كنت في الجامعة، ثم عدت إلى منزلي عصرا بعد يوم صائف شاق عام 2000م، وسارعت إلى التلفاز كعادتي متابعا جديد الأخبار، وإذ بالقنوات جميعهن -على غير العادة- تزدان بالترتيل والتجويد لآيات الله، وكان هذا الأمر آنذاك من العجب بمكان، فلم تك ثم رحمة ولا حكمة ولا حافظ ولا فجر ولا مجد ولا ,,,,، ولم نكن وقتها في يوم جمعة ولا في حفل ليلة القدر أو استطلاع الرؤية. حقيقة تعجبت لوجبة الترتيل الدسمة، فجعلت أتنقل بين القنوات فوجدت جنازة عسكرية مهيبة وحولها ما حولها من عسكر وساسة وحملة مباخر ولاعقي نعال. هذا ما رأيت، وأعجب منه ما سمعت، فالمعلق على الجنازة سمعته يقول: (والسلام عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يبعث حيا) فوضعت يدي على رأسي مندهشا وقلت: (ذلك عيسى بن مريم)، فبادرني الأبعد قائلا: ذلك حافظ الأسد!!!. ثم جعل يقص السيرة العطرة والمناقب الحسنى، فقال: السلام عليك يا محرر سوريا، يا محرر الجولان، يا زعيم الوحدة العربية وأمين القومية العربية (هكذا!!)، يا أبا بشار (وهذه أهم الإنجازات)، واللي خلف ما مات. لم يكن عجبي من استخدام آيات الله تعالى في غير موضعها ولي اللسان بها بلا خجل أو حياء، فهذا ليس جديدا على أسماعنا من لدن الملك فاروق إلى يومنا هذا، فقد مدح أحد القراء الملك قائلا: ما عبس ولا تولى لما جاءه الأعمى عندما جاءه طه حسين، كأنه يعرض بخير الخلق صلى الله عليه وسلم لما جاءه ابن أم مكتوم رضي الله عنه فعبس فعاتبه ربه، وقرأ آخر لعبد الناصر: (ولكم فيها جمال)، وجعل يردد ناسيا -هو وناصر- أن الآية تعني الأنعام ولا تعني الزعيم الخالد الملهم، وقرأ ثالث لمبارك: (مبارك فاتبعوه) كأنه يتخذ منها شاهدا على الخضوع والخنوع لذلك المخلوع، وخلا – ولله الحمد- عصر السادات من تلك القراءات، فلو فتشنا في كتاب الله تعالى ما وجدنا ما يناسب اسمه رحمه الله، إلا قوله تعالى: (وقالوا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيل) وهذه لا تناسب سياق التملق والتزلف!!. العجب في خطاب صاحب التأبين الجنائزي للأسد الأب هو الكذب الصراح في قوله: يا محرر الجولان. ولم يزل ابنه فشار يواصل نفس الكذب والفشر إلى يومنا هذا. واللي خلف ما مات. لم تدخل قوات الأسد أبا وابنا الجولان، ولن يحدث هذا، بل يستحيل دخولها؛ فالنظام السوري اكتفى بنشر قوات تابعة لمجلس الأمن الدولي، يجدد لها آلياً كل ستة شهور منذ فك الاشتباك عام 1974م على يد "هنري كيسنجر"، وكلما وجه اليهود اختراقا للنظام السوري قابلهم الأخير بصوت ناعم لين مفاده أنه يحتفظ بحق الرد، للجولان رب يحميها، وعلى الشعب السوري أن يصبر لعلها تعود يوما على يد أحد أحفاد الأسد أولياء العهود في الجملوكية السورية أسدستان، واللي خلف ما مات. وانشغلت قوات حافظ الأسد بقتل المواطنين العزل والأبرياء، وإبادة أسر بكاملها في حماة (شباط/ فبراير 1982م) لم تفرق كتائب رفعت الأسد بين طفل رضيع أو امرأة أو رجل مسن. كانت تقتل بتشفي تقطع الأيدي والأرجل وتترك الأجساد تنزف حتى الموت، وتداهم البيوت فتسرق الحلي والأمتعة، وتهدم بيوتا أخرى على رؤوس من فيها، وتجمع الأهالي في البيوت والمصانع والحوانيت بل والمساجد ثم تضرم فيهم النيران أحياء، ويتوسل أحد الآباء وكان يحمل طفلا رضيعاً عمره 14 شهراً قائلاً: من أجل هذا الرضيع اتركونا، ظناً منه أنه سيثير عاطفتهم الإنسانية بهذا، فيجيئه الجواب، طلقات تخترق جسد الرضيع، لتصل إلى الأب. تقتل الأسر في فرش النوم وتبث الرعب في قلوب الأطفال، وتفني من الجنس البشري كل من تربطه وميض صلة بالمعارضة، يطلبون من أهالي حماة النزول أحياء في الخنادق ثم يرشونهم بالرصاص فيتساقطون ثم تهيل عليهم الجرافات التراب وبعضهم مازال حياً يتنفس!! وما أشبه اليوم بالبارحة!! حيث تسلم ماهر الأسد شقيق بشار سرايا الدفاع، وداهم درعا وحمص وبانياس وغيرها، كما داهم عمه رفعت الأسد حماة من قبل وقتل نحو من (30000) إنسان، ولأن أوردغان رئيس الوزراء التركي قاريء جيد للتاريخ فبمجرد دخول قوات الأسد درعا خرج محذرا العالم من حماة جديدة، وليس هذه على بشار ببعيدة!! ومن شابه أباه فقد ظلما. نسأل الله أن يرحم شهداء سوريا، وينصر أهلها الأحرار، واللي خلف ما مات.