بفارق أيام قليلة خرج للنور داخل وخارج مصر كتابان لاثنين من رموز جماعة الإخوان المسلمين، أحدهما لقيادة تربوية من الوزن "الملهم" الذي يثور ذكره كلما ذكرت محنة الستينيات ومتاعب إعادة بناء التنظيم عقب الخروج من السجن في سبعينيات القرن الماضي، والثاني أحد أهم رموز التنظيم الدولي للجماعة ومنظومتها الاقتصادية. الكتاب الأول الذي خرج للنور خلال الأيام الماضية هو مذكرات المستشار علي جريشة أحد رموز جيل محنة ستينيات القرن الماضي، المحنة الأشهر في تاريخ الجماعة، والذي توفي في 27 أبريل 2011 وقد حملت مذكراته عنوان "قصتي بين القضاء والإخوان والعسكر". أما الكتاب الثاني فهو كتاب (داخل الإخوان المسلمين) ومؤلفه هو رجل الأعمال الإخواني الأشهر "يوسف ندا" الذي كان يشغل "منسق العلاقات الدولية في التنظيم الدولي للجماعة". في مذكراته مهَّد المستشار جريشة لقصته بين القضاء والعسكر والإخوان بمرحلة الطفولة، مرورًا بفترة الصبا والشباب، فروى عن ميلاده عام 1935 ونشأته في محافظة الدقهلية، وتناول في تلك المرحلة ذكرياته مع والده الذي كان يعمل مدرسًا للغة العربية، فضلاً عن كونه شاعرًا، وتناول في مرحلة الصبا أيضًا ما لفت انتباهه من طوابير الكشافة التي كانت تنظمها جماعة الإخوان في ذاك الوقت بالزي العسكري، مرددين شعار الإخوان "الله غايتنا.. والرسول زعيمنا.."، كما تناول عددًا من الأحداث في مرحلة صباه، كاندلاع حرب فلسطين، ثم مقتل حسن البنا، ووقوع انقلاب عام 1952 أو ما عرف بثورة يوليو. ثم انتقل المستشار جريشة إلى مرحلة الدراسة الجامعية بكلية الحقوق جامعة القاهرة، ثم تعيينه بعد تخرجه في النيابة العامة بمدينة السويس، ثم انتقاله إلى القاهرة في النيابه العامة لقصر النيل. وروى المستشار جريشة عددًا من المواقف التي مر بها في السلك القضائي في رفضه الانصياع لأوامر الحاكم العسكري في ذلك الوقت، ومراعاة تطبيق القانون، وينتقل بعد ذلك إلى ذكرياته مع جماعة الإخوان المسلمين، وكيفية تعلقه بشعارات الجماعة وارتباطه بها، ويروي المستشار ذكرياته حول حرب فلسطين ومواقف البنا آن ذاك، بالإضافة إلى مواقف الإخوان في حربهم ضد الإنجليز، ثم يتناول بعدها خفايا جماعة الإخوان وثورة يوليو. كما تناول المستشار مرحلة فاصلة في حياته، وهي ما أطلق عليها مرحلة المحنة، وهي فترة اعتقاله من عام 1965 حتى عام 1974 وصدور حكم ضده بالسجن بتهمة قلب نظام الحكم، أو ما يعرف بتنظيم سيد قطب، وقص مواقف من مرحلة السجن والتعذيب وغباء نظام الحكم والعسكر في ذلك الوقت. ونشر المستشار في كتابه الرسائل التي كان يكتبها لزوجته وأمه عن حاله في السجن والتعامل مع الزبانية والجلادين والأيام القاسية والتعذيب الذي كان يتعرض له في السجن الحربي، وكيف كان يهرب تلك الرسائل إلى أهله من داخل السجن، ومهزلة المحاكمات العسكرية التي تعرض لها هو وبقية الإخوان في تلك الفترة، وأسرار العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م. وينتقل بعد ذلك إلى فصل "العسكر في حياتي.. عبد الناصر والسادات ومبارك"، وفيها ينقل أسرار علاقة جمال عبد الناصر بجماعة الإخوان من قبل ثورة يوليو، وحادث المنشية التي ادَّعى فيها عبد الناصر محاولة اغتياله، ثم ينتقل إلى أسرار وفاة عبد الناصر وملابسات وفاته، كما يروي ذكرياته مع اللواء فؤاد علام وكيل جهاز مباحث أمن الدولة سابقًا من مرحلة الصداقة إلى مرحلة العداء، ويروي مرحلة السادات وذكرياته معه في مرحلة ما بعد السجن. وحول الرئيس المخلوع مبارك كشف جريشة في مذكراته أن الرئيس السابق انضم إلى أشبال الإخوان المسلمين في صباه في محافظة المنوفية. وعرض ذكرياته في مرحلة العمل الجامعي في المملكة العربية السعودية بعد إخراجه من مصر بعد الإفراج عنه وإجباره على الاستقالة من السلطة القضائية، والتي من خلالها انتقل إلى العمل الدعوي في عدد من دول العالم المختلفة، كألمانيا، حين كان يشغل منصب مدير المركز الإسلامي في ميونخ، وعدد من الدول الأخرى كجنوب إفريقيا وسنغافورا وإيطاليا وأمريكا وسويسرا، فضلاً عن العديد من الدول العربية والإسلامية، وتناول في مرحلة العمل بألمانيا ذكرياته ونشاطه بعد مقتل كمال السنانيري وردود الأفعال على ذلك الأمر، كما تناول حادثة اختطاف نجله عبد الله في ألمانيا، ومحاوله اغتياله مرتين من قبل أجهزة استخبارية عربية. وفي ملاحق الكتاب يتناول المستشار جريشة عددًا من القطوف والذكريات كذكرياته مع عدد من مرشدي الإخوان والنساء اللاتي أثرن في حياته وأثرينها، وعدد من قصص الدعوة وعدد من مؤلفاته، وأبرز الشخصيات التي أثرت في حياته. كما ينشر من خلال الملاحق عددًا من الوثائق، أبرزها وثيقة كيفية التخلص من جماعة الإخوان، والتي وقَّع عليها جمال عبد الناصر، ووثيقة من ريتشارد ميتشل المبعوث الأمريكي للشرق الأوسط، وموجهة إلى المخابرات المركزية الأمريكية، والتي توصي بضرب عمل التنظيم الدولي لجماعة الإخوان التي يتنامى وجودها في المنطقة العربية، وسبل مكافحة الجماعة وتقويض عملها ونشاطها، وذلك من خلال عدة وسائل؛ أبرزها التخلص من عدد من الشخصيات الإسلامية المؤثرة الموجودة بالمملكة العربية السعودية، مثل محمد قطب وعلي جريشة ومحمد الغزالي. الرجل الغامض عادة ما يوصف رجل الأعمال الإخواني الأشهر يوسف ندا بأنه " الرجل الغامض " داخل التنظيم الدولي للجماعة، وقد تعزز هذا الوصف مع حجم الأدوار التى لعبها إقليميا ودوليا لدرجة وصلت للوساطة في نزاعات بين دول كما حدث أثناء الحرب العراقية الإيرانية في ثمانينيات القرن الماضي. يوسف ندا ليس مجرد رجل أعمال عالمي أو ملك الأسمنت في منطقة البحر المتوسط كما تصفه الصحف الفرنسية والإيطالية أو رئيس لبنك التقوى- والذي يقع مركزه الرئيسي في جزيرة ناسو بجزر البهاما المجاورة للولايات المتحدة وهي جزر متاح بها العمل على نظام "الأوفشور" في العمليات المصرفية والاستثمارية من دون مراقبة من حكومات..والذي اتهمه جورج بوش رئيس الولاياتالمتحدة بدعم الإرهاب..حيث قامت السلطات السويسرية والإيطالية وال (سي آي إيه) والخزانة الأمريكية والمباحث الفيدرالية الأمريكية بالتحقيق معه واستعانوا باثنتي عشرة دولة أخرى فلم يثبت عليه شيء..وفي أواخر عام 2001 استصدرت أمريكا قائمة من الأممالمتحدة، وضعت فيها أسماء من جنسيات مختلفة تتهمهم بدعم الإرهاب بعد هجمات 11 سبتمبر 2001 ومن بينهم يوسف ندا. وقد لعب طوال ال25 سنة الماضية دورا مهما في جماعة الإخوان المسلمين.. فهو الذي رتب العلاقة بين الإخوان والثورة الإيرانية.. وتوسط بين السعودية واليمن..والسعودية وإيران..وبذل مجهودا غير عادي في حل الأزمة بين الحكومة الجزائرية وجبهة الإنقاذ..وقام بإمداد اليمن بوثائق مهمة ساعدتها في حل نزاعها مع إريتريا حول جزر حنيش..وله أدوار أخرى في تونس والعراق وتركيا وكردستان وماليزيا وإندونيسيا..وقد كان عضوا في معهد "بينمنزو" أحد المؤسسات العلمية التابعة للأمم المتحدة وتنتمي إليه شخصيات عالمية كثيرة ورؤساء دول سابقون وسياسيون كبار قبل ان يتم تجميد عضويته فيه بعد التحقيق معه بتهمة دعم الارهاب الدولي..وقد شهدت احدى ملتقيات المعهد مشادة بينه وبين والرئيس الأمريكي ..وكان من الحاضرين (جورباتشوف) و(كوفي عنان) ..وبدأ جورج بوش الأب يتكلم فقال: "أنا وجورباتشوف أنهينا الحرب الباردة وأنهينا الاتحاد السوفيتي وقبل ذلك كان الاتحاد السوفيتي هو العدو وبنهاية الاتحاد السوفيتي يجب أن نبحث من العدو والعدو هو الأصولية والجريمة المنظمة ..الخ وبعدما إنتهي بوش الأب من الحديث تم إرسال الميكروفون ليوسف ندا فقال له: "مع احترامنا الشديد لسيادة الرئيس، أعتقد إن إحنا هنا علشان نسمع عن السلام والتسامح، لكن إحنا شايفين إن أنت بتدور على عدو حتى تحارب، أنت تبحث عن الحرب وليس عن السلام"، فانفعل انفعال شديد وضرب علي الطاولة بيديه الإثنتين، وقال: "هذه حقائق، يجب أن نعيش في الحقيقة، ويجب أن نعيش في الحقائق".