الفقيه الدستوري الكبير د. يحيي الجمل له مواقف مشهورة طيبة لكنه يفاجئنا بين آن وأخر بقنبلة يطلقها في وجوهنا دون مراعاة للمشاعر الإنسانية أو أدنى ملائمة سياسية. ولا أقصد بتلك القنابل فقط ما أذيع عنه من كلامٍ خطير منطوٍ على استخفاف أو استهزاء بالذات الإلهية أتمني ألا يكون صحيحاً لكني أقصد أيضاً ما قاله في برنامج من قلب مصر مع الإعلامية "لميس الحديدي" بشأن اتفاقه مع البابا شنودة على ألا تمس المادة رقم 2 من الدستور لكن يمكن إزالة حرفي الألف واللام من كلمة المصدر الرئيسي لتصير "مصدر رئيسي" مع إضافة: لكل أقلية الأحقية في الاحتفاظ بشريعتها وإضافة مادة أخرى تتعلق بالأحوال الشخصية لأصحاب الديانات الأخرى. والسؤال: - هل من المناسب طرح هذا الموضوع الآن؟ - وهل من المقبول أن يحدث اتفاق على هذا الأمر مع البابا شنودة؟ - ولماذا الجور على ما يخص الإسلام والشريعة وتملق غيرهم؟ - ولماذا تجاهل رغبة الأغلبية لا في بقاء المادة الثانية فحسب لكن في تطويرها لما هو أفضل؟ - ولماذا طرح قضايا من المعلوم أنها ستؤجج مشاعر ملايين المسلمين بمصر الذين لن يسمحوا بإزالة أي حرف من تلك المادة؟ قنبلة أخري وقنبلة أخرى فجرها د.يحيي الجمل عندما شدد على أن الإعلان الدستوري المؤقت سيشمل قانون مباشرة الحقوق السياسية الذي يتيح للأحزاب التأسيس بمجرد الإخطار لكن على ألا تكون مبنية على مرجعية دينية. والسؤال: - لماذا لا يتم تأسيس الحزب على أساس مرجعية دينية؟ - ولماذا يحرم إتباع الأديان من أن يؤسسوا حزباً في مبادئه أو أهدافه أو برامجه على أساس ديني؟ أليس هذا الشرط يعني عدم المساواة بين المواطنين الذين يسمح لهم بإنشاء الأحزاب على أساس علماني أو اشتراكي أو حتى إلحادي بينما يمنع القانون المواطنين الآخرين الذين ينطلقون من مرجعية دينية؟ ومن غير المقبول القول بأن وضع هذا الشرط جاء لمنع ظهور أحزاب مسيحية في مقابل الأحزاب الإسلامية لأنه لا ضير في ذلك طالما التزمت تلك الأحزاب بألا تكون منابر للجدل العقيدي أو التبشير الديني واكتفت بدورها في طرح البرنامج السياسي الذي تعرض عبره رؤيتها لحل المشكلات المجتمعية وتطرح فيه استراتيجياتها لتحقيق التقدم خاصة والكنيسة الأرثوذكسية تلعب دور الحزب المسيحي منذ وقت بعيد، ولا ضير في وجود تلك الأحزاب الدينية إذا ما التزمت بعدم التمييز بين المواطنين على أساس العرق أو الدين، ولقد رأينا الأحزاب اليهودية في إسرائيل جنباً إلى جنب وجود الأحزاب العربية أو المنتمية للحركات الإسلامية ولم يحدث صراع نتيجة لهذا يهدد وجودها من جراء ذلك. وإذا كان هذا الشرط - وللأسف - سيكون موجوداً في المرسوم بقانون المزمع إصداره بشأن الأحزاب السياسية فهذا يعني استمراراً لسياسة الإقصاء للحركات الإسلامية من العمل السياسي، ودفعاً لهم إلى التحايل لدخوله بصياغة برامج لا تعبر حقيقة عن رؤيتهم كي يجتازوا هذه العقبة القانونية. وسؤال أخير: هل هذا التمييز ضد شريحة كبيرة من شعب مصر يتناسب مع ثورة 25 يناير وما حققته من حرية لكل المصريين أم أن تصريحات د. يحيي الجمل تعني أن هناك رغبة في إقصاء الإسلام عن أن الدستور وإقصاء الحركات الإسلامية عن العمل السياسي؟ أم أن هذه هي أماني د.يحيي الجمل التي يعارضها المجلس الأعلى للقوات المسلحة؟ وعلى كل حال نرجو أن لا يلقي د.يحيي الجمل بمزيد من قنابله في وجوهنا والتي تنم عن عقلية في حقيقتها إقصائية وتغرد خارج سرب الشعب الذي ينتمي إليه. وهو ما نود أن يبتعد عنه د.يحيي الجمل.