لا شك ان التجارب تفيد اصحابها ،وتفيد غيرهم ممن يحب الاعتبار من تجارب الآخرين، يقول الإمام علي رضي الله عنه ( وفي التجارب علم مستأنف ) أي علم جديد يضاف الى رصيد العلوم التي يلزم الاعتداد بها . ولقد عاصرنا في حياتنا أحداثا كثيرة استفاد منها من استفاد، وأعرض عن الذكرى كثيرون ،فلم يعتبروا ولم يبدأوا من حيث انتهى الآخرون، بل عاودوا الكرة من حيث كان الخطأ أول مرة !!
إننا من الممكن أن نتحمل أخطاء صديق لنا لكونه في بداية طريق الحياة فيتعلم ويطور من نفسه ويحسن من ادائه، ولكن هناك من الأمور مالا يمكن الصبر عليها أو احتمال الأخطاء المتكررة فيها ويتضح هذا المثال في كبار المسؤولين في الدولة لأن اخطاءهم يترتب عليها مفاسد جسيمة تصيب الكثير من المواطنين ،وبالتالي فإن محاسبتهم على هذه الأخطاء تكون واجبة، فإن كان الخطأ في تصرف مالي تم تغريمه نفس المبلغ لخزانة الدولة، وإن كان في قانون أو قرار أو تعليمات وجب التصحيح بالإلغاء الفوري ومايترتب على ذلك من آثار، بل ويمكن أن تصل العقوبة في حاله تكرار الأخطاء الى العزل من الوظيفة وتولية من هو أصلح لشغلها .
ونحن في مصر نعاني من تصدر الهواة لشغل الوظائف التي تحتاج إلى الكفاءات والخبرات العالية ولكن الحاصل أن هناك من يتولى الوظيفة ليجرب مجموعة من افكاره ثم يكتشف أنها لا تصلح للتطبيق في الواقع ،بل ربما تلمح فيها الخطأ المنهجي الواضح والمخالف للأصول العلمية، ولكن مكانة المسؤول وسلطات تحول دون مراجعته، بل ربما وجد من بطانة السوء من يمتدح عبقريتة وابداعاته الفكرية!!
ولقد لاحظنا ذلك في عهد مبارك إذ لما أثنى الرئيس المخلوع على نجلة جمال بادر حملة المباخر ومتعهدي التزلف الى الترويج لهذه الفكرة ووصلوا بها إلى ترشيح جمال لخلافه والدة وهو لا يمتلك الحد الأدنى من الخبرة في إدارة شؤون البلاد، فعلمت أننا سنعيش بذلك مرحلة حكم الهواة الذين يتعلمون على حساب مقدارات وامكانات هذا الشعب!! لكن الله عافانا بثورة الخامس والعشرين من يناير حيث انتهى حكم الأب وحلم الابن إلى الأبد !! ثم تولى المجلس العسكري قيادة البلاد كمرحلة انتقالية تمهيدا لتسليم السلطة وبالطبع ظهرت في هذه الفترة بعض الأخطاء في القرارات والتعامل مع المشهد السياسي ،فبالرغم من كفاءة قادة القوات المسلحة في الإدارة إلا أن الأمر بطبيعة الحال كان يحتاج الى تحصيل خبرات سياسية للتعامل الحسن مع مكونات المجتمع لكونه في حاله ثورية ليس من السهل التعاطي معها بالقواعد التقليدية والأفكار النمطية المتبعة في الظروف الاعتيادية، ثم مالبث أن وجدنا الدكتور محمد مرسي رئيسا للبلاد بأغلبية طفيفة ولم تكن ضربة البداية لديه موفقة فقد وعد بمشروع المئة يوم ولم يتحقق حل للمشكلات التي وعد بحلها وأيضا لم يبادر إلى المصالحة الوطنية كي يلم شمل الوطن وينهي حالة التربص والصراع ،كما لم يتحرك لتحويل مشروع النهضة الذي عرضه في برنامجة الانتخابي الى مشروع وطني يشارك فيه الجميع بالرأي كي يتم تعديله بحيث لايصير مشروعا خاصا به، ولقد كنت من الناصحين للرئيس في هذين الامرين ( المصالحة الوطنية وتطوير مشروع النهضة) ولكنه لم يستجب عمليا، وتم تاجيل ذلك إلى اشعار آخر فعشنا صراعا مريرا احتاج الأمر الى معالجات من نوع خاص لم تكن موجودة في دائرة خبرات الرئيس وانتهى المشهد بعزله
واليوم ونحن في انتظار وصول رئيس جديد في مطلع شهر يونيو بعد انتخابات سيقاطعها البعض وسيصوت فيها آخرون لأحد المرشحين ،وبالطبع فإن الرئيس القادم لم يسبق له شغل هذا المنصب بكل تاكيد وبالتالي فإنه خالي الوفاض من خبرة الوظيفة على مستواه الشخصي، ولكن هناك خبرات رؤساء سابقين لابد وان تكون نصب عينيه فيدرك مواضع الفشل والإخفاق في فترة ولايتهم ،كما ان الدولة لا تحتمل تجارب محدودي الخبرات ،بل لابد من اشتراك كافة الكفاءات الوطنية في صياغة المشروع الوطني الجديد وسبل حل المشكلات وذلك من خلال حوار مجتمعي يستمع فيه الرئيس القادم إلى كل صاحب خبرة متميزة (حزبي او غير حزبي) وذلك قبل اتخاذ القرارات ،هذا ولابد ان يعلم اننا لا نستطيع ان نتحمل استمرار الصراع دون مصالحة حقيقه لان محاولة المضي قدما مع تجاهل صوت المعارضين سوف يكون تكرارا لحقبة فاشلة فليتدبر الرئيس القادم .
اننا ياسادة بحاجة إلى من يأخذ بيد الوطن كلة دون إقصاء لأحد وأيضا بحاجة إلى الاصطفاف خلف مشروع وطني جامع يدفع بنا إلى الأمام في ظل مصالحة وطنية شاملة ترد لكل ذي حق حقه وترفع الظلم عن كاهل المظلومين وتعيد السكينة والهدوء إلى جنبات الوطن الذي عاني كثيرا من تجارب الهواة !!