يصادف الانسان في حياته مواقف متعددة منها ماهو سهل الحل , ومنها ماهو صعب معقد , فالصعب هو ذلك الذي يحتاج فيه المرء إلى تفكير عميق وحسابات دقيقة , وترجيح بين أكثر من بديل , بل وربما استعان بعالم متخصص أو صديق يرشده إلى مخرج مناسب لما هو فيه من ورطة , ولكنى ألاحظ هذه الأيام أن البديهيات أصبحت من المعضلات المستعصية على الفهم أو الحل !! فمثلاً من البديهي أن النزاع مقدمة الفشل , ولكن من بيننا من يظن أن استمرار النزاع نتيجته النجاح والخلاص من الخصوم . ومن البديهيات أن الصراع بين أبناء الوطن الواحد يضعف الدولة في مواجهة الأعداء المتربصين بها , ولكننا نجد أن هناك من لا يعبأ بهذه الحقائق وكان الوطن لا يعنيه !! ومن البديهيات أن عزل الرئيس مرسي بالطريقة التي تمت حماية للوطن من مخاطر الاحتراب - كما قيل وقتها - لم يكن صواباً , لأن هناك فريقاً آخر لن يقبل بقرارات الثالث من يوليو , وبالتالي فإنه كان من البديهي أن ينشأ صراع جديد بين أنصار الرئيس والحكومة المؤقتة . ومن البديهيات أن الشعب المصري قد استعاد حريته في 25/ يناير فلا يعقل أن يقبل بالقمع والاستبداد مرة آخرى أو يسكت على ذلك , ولكننا نرى حكومة لا تستوعب هذه البديهيات وتستمر في إجراءات القبضة الحديدية لمواجهة المختلفين معها سياسياً , ولقد أصبح أيضاً من البديهيات أن تغليظ العقوبة على المخالفين للدولة لا يؤدي إلى وقف أنشطتهم أو تراجعهم , وبالرغم من ذلك كله نرى من يسارع إلى إقرار القوانين المقيدة للحريات والقامعة للخصوم السياسيين . ومن البديهيات أن الحكم بإعدام أكثر من خمسمائة شخص لم يقتلوا شخصاً واحداً يسئ إلى القضاء , بل وإلى النظام القائم المؤقت . ومن البديهيات أن المساعدات الاقتصادية من بعض الدول الصديقة حتماً ستنتهي قريباً فلابد من الاعتماد على النفس في بناء الدولة , وهذا لن يتحقق إلا بالاستقرار الذي لن يتحقق إلا بالحوار والوفاق الوطني , ومن العجيب أن هناك من يتصور إمكانية بناء الوطن في ظل صراع قائم وعدم رضا قطاع كبير من الشعب عن الأوضاع الراهنة . ومن البديهيات أن التحريض الإعلامي يبعث على غرس الكراهية في نفوس أبناء الوطن الواحد , ومن العجيب أننا لازلنا نرى من ينفث سمومه في وسائل الإعلام ظناً منه أن في ذلك حسماً للصراع . ومن البديهي أيضاً أن إراقة الدماء تصنع الشهداء وتزيد من حماس الجماهير المناهضة للمعتدي على الأرواح والحرمات , ومن الغريب أن هناك من لا يُسلم بذلك ويرى أن القتل رادع للطرف الآخر وهو ما لم يصدقه الواقع القائم . وفي الختام لقد سقت لك أيها القارئ طرفاً من البديهيات التي لا يصح أن نختلف حولها فهي واضحة وضوح الشمس لا تكاد تخفى على ذي عينين , ولكن هناك من يكابر ويجادل ويريد أن يملي على الناس أفهاماً جديدة بعيدة عن الواقع , ورؤى سقيمة أقرب إلى الخيال ظناً منه أن هناك من يقتنع بذلك , ولكن الشعب المصري قد بلغ درجة من النضج يستطيع فيها أن يستوعب الأحداث ويفرز الوقائع , ويتبين الصحيح من السقيم , والصدق من الكذب , ثم علينا أن ندرك أن مشكلاتنا نحن أولى بحلها , وأحرص الناس على تفكيكها بالوحدة والمصالحة والوفاق ومن يظن غير ذلك فهو يجادل في بديهيات وسيظل أسير خيالاته حتى يصدمه الواقع الأليم . والله المستعان