مع صدور "الاعلان الدستوري"، فقد بات لمصر، مرجعية دستورية مؤقتة، تمهد لتأسيس بيئة سياسية ديمقراطية.. فخلال الشهور القليلة القادمة، سنشاهد في مصر ولأول مرة برلمانا ورئيسا للجمهورية منتخبين، اختارهما الشعب بإرادته الحرة بدون أي شكل من أشكال الإكراه الإداري والأمني للدولة. وفي هذا السياق، لم أكن أتوقع مطلقا أن تمس المادة الثانية من الدستور، على نحو ما اقترحه د. يحيى الجمل على البابا شنودة.. لأن الخبرة أثبتت أن المجلس العسكري، شديد الوعي ليس فقط بما يريده الشعب، وإنما أيضا بمفهوم الهوية وأن لكل دولة "هوية" ينبغي التأكيد عليها في الدستور.. أو على الأقل الحفاظ على قوامها الأساسي الذي يستقي خصائصه من دين الأغلبية. المسألة ليست حصرا على شعوب الشرق، بزعم أنها شعوب متدينة بطبعها، وإنما باتت تقاليد سياسية مستقرة حتى في الدول الديمقراطية الكبرى بما فيها الأشد تطرفا في علمانيتها مثل فرنسا. البعض "يشوشر" على المادة الثانية، بزعم أنها من صنع الرئيس الراحل أنور السادات، ناور من خلالها و"ضحك" على المصريين لتمرير مواد أخرى تخدم على وجوده في قمة السلطة مدى الحياة.. وهي من "الأكاذيب" التي من انفك يطلقها المتطرفون الشيوعيون الذين ضبطوا وهم يحملون "جراكن" البنزين لاشعال الحرائق بوسط البلد في أحداث 17 و18 يناير.. وتحت أيدينا تحقيقات النيابة العامة في ذلك الوقت والمتضمنة قائمة بأسمائهم قد ننشرها في وقت لاحق إذا اقتضت الضرورة. المادة الثانية ليست "بدعة" ساداتية، وإنما مبدأ أقرته كل الدساتير المصرية منذ عام 1923، والتي شارك في كتابتها مرجعيات قبطية كبيرة.. وأيا ما كان الأمر، فإن هذه المادة باتت مع تنامي المشروع الطائفي الإنعزالي للكنيسة المصرية، منذ عام 1972، ضروة لا يمكن تجاهلها، بعد أن تعرضت الهوية المعمارية لمصر"المسلمة" لاعتداءات فجة وصريحة من خلال التمدد الخرساني والأسمنتي للكنائس غير الشرعية في الميادين العامة وفي الشوارع بشكل غير مسبوق ولا يتناسب مطلقا مع عدد المسيحيين الذين لا يتجاوزن 6% من تعداد السكان. فضلا عن أن المادة الثانية، تظل الضمانة التي تحصن المواطنين المسيحيين من التعدي على حقوقهم الدينية والمدنية، إذ تبيح المادة ب"التعدد القانوني" الذي يراعي حقوق الطوائف الدينية على تعددها.. وهي الحالة التي لا تقبلها "الدولة العلمانية" حيث يخضع كل المواطنين لقانون واحد، ما يعتبر إهدارا لحقوق الأقليات والطوائف التي ترغب في أن تحتكم إلى مرجعيتها الدينية في إدارة شؤونها الشخصية. المادة الثانية إذن لم تكن "ترفا" أو "تمييزا".. وإنما "رحمة" للجميع مسلمين ومسيحيين، وللبلد كلها حفاظا على أهم عناصر أمنها القومي وهي "هويتها الحضارية" [email protected]