البعض ينتقد ثورة 25 يناير لأنها تريد محاكمة سريعة وشفافة للرئيس المخلوع وأسرته. هذا البعض يبرر موقفه بأن مصر الجديدة يجب أن تنظر للأمام وليس للخلف – باعتبار أن مبارك هو الخلف – فاستغراق الوقت في المحاكمة ومحاولة استرداد الأموال المنهوبة، يعطل عجلة الاقتصاد، ويجعل الدولة مشغولة بتصفية حساباتها، فيما الاحتياطي النقدي يتراجع، والمصانع تغلق أبوابها، ونصف مليون بلطجي - كما أحصاهم وزير العدل - يحكمون قبضتهم على الأمن، مقابل 5 آلاف جنيه للبلطجي تدفعها جهات مجهولة. إنها حجة الذين يطلبون "العفو" عن مبارك وأسرته، والواقع أن هناك مخططا مستمرا لتعطيل محاكمتهم ويطلق تسريبات لاختبار رد فعل الرأي العام، كما حدث عندما نشرت صحيفة "الشروق" أن هناك إتجاها للعفو عنهم مقابل التنازل عن بعض أموالهم. المخطط يرعاه ويشرف عليه طبيا فريق الطب الشرعي أو الجنائي، بداية من المخلوع الدكتور أحمد السباعي ومرورا بقياداته الجديدة الآن. فساد زرعه نظام مبارك في تلك الهيئة، وها هو يجنيه مساندة له ودعما لتمارضه واستمرار بقائه في مستشفى يكلف الدولة كل يوم الكثير. تحدثت صحيفة لوس أنجلوس تايمز الأمريكية أمس عن اطالة الوقت وتبطيء المحاكمات، ليس لعائلة مبارك فقط، بل ولرموز حكمه التي كاد يخرج منها الرمز النافذ والمؤثر وراسم سياسات المرحلة الماضية زكريا عزمي، عندما حكم بالافراج عنه قبل أن يعاد إلى محبسه ويحكم عليه بالسجن 30 يوما على ذمة التحقيق. محاكمة مبارك وأسرته بشفافية وعدالة دون تمييز يعني أن الدولة جادة في محاربة الفساد والمفسدين وأي قرارات غير ذلك لا تعني أكثر من أننا نراوح مكاننا ولن نتغير، وعلي مثل الحاج علي! معظم الناس – وأنا منهم – يظن أن حسني مبارك يتمارض وأن أطباءه وبينهم فريق الطب الشرعي يضحكون علينا وينوموننا بفواصل من التسلية، تارة بأنه متكئب، وأخرى بأنه يحتاج لطبيب نفسي، وثالثة بأن قلبه يدق بسرعة أو ببطء ومعرض للموت في حال نقله لمستشفى طرة الذي تنقصه الامكانيات. لو أن أحدا غير مبارك، المتهم بقتل المتظاهرين والفساد السياسي وليس المالي فقط، هل كان سيبقى طيلة هذا الوقت في فندقه أو مستشفاه الأنيق وجناحه ذي العشر نجوم بحرسه الرئاسي الذي يسد عين الشمس؟! ماذا يخيف الدولة من محاكمة مبارك؟!.. من الذي يضغط عليهم ليضحكوا على الشعب؟! ألم تلاحظوا أنه كلما زادت نغمة المحاكمة واقترب الحديث من موضوع نقله إلى سجن طرة، يتم تدبير جريمة مروعة لالهاء الناس، كما حدث مع كنيسة إمبابة والفتنة الطائفية التي كادت تندلع وأنست الناس مبارك وسنينه نحو أسبوعين! أتوقع جريمة أخرى إذا ما قرر الفريق الذي أرسله النائب العام، امكانية نقل مبارك إلى مستشفى طرة، مع أن وزير الداخلية منصور العيسوي لم ولن يقبل تحريك مبارك خطوة واحدة من جناحه الرئاسي في المستشفى الأنيق! لتكن النيابة العامة قوية وشجاعة وتطبق القانون على الجميع. مبارك ليس سارقا لأموال الناس فقط، بل كان على رأس السلطة عندما قتل وزير داخليته المتظاهرين العزل المسالمين. مبارك أفسد الحياة السياسية طوال 30 عاما. أشاع الرشوة والمحسوبية وزور الانتخابات واستهان بالأمانة التي سلمها له الشعب فمنحها لابنه "مبايعة من الباطن" يفعل بها ما يريد.. فهل تريدون الشعب أن يقول له "عفا الله عما سلف"؟!