توجد مدرستان ل"الليبرالية المصرية" وكما قلت بدون تفاصيل في مقال يوم أمس الأولى "وطنية" وتمثل امتدادا لمدرسة سعد زغلول "الوفد" القديم.. والثانية "انتهازية" والتي تعتبر امتدادا ل أحمد لطفي السيد وتجلياتها السياسية القديمة "الأحرار الدستوريين" و"الأمة" الذي أسسه "كرومر".. ولعل موقف "الأول الوفد" و"الثاني الأحرار" من كتابي على عبد الرازق "الاسلام وأصول الحكم" وطه حسين "في الشعر الجاهلي" يعكس الفارق المفصلي بين الوطني والانتهازي.. فيما يمكن تسجيل ملاحظة مهمة وهي أن لطفي السيد على سبيل المثال لم يترك أية ابداع فكر وثقافي خاص به، وإنما محض أعمال مترجمة، على نحو يعكس الليبرالية الانتهازية في أكثر صورها اتكالية وتطفلا وسرقة وسطوا على أعمال الآخرين. الليبرالييون المصريون إذن ليسوا سواء، وهي حقيقة تقتضي الالتفات إليها، في هذه الأيام ونحن نبحث عن "شركاء" يؤمنون ب"قداسة" الوطن وليس "تسليعه" وتوظيفه والمتاجرة بقضاياه وتحويله إلى شيكات وحسابات بنكية وفلل وقصور في منتجعات النخبة الطفيلية التي خُلّقت في حضانات عصر مبارك. وفي هذا السياق من الأهمية أن نقرأ هذا المقطع الذي اخترته من دراسة ل عبد الوهاب المسيري رحمه الله كخلفية تؤسس لوعي بتنوع العلمانية وأنها أيضا ليست "علمانية واحدة"، لا في منطقة المنشأ "أوروبا" ولا في العالم العربي ومنه مصر.. إذ توجد علمانية "أخلاقية" متماسة مع الروح الوطنية والحس العروبي تنحصر فقط في البعد السياسي فصل الديني عن السياسي وأخرى شديدة التطرف "لا أخلاق لها" تتحول من "فكرة" إلى أسلوب حياة تفكيك منظومة القيم بالكامل وتنميطها كما أوضح المسيري في قوله :" .. قمت بالتفريق بين ما أسميه "العلمانية الجزئية" التي يمكن أن أطلق عليها "العلمانية الأخلاقية" أو "العلمانية الإنسانية"، وهي "فصل الدين عن الدولة" من ناحية، ومن ناحية أخرى ما أسميه "العلمانية الشاملة"، وهي رؤية شاملة للكون بكل مستوياته ومجالاته، لا تفصل الدين عن الدولة وعن بعض جوانب الحياة العامة وحسب، وإنما تفصل كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية عن كل جوانب الحياة العامة في بادئ الأمر، ثم عن كل جوانب الحياة الخاصة في نهايته، إلى أن يتم نزع القداسة تماماً عن العالم، بحيث يتحول العالم (الإنسان والطبيعة) إلى مادة استعمالية. وهي رؤية شاملة، لأنها تشمل كلاً من الحياة العامة والخاصة، بحيث تتساوى كل الظواهر الإنسانية والطبيعية وتصبح كل الأمور مادية. إن العالم، من منظور العلمانية الشاملة (شأنها في هذا شأن الفلسفة المادية)، خاضع لقوانين مادية كامنة فيه لا تفرق بين الإنسان و غيره من الكائنات. كل هذا يعني نزع القداسة عن الطبيعة والإنسان وتحويلهما إلى مادة استعمالية، يوظفها القوي لحسابه. والعلمانية الشاملة بطبيعة الحال لا تؤمن بأية معايير أو مطلقات أو كليات، فهى لاتؤمن إلا بالنسبية المطلقة. بل إننى أذهب إلى أن ثمة ترادف بين العلمانية الشاملة والرؤية الداروينية الصراعية، ولذا أسميها العلمانية المادية أو العلمانية المنفصلة عن القيمة أو العلمانية الداروينية، إذ إنه في غياب المعايير التى تتجاوز الذات الإنسانية تظهر آلية واحدة لحسم الصراع وهي القوة، ولذا نجد أن البقاء هو للأقوى، ولعل المنظومة الداروينية الصراعية هي أقرب المنظومات اقتراباً من نموذج العلمانية الشاملة" وللحديث بقية لاحقا إن شاء الله تعالى [email protected]