يُفترض أن مرحلة الكلام الرقيق اللطيف اللين العام قد انتهت عند المرشح الرئاسي عبد الفتاح السيسي، ويفترض أن تكون مرحلة الكلام العملي العلمي الجاد الواقعي الذي يتضمنه برنامجا شاملا واضحا لبناء نهضة حقيقية مستدامة لمصر قد بدأت مع ظهوره في لقاءات مطولة غير معتادة على الشاشات. الظهور المهم الأول للسيسي لم يكن في ذلك الحوار المشترك على محطتي "سي بي سي"، و"أون تي في" الاثنين الماضي، بل سبقه بيوم واحد "الأحد" لقاء مطولا جمعه مع عدد من الإعلاميين الذين تم انتقائهم لافتتاح الدعاية الانتخابية الخاصة به. وقد تابعت اللقائين ، مع الإعلاميين، ومع المحطتين، وقد خرجت باستخلاص أولي يؤكد ماكتبته هنا قبل عدة أيام بعنوان " صباحي الواضح، والسيسي الغامض"، بمعنى أنه إذا كانت للسيسي شعبية عند قطاعات من المجتمع ربما يتفوق بها على منافسه الوحيد حمدين صباحي، إلا أنه في الجوهر والمضمون فإن صباحي يمتلك رؤية وأفكارا واضحة ومحددة تصلح كبرنامج لمرشح رئاسي، بعكس السيسي الذي لم يقدم حتى الآن - رغم حديثه المطول - رؤية متكاملة متماسكة تكشف عن مرشح رئاسي له منهج ونهج يتناسب وحجم التوقعات الهائلة التي تبنيها قطاعات من الشعب عليه وتنتظرها منه بعد تنصيبه رئيسا. لايجب أن يظل السيسي يتحدث بكلام مرسل ويقدم تعميمات وعناوين عريضة في القضايا المهمة والخطيرة دون تفاصيل خصوصا وأن حجم الأزمات والمشاكل كبير جدا، ولا يكفي أن يظل يظهر نفسه كمنقذ للوطن من السقوط حيث يحتاج الأمر إلى شرح وعرض كل مالديه من معلومات وخفايا عن المؤامرات والخطط التي كانت تستهدف الوطن حتى نتفاعل معه أكثر ونلتحم به وحتى يجذب المترددين إليه ويقطع كل شك بيقين، فما أسهل الكلام في العموميات، لكن في عالم اليوم، وفي إطار تطور الوعي لدى الشباب وفئات أخرى نالت قدرا جيدا من التعليم فلا يكفي أن يتحدث من يتقدم للرئاسة بلغة عامة يشوبها الغموض، بل يجب أن يقول لنا ماذا حدث بالضبط ، وماذا سيفعل بالضبط نقطة نقطة وتفصيلة وتفصيلة. أرى حمدين يطرح قضايا أساسية، ويقدم بشأنها تفصيلات كبرنامج عمل مثل قضية العدالة الانتقالية التي شرحها بشكل صريح وجيد، كما يقدم رؤية جديرة بالتمعن فيها بشأن العدالة الاجتماعية والإنتاج والتصنيع ومكافحة الفساد والقوانين المقيدة للحريات مثل تعهده بإلغاء قانون التظاهر والعلاقات الخارجية ، لكن لانجد ذلك عند السيسي حتى الآن، فماذا ينتظر ولم يتبق إلا أيام قلائل ويتوافد المصريون في الخارج للتصويت، فعلى ماذا يجب أن نصوت، وماهي خطة ومشروع المرشح الذي يحظى بشعبية في استطلاعات الرأي، وتشير التوقعات إلى أنه سيكون الفائز، على ماذا سيكون رئيسا، وما هي الأولويات عنده، وماذا تتضمن الأجندة لديه من نشاط يبدأ بالأهم فالمهم فالأقل أهمية، وماهو الملح جدا، وماهو العاجل، وماهو الذي يحتاج لبعض الوقت؟!. حتى لو كان هناك كثير من المصريين لاينتبهون لمثل هذا الأمر خصوصا الفئات قليلة الوعي بقيمة وأهمية البرنامج الانتخابي لمدة 4 سنوات ،فلا يجب تجاهل ذلك تحت شعار أن الشعب يريد السيسي رئيسا ولو دون انتخابات، ومن أسف أن هناك مثقفين يندرجون في نفس الخانة، ومنهم هيكل الذي تحدث بشكل غريب عن أن السيسي لايحتاج لبرنامج، ولذلك أنتقده بشدة الكاتب والسينارست وحيد حامد. وجود خطة العمل ضرورية، هل يُعقل أن يتسلم رئيسا أيا كانت شعبيته دولة كبيرة متخمة بالمشاكل دون رؤية محكمة مفصلة؟! . السيسي حتى اليوم هو مرشح رئاسي في الإعلام، وعبر الإعلام، وليس مرشحا مباشرا يحتك بالناس، ويتواجد في أوساطهم ليتعرف على مشاكلهم عن قرب، مع تفهمنا للمخاطر الأمنية، ومن المدهش أن لقاءاته الإعلامية ليست على الهواء مباشرة أيضا، إنما مسجلة، أي تتعرض للمونتاج والرقيب والحذف والضبط حتى تقدم الصورة المثالية له، فما الذي يخشاه من المواجهة المباشرة مع الجمهور؟!. السيسي لايجب أن يخشى الاحتكاك بالمصريين، ذلك أن صباحي يوسع أرضيته بينهم ، فقد دشن حملته من أسيوط، ثم انتقل إلى المحلة وسط العمال، والمرشحون في انتخابات 2012 كانوا يقيمون في الشوارع، ولم يلتفت أحد منهم للمخاطر والتهديدات، ومبارك نفسه في انتخابات 2005 تحرك في عدد من المحافظات وإن كان تحت حراسة أمنية مشددة، وأيمن نور جاب مصر من أقصاها إلى أقصاها بمفرده. المرشح الذي تقول حملته عنه أنه هبة من الله لمصر، هل معنى ذلك أن نسلم ونصمت ونقبل ولا نناقش أو نطالب بشيء باعتباره هبة إلهية لها قداسة أو معصومية ، وماذا لو أخفق في مهمته، ماذا يمكن أن يقال عندئذ، وعلى من يقع اللوم ؟!. ماهي خريطة عملك وتحركك ياسيادة المشير لبناء مصر وجعلها "أد الدنيا" كما قلت مرارا؟!. لم تقل بعد شيئا مدهشا في حواراتك التلفزيونية، إنما مجرد خواطر عامة. مازلت بعيدا عن الكلام المفيد، متى تتحدث في الصميم؟!.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.