لا يعني تخلي الأمريكيين عن الإخوان، رضاهم عن السيسي، فواشنطن منذ الأزمة الروسية الأوكرانية وهي أكثر فظاظة في خطابها مع القاهرة، وتحدثت صراحة بأن ما سمحت به من مساعدات عسكرية لمصر، بعد الإطاحة بمرسي، كان استجابة للأمن القومي الأمريكي، وعقبت على حكم الإعدام الجماعي الشهير بحق 529 إخوانيا ووصفته ب"غير المشرف"، وهي التصريحات الأكثر عنفا وتجريحا لقادة 3يوليو. لن ينسى الأمريكيون بأن السيسي، حاول أن يلاعبهم على المربع الروسي، ولن تنسى واشنطن، الإساءات الفجة التي صدرت من إعلام القاهرة الرسمي، واتهمت أوباما وشقيقه مالك بأنهما "إخوانيان".. ولن ينسى "جون ماكين" اتهامه بأنه شريك خيرت الشاطر في الاتجار بالسلاح غير المشروع، ولن تنسى السفيرة الأمريكية السابقة بالقاهرة "باترسون" اتهامها بأنها تدعم الجماعات الإرهابية في مصر. بالتأكيد الأمريكيون غير راضين عن "السيسي"، وفقدوا بخروج مرسي ورقة "الإسلام السني" المقاوم للتطرف الديني المسلح والمقاتل والمنتشر على رقعة كبيرة من خريطة الكرة الأرضية، وأضطروا إلى التعاطي الذي بلغ مبلغ التدليل مع الدولة الراعية ل"الإرهاب الشيعي إيران"، ما هدد تحالفاتها القديمة والمستقرة مع القوى النفطية والمالية الخليجية، ولأول مرة يمكن تسجيل "تمرد" و"تجرؤ" خليجي على سياسات واشنطن في المنطقة. كل ذلك يعني أن ثمة رؤية أمريكية ربما تكون قد استقرت عليها "واشنطن" في التعامل مع السيسي بدون صدام مباشر، صحيح أنه من الصعوبة استشراف بشكل قاطع فحوى وتفاصيل السيناريو المتوقع، إلا أن الوضع "السوداوي" الذي تتجه إليه البلد وبخطى سريعة، ربما يحمل الإدارة الأمريكية على مراقبة تلك التطورات وتركها تمضى نحو مصيرها الذي تتوقعه بحسب ما يجري على الأرض حاليا. ويبدو لي أن واشنطن تعتقد بأن السيسي ربما سينتهي مشروعه مبكرا، بدون أية تدخلات خارجية، على أساس أن الأزمة المتفاقمة، لا تحتاج إلى من يوجهها من الخارج، فهي تتحرك تحت تأثير الدفع الذاتي للسياسات المحلية العشوائية، وغير المنضبطة بالعقل ولا بالاحتراف السياسي، صوب تقليص فترة حكم المشير، بشكل ربما يقترب من فترة حكم الإخوان المسلمين، وربما تخلف اضطرابات سياسية وأمنية قد تستدعي طلب مشورة المجتمع الدولي أو تدخله للمساعدة، هذا إذا لم تستغل تلك الاضطرابات دوليا للاضرار بجغرافيا الدولة ووحدتها. ولا ينبغي أن يؤخذ مأخذ الجد، الكلام الكثير الذي تردده منافذ الإعلام الأمني، بشأن تعرض السيسي لمؤامرات خارجية، ولمحاولات اغتيال وما شابه من سيناريوهات هوليودية وعبثية، لأن العالم يراقب ما يحدث في مصر، ويعتقد بأن النخبة الحاكمة بسياساتها وطريقة إدارتها لمرحلة ما بعد الإخوان، أعفته من تحمل أعباء فاتورة إرسال الجواسيس وتوظيف المتآمرين ضد النظام القائم. عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.