أتابع النقاش الجاري على الساحة المصرية بين السلفيين أنفسهم و مع مختلف التيارات و الاتجاهات السياسية و الفكرية ، و لعل الهجوم الإعلامي الشرس الذي تشنه بعض الاتجاهات ضد التيار السلفي و الترصد لأي خطأ أو زلة لسان بل و حتى نصب الفخاخ لذلك كما حذر منه محمود سلطان كلها محددة الأهداف مسبقا ، غير أن النقاش داخل البيت السلفي نفسه ليس كذلك . و من حيث المبدأ فإن تباعد و جهات النظر حول كل المستجدات التي أحدثتها الثورة منطقي و مقبول لأن تعدد الآراء و تنوعها يعكس الحيوية و النشاط التي يتمتع بها السلفيون و حرص أبناءها على المحافظة عليه و تطويره كما أنه قد يؤدي التفاعل بينها إلى تبلورها و نضجها ، و من جهة أخرى يعكس خروج الخلافات مباشرة إلى العلن حقيقة المنهج السلفي الغير محدد بأطر تنظيمية على شاكلة بعض الحركات الإسلامية التي اتخذت من التنظيم مبررا لفرض السرية على الخلافات بين قياداتها خشية انكشافها أمام الأعداء مما أدى في الأخير إلى انفجارها من الداخل ، و تصريح الرموز السلفية بتوافقها على عدم الترشح في الانتخابات يبين مدى استفادة التيار السلفي من أخطاء تلك الحركات الإسلامية . غير أن كل هذا لا يمنع من التنبيه لخلل كبير عند الاتجاه السلفي بشكل عام يكمن في طريقة تعامل اتجاهاته مع الآراء المخالفة و اتهامها بالخروج عن منهج السلف الصالح بشكل مباشر أو غير مباشر، و على المستوى القاعدي يكون الأمر أسوء من ذلك بكثير بين المؤيدين لوجهات النظر المختلفة تصل في الكثير من الأحيان إلى التلاسن الذي لا يستقيم مع أخلاق و آداب السلف الصالح ، و لا يتوقف عند هذا الحد بل يتجاوزه إلى تحذير المحيطين بهم من السماع حتى لمواعظ بعض الدعاة . و هذا الجحر لدغ منه السلفيون مرة خلال التسعينات و لا يصح أن يلدغوا منه مرة أخرى ، كما أننا في زمن تطور وسائل الإعلام فيه جعل من هذه الأمور و القضايا التي تتعلق أحيانا بقطر واحد لا تكون لها هزات ارتدادية في أقطار أخرى فحسب و إنما تعيش معها الحدث و آثاره و تداعياته في نفس اللحظة هذا إذا لم تكن له مضاعفات أكثر من هنا فإنه ليس المطلوب هو حصر هذه الخلافات في غرف مغلقة و التستر عليها و إنما المطلوب من السلفيين اتجاه بعضهم البعض تجنب أسلوب اتهام المخالفين في منهجهم على الأقل ، و كما يستفاد من محنة الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله في محنته عدم خروجه على الحاكم فإن ما يستفاد منه أيضا أن العلماء الذين استعملوا أسلوب التورية حينها أقصى ما قيل في حقهم أنهم اجتهدوا و أخطئوا ولم يتهم أحد بالخروج عن المنهج رغم أن تلك النازلة أهم و أخطر من هذه النوازل. • كاتب جزائري