في سياق محاولات صناعة مجد مجاني واعتباطي للقيادة الجديدة في مصر بعد الإطاحة بالإخوان والرئيس السابق محمد مرسي ، تم تسويق فرضية المؤامرة الأمريكية الكبرى على المشير عبد الفتاح السيسي ، لن أذهب إلى حدود "الخبل" الذي انتشر في بعض وسائل الإعلام وقتها عن الرئيس الأمريكي باراك أوباما المنضم إلى التنظيم العالمي للإخوان المسلمين ، وأخوه الذي يدير اقتصاديات الإخوان في أفريقيا ، ورئيس لجنة الشؤون الخارجية بالكونجرس الأمريكي الذي يشارك خيرت الشاطر في بيزنس السلاح ، وهي قصص شهيرة لمن كان يتابع الهلاوس التي انتابت الإعلام المصري وقتها وكشف عن انحطاط في التفكير لا حدود لقعره ، وكشف عن أن مصر دخلت فعليا في نطاق منطقة الهلاوس السياسية ، ولكني سأكتفي فقط بالتذكير بما قيل عن المؤامرات التي نسجتها المخابرات الأمريكية مع الإخوان المسلمين للتآمر على الجيش المصري وقياداته ، وكيف أن التحالف الصهيو أمريكي يدعم الإخوان وينسق معهم لإسقاط "ثورة 30 يونيو المجيدة" وضرب المشير السيسي ، وقد امتلأت الفضائيات المصرية بالمحللين الكبار من قيادات المخابرات المصرية السابقين ، مخابرات عامة وحربية ، وخبراء عسكريين واستراتيجيين ، يتكلمون بثقة العارف عن نجاح الأجهزة الأمنية المصرية في إحباط المؤامرة الأمريكية على الشعب المصري وجيشه العظيم ، وكيف نجحت الأجهزة في إفشال مخططات "وكر الإرهاب" في جاردن سيتي ، الذي تسكنه السفيرة الأمريكية "الشمطاء" ، ولولا يقظة المشير السيسي لنجح المخطط الأمريكي الخبيث ، وكيف وقفت الأجهزة بالوثائق والتسجيلات على الاختراق الإسرائيلي والأمريكي . وكم نسجت الأساطير عن أن المشير السيسي "أدب" الأمريكان بذهابه المفاجئ إلى موسكو لعقد صفقات سلاح ، وكيف أن أركان البيت الأبيض اهتزت بزلزال سياسي رهيب جعل أوباما لا ينام الليل من السيسي ، وخزعبلات من هذه النوعية التي كانت تبث على أنغام "تسلم الأيادي" ، ثم فوجئنا بعد ذلك بالحديث اللين العذب بين المسؤولين السياسيين المصريين وبين الأمريكان ، أعقبها لغة غزل بين القيادة العسكرية وبين الأجهزة الأمريكية ، ثم فوجئنا بأن رئيس المخابرات العامة المصرية يسافر بشكل أقرب إلى السرية ، حسب وصف الوكالات ، إلى واشنطن ، ليبقى هناك قرابة أسبوع ضيفا عزيزا مكرما يلتقي سرا مع قيادات المخابرات الأمريكية ومع مسؤولين بالخارجية الأمريكية ، يتم الإعلان فيها عن تنسيق على أعلى المستويات لدعم الجيش المصري في حربه على الإرهاب ، وتقرر أمريكا دعم الجيش المصري بعشر طائرات من طراز الأباتشي المتطورة ، كما نفاجأ بأن وزير الخارجية الأمريكي يهاجم الإخوان المسلمين ، بل يشتمهم ، ويصف السيسي والجيش بأنهم أنقذوا مصر من ديكتاتورية الإخوان ، ثم يحج وزير الخارجية المصري إلى واشنطن ويقابل "كيري" وكبار مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين أكدوا على دعمهم للنظام المصري الحالي لإكمال خارطة الطريق ومكافحة الإرهاب ، ثم تتوالى التصريحات الإسرائيلية التي تثني على جهد الجيش المصري في سيناء وتؤكد على أن "إسرائيل" تدعم القيادة المصرية وتنسق معها في مكافحة الإرهاب وأن ما قام به الجيش المصري في 3 يوليو أنقذ إسرائيل والمنطقة من خطر التشدد الديني . بطبيعة الحال اختفى الخبراء الاستراتيجيون ، وغاب جنرالات المخابرات المتقاعدون عن شاشات الفضائيات الآن ، وهي خسارة كبيرة للمشاهدين بدون شك ، لأننا كنا نطمع أن يشرحوا لنا ما الذي يجري بالضبط ، وهو مين مع مين ، ومين ضد مين ، وهل اكتشفنا فجأة أن العلاقات مع أمريكا استراتيجية ولا تقبل الاهتزاز تحت أي ظرف ، وأنها أحلى من السمن على العسل ، وهل ما زال متاحا ترديد الكلام عن المؤامرة الصهيو أمريكية مع الإخوان ضد الجيش المصري والمشير السيسي ، وهل سنكتشف الأسباب التي أدت إلى انفصال أوباما عن التنظيم الدولي للإخوان المسلمين ، وهل سنكتشف أن السيناتور "جون ماكين" استغل دخول خيرت الشاطر إلى السجن لكي يستولي على شركة تجارة السلاح التي كانوا يديرونها سويا . أحيانا تشعر بعبث أن تحاول استدعاء العقل في واقع مترع بالجنون والهذيان .