لا أصدق كل ما يجري على أرض الوطن , وكأنني في كابوس آمل أن أصحو منه فوراً , فلقد أصابتني دهشة كبيرة لتصميم كل فريق على رأيه وقد غابت مصلحة الوطن عن الأذهان ونسوا أن هذه المعركة المنتصر فيها خاسر , والفائز فيها مهزوم , لأن النتيجة واحدة بالنسبة للوطن ألا وهي الخراب إذا أستمرت حالة التنازع كما هي عليه , قال تعالى " ولا تنازعوا فتفشلوا وتذهب ريحكم واصبروا إن الله مع الصابرين " إننا نتابع بكل حزن وأسى ما يجري على الساحة من نتائج صدام دموي هنا وهناك تسقط فيه القتلى في الشوارع والميادين أو داخل عربات الجند أو حول مباني الجيش والشرطة من أجل ما رآه كل فريق من منظور الإرادة الشعبية , فهناك من يؤكد أن حركة الجيش في 3/7 كانت بهدف حماية الوطن واستجابةً للإرادة الشعبية , وهناك من يرى أن صندوق الانتخابات قد جاء بالرئيس والدستور والمجالس النيابية , وهو ما لا يمكن إزاحته إلا من خلال الصندوق الانتخابي , وبالتالي وقفت الإرادة الشعبية حائرة بين الجميع فالكل يدّعي أنها معه !! لقد كان من الضروري أن ينزل الرئيس محمد مرسي على رأي من نصحوه بأن يقي المجتمع مغبة صدامات دموية بعرض منصب الرئيس على الاستفتاء , ولكنه أبى ذلك وأيدته جماعة الإخوان في هذا الرأي فدخل بنا إلى النفق المظلم الذي لازلنا نعيش فيه حتى الآن , ولقد كان أيضاً من الضروري أن يقوم أصحاب خارطة الطريق بعرضها على الاستفتاء الشعبي كي نخرج من هذا النفق سريعاً ولكنهم لم يفعلوا فدخلوا بنا في مرحلة صراع بين فريقين يؤكد كل منهما أنه يحترم الإرادة الشعبية , ويضحي من أجلها فسالت الدماء , وتناثرت الأشلاء , وكل طرف يرى أن الحق معه وأن القتلى من صفوفه شهداء , ومن غيره معتدون !! هذا ولقد انفتح باب التراشق الإعلامي على مصراعيه يكيل كل طرف الاتهامات القاسية إلى الطرف الآخر , وهو أمر مرفوض , فكما لا أقبل أن يتهم أحد الإخوان المسلمون بالخيانة والعمالة , لا أقبل أن يُتهم الفريق الآخر بنفس المصطلحات , هذا إن أردنا حلاً للأزمة نخرج فيه بالوطن من ميدان الاحتراب إلى حالة من الوفاق والوئام نحفظ بها ثورة 25 يناير من الضياع , التي ضحى الجميع من أجلها . إننا في حالة خلاف سياسي حاد , الحكيم فيه من يبادر إلى تقديم بعض التنازلات من أجل الوطن كي تعود الإرادة الشعبية إلى قيادة البلاد من خلال ترجمة عملية لمؤسسات منتخبة يرضى عنها غالبية الجماهير , وفي نفس الوقت على الأقلية أن تحترم النتائج وتتعاون في إدارة البلاد فور انتهاء المنافسة الانتخابية ولا يجوز لها أن تتحرك كقوى ساخطة وراغبة في هدم الدولة الجديدة , وفي جميع الأحوال يلزم أن تتم الانتخابات القادمة في جو صحي ليس فيه معتقلون سياسيون ولا إقصاء لفصيل معين أو تزوير لإرادة شعب حر , ولا شك أنه من الضروري وجود ضمانات للتأكيد على صحة العملية الانتخابية وشفافيتها مهما كانت النتيجة , وأن الحضور الدولي والمحلي لمنظمات حقوق الإنسان سيضفي نوعاً من الاطمئنان , كما أنه يقطع الطريق أمام حالات التعدي على الصناديق ويضمن الإعلان الصحيح عن النتائج بلا مطاعن تُبطل العملية الانتخابية برمتها . إن الحالة الثورية التي يعيشها المواطنون لا يمكن قمعها بالقوة فهي تتنامى مع سقوط الضحايا , وحبس الأبرياء , وبقاء نقاط النزاع بلا حل , في ظل تدهور اقتصادي وغلاء المعيشة وانقسام الشارع السياسي , وبالتالي فإن المخرج لابد وأن يكون في الاحتكام للإرادة الشعبية من جديد , والتوافق على حل سريع للأزمة , هذا ونأمل أن يتم ذلك بين الأطراف من خلال وسطاء أو الاتصالات المباشرة , فأبناء الوطن الواحد لا تفصل بينهم حدود ولا موانع ولا سدود . والله المستعان