الدول المحترمة دائماً تحترم دستورها وقوانينها من خلال أجهزتها ومؤسساتها الحكومية وحينئذ يعيش الشعب مستريحاً لكونه اختار دستوره بنفسه وهو يعلم أن إرادة الشعب يجب أن تحترم , وفي نفس الوقت على من حظى بالأغلبية عدم اضطهاد الأقلية , بل وعليه أن يفسح المجال لتنشط كقوى معارضة تحت مظلة الدستور والقانون وبلا تجاوزات . إن التزام المرء بمبادئه نعمة من الله , فالمبادئ لا تتجزأ ولا تتغير بتغير زمان أو مكان , ومما لاشك فيه أن النظم الديموقراطية الحقيقية تضمن إمكانية تبادل السلطة بسلاسة تامة بين كافة القوى السياسية , إذ ربما تصل المعارضة إلى مقاعد الحكومة عبر نتائج الصندوق الانتخابي الشفاف وبعد كفاح طويل لتغيير قناعة الجماهير ببرامجها الانتخابية , ولعلنا نلاحظ أن بعض المتنافسين من الأحزاب يعترفون بالهزيمة الانتخابية ويسلمون بالنتيجة , ويحترمون الإرادة الشعبية , ثم يعملون في النهاية بلا غضاضة كمعارضة بناءة هدفها صالح الوطن , ولكننا أحياناً نرى أن هناك من لا يسلم بتفوق المنافس عليه فيشذ عن آليات العمل العام ويخرق القانون بتجاوزات لا تصح من مواطن يحب بلده ويسعى إلى تقدمه ورقيه . إن المنافسة الانتخابية لايصح أن تتحول إلى روح انتقامية بين طوائف الشعب , فمن كان ذات يوم في موقع الحكومة يجب عليه الالتزام بالقانون في التعامل مع المعارضين له فلا يلفق لهم القضايا ولا يحاصرهم بسن قوانين إستثنائية تقيد حريتهم أو تشل حركتهم , بل عليه أن يكون أكثر تسامحاً وإدراكاً بشكل يسمح له باحتواء الجميع داخل منظومة الوطن الواحد , كما يجب أن توظف كافة القدرات والإمكانات لخدمة المشروع الوطني المتفق عليه من غالبية الشعب دون إقصاء لأحد ودون إستئثار بالسلطة . إننا اليوم نعيش في مصر محنة حقيقية إختلفت فيها القوى الوطنية وتطور هذا الاختلاف من مرحلة الخلاف الفكري إلى الصدام الدموي الذي يهدد استقرار الوطن وأمنه , ولذلك فإني أشعر بمزيد من الأسى والحزن تجاه كل من يحرض على المواجهة بين الفريقين , فلست مع أي داعية أو عالم أو إعلامي يحث فريق على قتل أنصار الفريق الآخر فنحن في النهاية سنتحمل خسائر هذا الوطن من فقد الأبناء وهدم الاقتصاد وذهاب الأمن والأمان , وبالتالي حالة من الفوضى لابد وأن تنتهي بحلول عادلة وسريعة تعود بسفينة الوطن إلى الشاطئ قبل أن يؤدي الشجار إلى عطب السفينة وغرقها وهي في عرض البحر . إننا نحلم أن نحتفل بعيد الأضحى بلا ضحايا , وقد دخلنا إلى مرحلة التهدئة التي تتوقف فيها كافة أشكال العنف في الشارع أو في وسائل الإعلام أو في التعامل خارج إطار الالتزام بالقانون , فهذا كله يصب في صالح أعداء الوطن , فإذا بقي الحال على ماهو عليه من صراعات فلن نفيق إلا على أشلاء وطن كان في يوم من الأيام كبيراً بل وسنبكي جميعاً نادمين على الخراب الذي تم , والدمار الذي حل , والاقتصاد الذي انهار , والضحايا الذين فقدناهم . كلنا يحدوه الأمل أن يبادر دعاة الخير والسلام إلى المصالحة الوطنية الشاملة مع جميع الفصائل وعدم إقصاء أحد وإعلاء قيمة التسامح وروح المحبة بين الجميع . والله المستعان