزيدًا من الصبر مما يعطي للمراقب إحساسا بأن هذه هو هدفهم أن يكون ضحية. الإخوان أدرى بشئون دنياهم ولسنا في موضع إملاء مواقف عليهم ولا انتظار ردود أفعال مألوفة منهم فهم أحرار، وهي جماعة مغلقة على نفسها ولا تسمع إلا لصوتها وهي معجبة كذلك بقدرتها على الحياة أكثر من 80 عاما رغم العداء الحكومي الصارخ لها، ولكن يبقى السؤال: ماذا فعلت ليس مهمًا بقدر كيف عاشت؟
الجماعة تحب الوطن!! والمشكلة أن جماعة الإخوان المسلمين مشكلة لنفسها وللنظام وللمعارضة في الوقت ذاته. فهي جماعة قوية ذات أنصار وكوادر وقيادات ومتعاطفين معها ولكنهم كهؤلاء الذين يكنزون الذهب والفضة لا يفعلون بها شيئا ويدفنونها في جب أو سرداب لا عمّروا بها الأرض ولا زرعوا بها الجدب، ثم هي جماعة يتصارع فيها حب البقاء مع حب الوطن ولا ينتهي الصراع أبدًا فالجماعة تظل باقية (ضعيفة ومسلولة ومشلولة وخائفة على نفسها) ويبقى الوطن في حاجة لمن يحبه أكثر ممن يحب البقاء فيه! النظام لا يخشى إلا الإخوان؟؟ هذه مشكلة عند الجماعة وللجماعة، لكنها مشكلة عميقة كذلك للنظام، فالنظام لا يخشى في الشارع السياسي أحدًا ولا شيئًا إلا الإخوان المسلمون، وأستطيع أن أكرر باطمئنان شديد أن نظام مبارك يكره الإخوان كراهية مطلقة وكاملة وغير محدودة. النظام متحرش والإخوان مغتصبون!! وكما هو حريص على تكسير عظام الإخوان فهو أكثر حرصًا على الإبقاء عليها والاستفادة من وجودها كفزاعة للغرب لتخويفهم من وصول تيار إسلامي للحكم، وكذلك فزاعة للأقباط لابتزازهم والحصول على مساندة قبطية في الداخل والخارج مبنية على الذعر من الإخواني المغتصب فاللجوء لأحضان النظام المتحرش، ثم هي وسيلة لضرب المربوط فيخاف السائب من الأحزاب والسائبون من المثقفين والنخبة الذين يرتعدون من المواجهة ويمثل لهم مصير الحبس والاعتقال رأس الذئب الطائر كما يبقى الإخوان في خزانة مدخرات النظام للجوء إليهم في التعبئة ضد الغرب وأمريكا متى لزم الأمر والاستخدام المنضبط لهم في الديكور الديمقراطي. ثم يمضي ابن عيسى في دفاعه المستميت عن الإخوان، وهجومه العنيف على أجهزة الأمن فيقول في فقرة أخرى: وماذا يفعل الأمن الآن بعد أن ذاق لحم الإخوان ولم يجده مرًا كما توهم؟ فها هو ينشب نابه ويغرس أظلافه أعمق، ولعل القبض على قيادي مرموق واسم كبير ومحترم ونجم جماهيري بحجم الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح لينضم إلى إخوانه من أعضاء مكتب الإرشاد المقبوض عليهم يدلنا على أهداف تنمو وترتفع طموحاتها مع هذا الصمت الإخواني المريب والمعيب وتتركز هذه الأهداف في: 1- إنهاء الهيبة .. فيفقد الإخوان لدى جماعتهم ولدى كوادرهم وأنصارهم هيبة القوة والمكانة والقدرة على مواجهة النظام. 2- ضرب الرهبة .. فما كان يعتبره الإخوان من محرمات اللعبة الأمنية وهي عدم الاقتراب أو المساس بالقيادات العليا والأسماء الكبيرة، ويظل الأمر مقصورًا على الشباب، فها هو الأمن يضرب العصب ويخرق الرهبة وهو ما يسمح بالتوقع المنطقي أن يزور مرشد الإخوان نفسه السجن في أي وقت. 3- سحب جماهيرية الإخوان القائمة على أنها الفصيل الوحيد المعارض والقادر على مواجهة النظام وتحويل هذه الجماهيرية من تعاطف إلى عطف وشفقة على جماعة تفقد كبرياءها السياسي كل يوم. 4- تراجع الإخوان وتقوقعهم إلى المربع صفر – حيث تعرف الأجهزة الأمنية الطبيعة الإخوانية التي تهبط إلى أسفل عند الشعور بالخطر..... ثم يقول تحت عنوان فرعي: ماذا تريد الدولة من الإخوان المسلمين من الآن وطالع؟؟ تريد منهم أن يصبحوا حزب التجمع، أن يكونوا تحت السيطرة أن يقولوا كلامًا معارضًا مثل غزل البنات .. تريد منهم أن يلعبوا دور المعارضة على ألا يأخذهم الدور ويندمجوا فيه "قوي" – وأن يقوموا بالتنسيق مع أمن الدولة: من الذي سينجح منهم في الانتخابات؟ ومن سيسقط؟ بل ومن سيتم القبض عليه؟ ومن سيتم الإفراج عنه؟ وأن يلتزم الإخوان بعدم اللعب خارج النجيل الأخضر ويكتفوا بأقل مما يتوقعون ثم يدعمون الدولة بفتاوى وبيانات ضد الإرهاب ويتفقون معها على كيفية التعامل مع السعودية وحماس، ثم أن يبتعد الإخوان عن أمريكا تمامًا، وإذا أرادوا مقابلة أوروبيين أو ممثلين عن دول أوروبية ماشي .. لكن أمريكان لا، وكذلك أن يلعب الإخوان مع إدارة الشئون العربية في أمن الدولة بالهجوم على الشيعة وإيران. رأي إبراهيم عيسى في قيادات الإخوان: وبعد المزيد من التحليل والتبرير – يفاجئنا ابن عيسي بخلاصة حديثه حين يقول: "المحصلة أن الجماعة تديرها عقول مخلصة وأمينة ونبيلة ولكنها عقول قديمة تربت تحت ظلال السجون والمعتقلات الطويلة فتتعامل مع البلد كأنه سجن، وكأنهم نزلاؤه!!!" ثم يقول في نهاية الفصل: ومن المؤكد أن الإخوان لا يسعون لحرية الوطن ولا الهروب من السجن، بل يعتبرونها فترة ابتلاء واختبار وفرصة للتقرب من الله عز وجل، وهذا يفسر لنا السلام الروحي الباهي في تلقيهم أحكام السجن وقرارات الاعتقال. ومرة أخرى ليست لدي اقتراحات للإخوان وليس هذا من شأني، لكن الأزمة الحقيقية هنا أنه لا يمكن أن تتحرك أي قوى وطنية في مصر نحو النضال من أجل التغيير دون وجود ومشاركة الإخوان، ولا يمكن أن يتحرك الإخوان وحدهم دون مشاركة بقية التيارات والقوى، ومن ثم فالمعارضة لا تبرح مكانها، وهو ما يجعل الحكم لا يبرح مكانه أيضًا!! أما شهادة وحديث ابن عيسي عن بلطجية الأمن والمسجلين خطر الذين يستعين بهم الأمن للإعتداء على المتظاهرين والتحرش بالمتظاهرات والضرب على الأقباط والاعتداء على الكنائس، فحديث آخر يطيب لنا أن نوجزه في مقالة أخرى.