جاء الإسلام من أجل تكريم الإنسان وحمايته، ولقد سخر الله له ما فى السماوات والأرض وما بينهما وما تحت الثرى، لعمارة الأرض وعبادة الله سبحانه وتعالى، ويدخل فى نطاق عمارة الأرض حماية البيئة ونظافتها من التلوث والفساد بكل صوره وأشكاله. ومن أجل ذلك وضعت الأحكام الشرعية لحماية البيئة التى يعيش فيها مثل: الحماية الصحية، وحماية الهواء والفضاء، وحماية المياه والأنهار والبحار، وحماية الأشجار والنباتات، وحماية الطرق والمرافق العامة، وحماية الأسواق، وغير ذلك، ويقصد بمصطلح الحماية بصفة عامة: التطهير من الفساد والنظافة من الخبائث وكل ما يضر الإنسان معنويا وماديا. وفى حماية البيئة ونظافتها منافع اقتصادية من أهمها: تيسير العمل وجودته، وزيادة الإنتاج، وترشيد استخدام الموارد الاقتصادية، والمحافظة على الوقت، والمحافظة على صحة الناس من أمراض التلوث والفاحشة، وتوفير الطاقة، وتدوير النفايات والمخلفات بما يحقق قيمة اقتصادية، وجذب السياح ونحو ذلك من العوائد الاقتصادية غير المنظورة. مكانة حماية البيئة ونظافتها فى ضوء مقاصد الشريعة الإسلامية الإسلام دين الإنسانية، أتى من أجل الإنسان الذى كرمه الله سبحانه وتعالى على سائر المخلوقات لقول الله تبارك وتعالى:)وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِى آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِى البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً] ( الإسراء: 70 [ والغاية من خلق الإنسان وتسخير له كل شىء: هو عبادة الله عز وجل، وأساس ذلك قول الله عز وجل:) وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنسَ إِلاَّ لِيَعْبُدُونِ (56) مَا أُرِيدُ مِنْهُم مِّن رِّزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَن يُطْعِمُونِ (57) إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو القُوَّةِ المَتِينُ] ( الذاريات: 56- 58[. ولقد تضمنت قواعد ومبادئ الشريعة الإسلامية نصوصا لحماية البيئة من الفساد والتلوث من أجل هذا الإنسان، وهذا من الموجبات الدينية، فما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب. حاجة الإنسان إلى بيئة نظيفة من مقاصد الشريعة الإسلامية جاءت أحكام الشريعة الإسلامية لحماية الحاجات الأصلية الضرورية للإنسان، وهى: حفظ الدين وحفظ النفس وحفظ العقل وحفظ العرض وحفظ المال. ووضعت العقوبات لمن يأتى بفعل فيه اعتداء على هذه الحاجات الأصلية، وعندما تطبق هذه العقوبات التعزيرية يتحقق فى المجتمع الأمن والاستقرار، ويعيش الإنسان آمنا فى سربه، معافى فى بدنه، ضاربا فى الأرض من أجل السعى لطلب رزقه، ومن موجبات تحقيق ذلك وجود البيئة الطاهرة من الفساد والنظيفة من التلوث. ولقد تحقق ذلك فى عهد الرسول صلى الله عليه وسلم بكل دقة وكذلك فى عهد الصحابة ومن اتبعوهم بإحسان، وكان من نتيجة ذلك وجود المجتمع الفاضل وأسست الحضارة الإسلامية التى حققت الخير للبشرية. دور حفظ الدين فى حماية البيئة ونظافتها الدين أساس المجتمع الآمن المستقر المتكافل، وهو الذى يحقق للإنسان الكرامة والعزة، ويحميه من الفساد والتلوث الأخلاقى والاجتماعى والاقتصادى والسياسى. وكلما ضعفت القيم الإيمانية والأخلاقية فى المجتمع انتشرت الأمراض الأخلاقية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومنها: الزنى، السرقة، الرشوة، الاغتصاب، الخمر، الميسر، الخيانة، الغدر، الظلم، البغى، البخل والشح، واللهو والاعتداء، وسلب الحريات والقهر، كما ينتشر التلوث البيئى بكل صوره. ولقد حرم الله عز وجل كل ما يؤدى إلى هذه الأمراض من باب سد الذرائع، وهذا وارد فى قول الله سبحانه وتعالى:)قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّى الفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالإِثْمَ وَالْبَغْى بِغَيْرِ الحَقِّ] ( الأعراف: 33 [. ولقد أشار القرآن الكريم إلى أثر الدين فى حياة الإنسان وفى البيئة فقال الله تبارك وتعالى:)فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُم مِّنِّى هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَاى فَلاَ يَضِلُّ وَلاَ يَشْقَى، وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا] ( طه: 123- 124 [.ويؤكد ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعد أبدا: كتاب الله وسنتى)).(متفق عليه). وعندما يبتعد الإنسان عن الدين، ويخالف تعاليم خالقه، نجده يفسد فى الأرض، ويهلك الحرث والنسل، ويلوث البيئة بكل أنواع الأذى والنجاسات والقاذورات، وهذا ما نشاهده فى زماننا، حيث إن سبب التلوث والفساد هو الإنسان غير المنضبط عقديا وأخلاقيا. ونخلص من ذلك إلى أن القيم الإيمانية ذات تأثير قوى فى المحافظة على البيئة، ولقد ربط رسول الله صلى الله عليه وسلم بين النظافة والإيمان فقال:"النظافة من الإيمان". حماية النفس تستوجب بيئة طاهرة نظيفة لقد حرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على النفس وأطرافها وعناصرها وموجبات حياتها، واعتبرت ذلك اعتداء على الناس جميعا، ودليل ذلك قول الله تبارك وتعالى: )مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِى الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا] ( المائدة:32 [. ويقول الرسول الله صلى الله عليه وسلم: ((كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه)) (مسلم). وحماية النفس أساس المجتمع الآمن، والبيئة الطاهرة النظيفة من مقومات ذلك، واعتبر الإسلام عقوبة القصاص من موجبات الحياة، مصداقًا لقول الله تبارك وتعالى: )وَلَكُمْ فِى القِصَاصِ حَيَاةٌ يَا أُوْلِى الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ] (البقرة: 179[. ومن يقتل مؤمنًا متعمدًا يكن جزاؤه فى الآخرة النار خالدًا مخلدًا فيها إلى ما شاء الله. والبيئة الفاسدة والملوثة من أسباب الاعتداء على النفس، فهناك ربط مباشر بين البيئة والمحافظة على النفس، فكل من يلوث البيئة فهو يسهم فى الاعتداء على النفس وهو لا يدرى، وتأسيسا على ذلك يقول الفقهاء إن المحافظة على البيئة محافظة على الإنسان، وهذا ضرورة شرعية. حفظ العقل يستوجب بيئة طاهرة نظيفة العقل هو قوام إنسانية الإنسان، وأهليته وتكليفه بما شرع الله عز وجل، وفى كثير من الآيات يشير الله سبحانه وتعالى إلى العقل باعتباره القادر على فهم آيات الله وعبادته. ولقد حرمت الشريعة الإسلامية كل شىء فيه اعتداء على العقل مثل: شرب الخمر وما فى حكمها من المدمنات والمفترات وما يقود إلى تلويث العقل والبيئة، ودليل هذا التحريم قول الله تبارك وتعالى: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمْرُ وَالمَيْسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزْلامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ، إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَن يُوقِعَ بَيْنَكُمُ العَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِى الخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنتُم مُّنتَهُونَ] ( المائدة: 90- 91[. وجاءت السنة النبوية الشريفة لتفصل ذلك، ومما ورد عن الرسول صلى الله عليه وسلم: ((كل مسكر خمر، وكل خمر حرام)) (أخرجه الستة). فحفظ العقل هو حفظ للبيئة التى تساعد الإنسان على أداء رسالته، وإن البيئة الفاسدة والملوثة بالموبقات تفسد العقل. حفظ العرض يستوجب بيئة طاهرة نظيفة يعتبر حفظ العرض من أساسيات الحياة الكريمة الموقرة المحترمة، وقوام المجتمع المكون من أسر قوية، والمجتمع الذى لا تصان فيه الأعراض لا يختلف عن مجتمع الغابات والأحراش الذى تعيش فيه الأنعام. ولقد حرمت الشريعة الإسلامية الاعتداء على العرض بالزنى والقذف وما فى حكم ذلك من صور الفساد والفسوق، و فى عقوبة الزنى، يقول الله تبارك وتعالى: )الزَّانِيَةُ وَالزَّانِى فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ] (النور: 2[، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث الثيب الزانى، والنفس بالنفس، والتارك لدينه المفارق للجماعة)) (متفق عليه). ولقد أثبت علماء الطب دور الزنى وما فى حكمه فى انتشار الأمراض التى لم تكن فى أسلافنا، ومنها أمراض الجنس، وهذا ما تنبأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: ((لم تظهر الفاحشة فى قوم قط حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الأوجاع التى لم تكن فى أسلافهم)) (رواه ابن ماجه). ويرى علماء الاجتماع أن من صور الفساد البيئى الاجتماعى انتشار الفاحشة، وهذا يقود إلى أضرار جسيمة. حفظ المال يستوجب بيئة طاهرة نظيفة المال قوام الحياة، ومصدره العمل الحلال الطيب، ومنه ما ينفق على الحاجيات الأصلية للإنسان لعبادة الله عز وجل، فالبدن غذاؤه المادّة، والروح غذاؤها العبادات من ذكر ودعاء واستغفار. ولقد حرمت الشريعة الإسلامية صور الاعتداء كافة على المال لحماية المجتمع، والمعاملات وانسياب الأرزاق، ودليل من القرآن الكريم قول الله تبارك وتعالى: )وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقاً مِّنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ] (البقرة: 188[، وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: ((لعنة الله على الراشى والمرتشى)) (رواه البخارى)، وقول صلى الله عليه وسلم: ((من استعملناه على عمل فرزقناه رزقا فما أخذ بعد ذلك فهو غلول)) (رواه أبو داود). إن حماية المجتمع من المعاملات التى ليس فيها اعتداء على المال يعتبر حماية للناس جميعا، ومن المعاملات المحرمة: الربا، والرشوة، والميسر، والتدليس والمقامرة والغش،.... وكل ما يدخل فى نظاق أكل أموال الناس بالباطل. وهناك علاقة بين حفظ المال والبيئة، حيث إن إنفاق المال فى المفاسد والفسوق هو حرمان المجتمع منه فى مجال التنمية التى تعود على الناس بالخير. كما أن تطهير البيئة من التلوث يكلف الأفراد والدولة نفقات عالية كان يمكن توفيرها لتنمية المجتمع. ونخلص من هذا إلى أن حماية الإنسان وتحقيق حاجاته من مقاصد الشريعة الإسلامية، ومن موجبات ذلك وجود البيئة الطاهرة من الفساد والنظيفة من التلوث، وتأسيسا على ذلك يعتبر حماية البيئة ضرورة شرعية وحاجة مجتمعية ومن الموجبات الدينية.