هناك إصرار واضح من قبل بعض القوى السياسية المهمشة شعبيا ، والمهجوسة بالخوف من الديمقراطية ، على محاولة اختطاف الثورة وركوب موجتها للقفز على أعلى هرم السلطة بأي شكل ، وبصنعة لطافة كما يقول العامة ، وبعد أن فشلت لعبة الحديث عن مجلس رئاسي قالوا أنه يتم اختياره بالتوافق ، نسمع الآن عن صيغة أخرى بتشكيل مجلس مدني مؤقت يكون معاونا وشريكا للمجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد في تلك المرحلة الانتقالية دون أن يفوضهم أحد بذلك ، ودون أن يكون للشعب حضوره وكلمته . أشهر خرافة سياسية في مصر الآن هي حكاية "التوافق" على أسماء لقيادة مؤسسة أو الاضطلاع بأي عمل عام ، بعيدا عن الانتخاب ، وقد رأينا هذا التوافق كيف يثمر في بعض القطاعات ، مثل ما حدث في المجلس القومي لحقوق الإنسان ، الذي تم تقسيم تورتته بين بعض الأوصياء الجدد وزعماء الفضائيات وبقايا ما هو منبوذ من كل تيار ، بمن في ذلك اليسار الشقي الذي يكرهه حتى أبناء التيار اليساري نفسه ، ونظرا لأن فكرة التوافق لا تملك أي معايير أو قواعد أو حتى أخلاقيات فكانت البوابة السحرية للقفز على أي مؤسسة أو اغتصاب أي حق للشعب في موقع ما . والذي يحيرك أن الفترة الانتقالية المقررة حتى يبدأ الاستحقاق الديمقراطي الحقيقي ، لا تتجاوز ستة أشهر أو ثمانية أشهر ، مضى منها ما يقرب من ثلاثة أشهر ، ويفترض أن تكون القوى السياسية الجادة والتي تحترم الديمقراطية وتحترم اختيار الشعب ، أن توفر كل طاقاتها من أجل التمهيد لمعترك الانتخابات المقبلة ، البرلمانية والرئاسية ، ولكنهم مع الأسف لا يفعلون ذلك نهائيا ، ويتفرغون فقط للبحث عن أي "لعبة" يختطفون بها السلطة ، ويهمشون إرادة الشعب ، ويخرجون الديمقراطية من ميدان الثورة ومكاسبها ، وهؤلاء أنفسهم هم الذين قادوا حملة التحريض ضد التعديلات الدستورية ، وطالبوا المجلس العسكري بإلغاء الاستفتاء نفسه ، لأنهم لا يثقون في الشعب ، بل ويكرهون أن يحصل الشعب على حقه في الاختيار أو الانتخاب ، لأنهم يعرفون أن مصيرهم التهميش في نهاية المطاف ، وبعض الأشخاص والقوى السياسية الصغيرة النشطة ، تشعر أنهم يخوضون معركتهم الأخيرة لأنهم يدركون أن لا مستقبل لهم مع أي مشروع ديمقراطي ، وأن الحراك الديمقراطي الجديد والجاد سوف يفرز قيادات جديدة ، ورموزا شعبية حقيقية ، ونجوم سياسة سيكونون في مرمى اهتمام الفضائيات المحلية والدولية ، ولذلك تجد "مناضلي الفضائيات" يجتهدون لتعطيل هذا المسار الديمقراطي ، أو على الأقل البحث عن تأخيره قدر المستطاع ، وكإجراء احترازي محاولة البحث عن موطئ قدم في رأس السلطة بأي طريق غير ديمقراطي ، وفي غفلة من الناس ، وعبر تهميش اختيار الشعب . والذي قلناه عن المجلس الرئاسي المزعوم ، والذي تراجعت أحاديثه هذه الأيام ، بعد التراشق الذي تم بين الرموز التي قيل أنها يمكن ترشيحها لهذا المجلس ، وبعد أن وضح للجميع أن أحدا لا يمكنه أن يفرض رئيسا فردا أو مجموعة على الشعب بدون الطريق الديمقراطي ، جاءت محاولة الحديث عن مجلس مدني مؤقت يكون شريكا للمجلس العسكري في إدارة شؤون البلاد ، وهناك محاولات للاحتشاد خلال الأسبوع المقبل من أجل هذا الموضوع ، وعبثا تسأل عن معايير هذه الدعوة ، وعن مشروعية هذا المجلس المدني المزعوم ، وكيف يتم اختياره ، ومن الذين يختارونه ، ومن فوضهم عن الشعب باختياره ، لن تحصل على أي إجابة ، لأن القصة وما فيها أنها فصل جديد من محاولات اختطاف الثورة ، واغتصاب حق الشعب في اختيار سلطته ، وتعطيل المسار الديمقراطي الحقيقي ، الذي من المقرر أن يبدأ رحلته التاريخية بعد أقل من خمسة أشهر من الآن . [email protected]