«المحامين» تبدأ إضرابًا بسبب الرسوم القضائية.. ورئيس الاستئناف الأسبق يرد| خاص    تعليم أسيوط: الإلتزام بالجدول الزمني للإنتهاء من المواد المقررة    مصر أكتوبر: نثمن تحرك الحكومة لمعالجة الإيجار القديم    محافظ دمياط: دعم وتمكين الحرفيين ومتابعة وصول منتجاتهم للأسواق العالمية    تعاون علمي وبحثي بين معهد بحوث البترول وجامعة مرباح الجزائرية    منصة "إكس" تحجب حساب عمدة إسطنبول المسجون في تركيا    لا نعلم مصير 3 منهم.. إسرائيل تكشف مستجدات وضع الأسرى في غزة    سفير أوكرانيا: انتهاء الحرب العالمية لحظة فاصلة في التاريخ الإنساني    نجم برشلونة قبل الكلاسيكو: يجب أن تسير الأمور كما نريد    وزير الرياضة يفتتح منشآت جديدة بمركز شباب مدينة ناصر ببني سويف    انهار على 30 سيارة.. الدفع بمعدات ثقيلة لرفع سقف موقف قوص بقنا    الحبس للمتهمين بالتعدي على والد طالب في السلام    ضوابط امتحانات المصريين بالخارج للفصل الدراسي الثاني 2025    غموض حول اختفاء فتاة ببنها.. والأسرة تناشد الأمن مساعدتها في العودة    الفنان محمد عبد السيد يعلن وفاة والده    بعد 18 يوم من وفاته.. تشييع جثمان صبحي عطري غدًا ب دبي    طارق الشناوي: "بوسي شلبي كانت دوما بجوار محمود عبدالعزيز باعتبارها زوجته.. وهذه شهادة حق"    بيتر ميمي يروج ل"المشروع X" ويعلق: "مختلف جدًا"    «اللي في قلبهم على لسانهم».. 5 أبراج لا تعرف المجاملة    في 11 ثانية.. فقط من يتمتع برؤية حادة يعثر على القلم المخفي    "10 دقائق من الصمت الواعي".. نصائح عمرو الورداني لاستعادة الاتزان الروحي والتخلص من العصبية    المنظومة الصحية في الغربية.. نقلة نوعية لخدمة المريض    هل التوتر يسبب أمراض رئوية مزمنة؟    تصاعد دخان أسود من الفاتيكان في اليوم الثاني لمجمع الكرادلة المغلق |فيديو    بغرض السرقة.. الإعدام شنقًا للمتهمين بقتل شاب في قنا    انخفاض عمليات البحث على "جوجل" عبر متصفح سفارى لأول مرة لهذا السبب    الهلال السعودي يرصد 160 مليون يورو لضم ثنائي ليفربول    عضو بالنواب: مصر تتحرك بثبات ومسؤولية لرفع المعاناة عن الفلسطينيين    رئيس الوزراء يتفقد مركز سيطرة الشبكة الوطنية للطوارئ والسلامة العامة بالغربية    البورصة: تراجع رصيد شهادات الإيداع لمدينة مصر للإسكان إلى 541 مليون شهادة    كرة يد - الاتحاد يكرم باستور علي هامش مواجهة مصر الودية ضد البرازيل    شيكابالا يواصل الغياب عن الزمالك أمام سيراميكا مع أيمن الرمادى    محافظ الفيوم يتابع أنشطة فرع الثقافة في أبريل    عضو مجلس المحامين بجنوب الجيزة يثبت الإضراب أمام محكمة أكتوبر (صور)    محافظ مطروح يتفقد تصميمات الرامبات لتيسير التعامل مع طلبات ذوي الهمم    مطار مرسى مطروح الدولي يستقبل أولى رحلات الشارتر من التشيك    نائب وزير الصحة يتفقد وحدتي الأعقاب الديسة ومنشأة الخزان الصحية بأسوان    أطعمة فائقة التصنيع مرتبطة بزيادة الإصابة بباركنسون    جامعة العريش تتألق في قمية الكشافة البحرية للجامعات بشمال سيناء ورئيس الجامعة يكرم الطلاب المشاركين    خالد بيبو: كولر ظلم لاعبين في الأهلي وكان يحلم بالمونديال    وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يلتقى محافظ طوكيو لبحث التعاون فى مجالات بناء القدرات الرقمية ودعم ريادة الأعمال    الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة يشهد توقيع اتفاقية للتعاون التقني بين مجموعة السويدي ومركز (سيرسي) الإسباني لأبحاث موارد الطاقة    مراكب وورد ومسيرات طلابية في احتفالات العيد القومي لمحافظة دمياط    اختناق 4 أشخاص في حريق بمكبس كراتين خردة بسوهاج    ربة منزل تنهي حياتها شنقا نتيجة مرورها بحالة نفسية سيئة في سوهاج    وزير الصحة يستقبل نقيب التمريض لبحث تطوير التدريب المهني وتعميم الأدلة الاسترشادية    الأهلي ضد الاتحاد السكندري.. الموعد والقناة الناقلة لقمة السلة    ميدو يفجّرها: شخص داخل الزمالك يحارب لجنة الخطيط.. وإمام عاشور الأهم وصفقة زيزو للأهلي لم تكن مفاجأة    جامعة عين شمس تضع 10 إجراءات لضمان سير امتحانات الفصل الدراسي الثاني بنجاح    أمين الفتوى يكشف عن 3 حالات لا يجوز فيها الزواج: ظلم وحرام شرعًا    الإسماعيلي ضد إنبي.. الدراويش على حافة الهاوية بعد السقوط في مراكز الهبوط    موعد إجازة المولد النبوي الشريف لعام 2025 في مصر    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 8-5-2025 في محافظة قنا    شي وبوتين يعقدان محادثات في موسكو بشأن خط أنابيب الغاز والحرب في أوكرانيا    سعر جرام الذهب اليوم فى مصر الخميس 8 مايو 2025.. تراجع عيار 21    الجيش الباكستاني يعلن إسقاط 12 طائرة تجسس هندية    تعرف على ملخص احداث مسلسل «آسر» الحلقة 28    سبب إلزام النساء بارتداء الحجاب دون الرجال.. أمين الفتوى يوضح    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



( ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا )
نشر في المصريون يوم 23 - 05 - 2014

هذه هي الأية 124 من سورة طه، يقول الإمام ابن كثير في تفسيره: " "من أَعرَض عن ذكري" أَي خالف أَمري وما أَنزَلته على رسولي أَعرَض عنه وتناساه وأَخذ من غيره هداه فإِنَّ له معيشة ضَنْكًا أَي ضنك في الدنيا فلا طمأنينة له ولا انشراح لصدرهِ بل صدره ضيِق حرج لضلاله وإِن تنعم ظاهره ولبس ما شاء
وأكل ما شاء وسكن حيث شاء فإنَ قلبه ما لم يخلص إِلى اليقين والهدى فهو في قلق وحيرة وشك فلا يزال في ريبة يتردد فهذا من ضنك المعيشة ".
وهذه الآية تخبرنا عن قانون قرآني لواقع البشرية طيلة عصورها، وهي تعد من الآيات القرآنية التي تشكل أحدى مفاتيح الرؤية القرآنية لتاريخ البشرية الصحيح، وهو تاريخ للأسف لا يزال مغيب عن مناهج التعليم والإعلام في ديار المسلمين فضلاً عن غيرهم.
الرؤية القرآنية لتاريخ البشرية تقوم على أن الإنسان مخلوق مكرم من قبل الله الخالق المدبر لهذا الوجود "ولقد كرمنا بنى آدم على وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا" (الإسراء، 70)"، ومن تكريم الله له أنه خلقه بيديه سبحانه وتعالي "قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي" (ص، 75)، وأنه سبحانه عز وجل أسكنه في الجنة " وقلنا يا آدم اسكن أنت وزوجك الجنة وكلا منها رغداً حيثما شئتما" (البقرة، 35)، ثم لما استجاب آدم لغواية الشيطان وأهبط إلى الأرض " فوسوس إليه الشيطان قال يا آدم هل أدلك على شجرة الخلد وملك لا يبلى * فأكلا منها فبدت لهما سوآتهما وطفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة وعصى آدم ربه فغوى* ثم اجتباه ربه فتاب عليه وهدى* قال اهبطا منها جميعا بعضكم لبعض عدو فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى " (طه، 120-123).
ومن هنا بدأت المسيرة البشرية على الأرض في ظل الكلمات الإلهية، وأصبح قانونها " ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا " (طه، 124)، فكلما استقام البشر على ذكر الله عز وجل بالإيمان به واتباع أحكامه وشرائعه والتخلق بالخلق الحسن كلما حسنت معيشتهم، وكلما أعرضوا ضنكت معيشتهم وضاقت.
ولذلك إن ما نعرفه عن بؤس بعض الحضارات القديمة إنما هو بسبب بعدهم عن ذكر الله ودينه وتوحيده والإيمان به، ومن هنا نجد التناقض الرهيب في واقع الحضارات القديمة، فهي طوراً تكون متقدمة وقوية وغنية وتمتلك معارف وعلوم، ويظهر هذا في بقايا حضاراتهم من مبانى وأدوات وتراث، وطورا تراهم متخلفون ضعفاء فقراء، يتسلط عليهم السحرة والمشعوذون والشياطين، تنتشر بينهم الخرافات ويعيشون عرياً كالبهائم.
وهذا التبدل في أحوالهم ما بين السعد والضنك هو بسبب علاقتهم بالله عز وجل والإيمان به قوة وضعفاً، فالرؤية القرآنية تخبرنا أن هداية الوحي الإلهي لم تنقطع عن الأرض والبشر بل هي متعاقبة فيهم ومستمرة "وإن من أمة إلا خلا فيها نذير" (فاطر، 24)، ويخبرنا القرآن الكريم أن أي أمة أطاعت نذيرها ورسولها ونبيها إلا سعدت ونجت، ومن أمثلة ذلك نجاة المؤمنون مع نوح من الغرق في الطوفان، ونجاة بنى إسرائيل مع موسي وغرق فرعون، وأغنى دولة في تاريخ البشرية هي دولة نبي الله سليمان، ثم كيف تبدلت أحوال البشرية بالتزام شريعة الله عز وجل وأحكام القرآن وسنة النبي صلى الله عليه وسلم، وكيف أن هذه السعادة عمت كل البشرية، حيث نشروا الإيمان والعدل والرحمة والعلم، فظهرت الحضارة الإسلامية المشرقة طيلة 1400 عام، والتي يحاول اليوم أعداء الإسلام طمس نورها والتغطية على فضائلها، والأمثلة كثيرة على سعادة المؤمنين عبر التاريخ وبؤس الكفار والمعرضين عن ذكر الله وتوحيده.
وفي واقعنا اليوم لا تزال الأمة الإسلامية برغم التقصير بواجبهم نحو الله عز وجل إلا أنهم أسعد حالاً من غيرهم من الأمم، وقد يستغرب البعض هذا القوم خاصة إذا كان لا يزن الأمور ألا بموازين مادية محضة بسبب هيمنة الرؤية المادية النفعية على ثقافة العولمة.
إلا أن تأملاً بسيطاً في واقع البشرية اليوم يكشف لنا عن مدى الضنك الذي يعيشه أهل المادية والغني واليسار، فبرغم الوضع الإقتصادي المرتفع في أمريكا وأوروربا واليابان وما شابهها من الدول، وبرغم الحياة الإجتماعية المتفلتة من ضوابط الأديان والخلاق بسبب الأيدولوجيا العلمانية، وبرغم توفر وسائل الحياة والترفيه، إلا أنهم يعانون ضنكاً في حياتهم ومعيشتهم أكثر من المسلمين، ولذلك ترتفع بينهم حالات الإنتحار، وترتفع بينهم الأمراض النفسية، وترتفع بينهم حالات الإغتراب والوحدة، ويفتقدون لروح الأسرة وعلاقات الصداقة الصادقة، ولذلك تكثر فيهم دور العجزة والمسنين، وتجد أن حوادث القتل لأسباب تافهة لا حصر لها.
وفي نفس الوقت تجد أن اعراضهم عن ذكر الله عز وجل والتقيد بأحكامه وشريعته، تقلب متعتهم إلى جحيم، وفرحتهم إلى قلق، وسعادتهم إلى كآبة، فحياة الشباب والشابات المنفلتة تنتهى بإدمان التدخين والخمر والمخدرات، وبحسب منظمة الصحة العالمية يقتل التدخين كل عام نحو 6 ملايين شخص، أما الخمر فلا يقل عدد ضحاياه سنوياً عن 11 مليون شخص بشكل غير مباشر، أما مباشرة فيقتل الخمر نحو 2.5 مليون مدمن للخمر، أما ضحايا المخدرات فهم 27 مليون مدمن يقتل منهم حوالى 200 ألف سنويا.
ومعلوم أن التدخين والخمر والمخدرات يعيش صاحبها هما وغماً في توفيرها وتمويلها وتحمل تبعاتها المالية والصحية والإجتماعية والقانونية، مما يحولها حقيقة إلى ضنك دائم باسم المتعة والسعادة ! ومثل هذا ضحايا الأمراض الجنسية كالإيدز وغيره لمن يجترحون جريمة الزنا والشذوذ، أو ما يتسبب به العري من الإصابة بمرض سرطان الجلد، وبسبب هذا كله أصبح سكان الغرب يتناقصون مما جعل بعضهم يصرخ محذرا من (موت الغرب)، وهكذا فكلما اعرضوا عن ذكر الله جائهم الضنك من داخل إعراضهم.
وبسبب الإعراض عن ذكر الله نجد أن الإقتصاد الربوي أصبح يشكل خطراً على هذه الدول والحضارة، وأصبح هناك دعوات للإستفادة من الإقتصاد الإسلامي وفريضة الزكاة.
وبسبب الإعراض عن ذكر الله وشرعه، نجد استفحال الظلم والإستبداد وإن كان في أشكال مقتعة، فتزدهر تجارة الرقيق الأبيض بشكل كبير، وتتوسع جريمة استغلال الأطفال من الشركات العابرة للقارات، وتشرعن الحروب للإستيلاء على ثروات الدول الضعيفة تحت شعارات مكافحة الإرهاب والتطرف ودعم الديمقراطية.
وفي مقابل هذا نجد المسلمون برغم ما يعانونه من فقر وحرمان وظلم واستبداد من الداخل والخارج، إلا أنهم أكثر تراحم وتعاطف وتماسك أسرى، وتنخفض بينهم حالات الإنتحار والقتل والقلق والأمراض النفسية، وحتى نسب ضحايا الخمر والمخدرات والأمراض الجنسية تقل بينهم بشكل ملحوظ عن بقية الأمم والأديان، وكل هذا بسبب الشريعة الإسلامية والتمسك بأحكامها، وكلما تمسك المسلمون بدينهم كلما تحسنت أحوالهم.
فكلما قام المسؤول والمواطن بأداء الأمانة وإتقان العمل وهذا جزء مهم من الشريعة الإسلامية كلما نهضت الأمة، وكلما عدل القاضي والخصوم وهذا جزء مهم من الشريعة الإسلامية كلما زاد الأمن والسرور، وكلما حرص السياسي والناخب على تبنى الحق وهذا جزء مهم من الشريعة الإسلامية كلما دارت عجلة الإصلاح، وكلما تفانى المعلم والطالب في العملية التعليمية كلما عمت المعرفة بأنوارها وهذا أصل مهم في الشريعة الإسلامية، وكلما التزم المسلمون بأحكام الشريعة في حياتهم بشكل صحيح كلما انعكست على حالة المجتمع نظافة ونظام وصحة وتقوى وأخلاق وعمل وتطوع وبذل.
هذا كله هو المعنى الحقيقي للمطالبة بتطبيق الشريعة الإسلامية، وبغير هذا لن تنصلح أحوال أمتنا مهما جربنا من حلول واستوردنا من أفكار، فلا تطيلوا الطريق واختصروا، يرحمكم الله.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.