وزير الخارجية يعلق على دعوات الحرب مع إسرائيل خلال العدوان على غزة    متحدث الصحة: قانون 71 لسنة 2007 للصحة النفسية تأكيد على سرية بيانات متلقي العلاج    رمضان 2026 يشهد صراعًا دراميًا منتظرًا.. دُرّة وأحمد العوضي في قلب أحداث «علي كلاي»    حكيمي يوجه رسالة قوية لجماهير المغرب ويدعو للوحدة خلف المنتخب    خلال جولاته الميدانية.. محافظة الإسكندرية يشن حملة مكبرة بمنطقة باكوس وشارع سينما ليلى بحي شرق    حزب المحافظين يدعو لترحيل علاء عبد الفتاح من لندن.. والديهي ساخرا "خليه عندكم مش عايزينه"    قوات الاحتلال الإسرائيلي تقتحم قرية عابود شمال غرب رام الله بالضفة الغربية    محافظ الفيوم يتابع غلق لجان التصويت في اليوم الثاني لانتخابات النواب بالدائرتين الأولى والرابعة    مدير مكتبة الإسكندرية يوزع جوائز المبدعين الشباب 2025    رئيس وزراء الصومال: نستخدم القنوات الدبلوماسية للدفاع عن أرضنا ووحدتنا    التشكيل الرسمى لقمة كوت ديفوار ضد الكاميرون فى بطولة كأس أمم أفريقيا    تامر أمين ينتقد أداء الأهلي بعد الخروج من كأس مصر: المشكلة غياب الروح    المستشار إسماعيل زناتي: الدور الأمني والتنظيمي ضَمن للمواطنين الاقتراع بشفافية    أشرف الدوكار: نقابة النقل البري تتحول إلى نموذج خدمي واستثماري متكامل    بوليسيتش يرد على أنباء ارتباطه ب سيدني سويني    تفاصيل وفاة مُسن بتوقف عضلة القلب بعد تعرضه لهجوم كلاب ضالة بأحد شوارع بورسعيد    تفاصيل اجتماع وزير الرياضة مع اتحاد رفع الأثقال    القضاء الإداري يسقِط قرار منع هيفاء وهبي من الغناء في مصر    عاجل- رئيس الوزراء يستقبل المدير العام للمركز الأفريقي لمكافحة الأمراض ويؤكد دعم مصر لاستضافة الآلية الأفريقية للشراء الموحد    الأزهر للفتوي: ادعاء معرفة الغيب والتنبؤ بالمستقبل ممارسات تخالف صحيح الدين    إيمان عبد العزيز تنتهي من تسجيل أغنية "إبليس" وتستعد لتصويرها في تركيا    سكرتير مساعد الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجي بمدينة دكرنس    تراجع أسواق الخليج وسط تداولات محدودة في موسم العطلات    نائب محافظ الجيزة يتفقد عددا من المشروعات الخدمية بمركز منشأة القناطر    أمم أفريقيا 2025| منتخب موزمبيق يهزم الجابون بثلاثية    شوط سلبي أول بين غينيا الاستوائية والسودان في أمم أفريقيا 2025    ترامب يعلن توقف القتال الدائر بين تايلاند وكمبوديا مؤقتا: واشنطن أصبحت الأمم المتحدة الحقيقية    هذا هو سبب وفاة مطرب المهرجانات دق دق صاحب أغنية إخواتي    جامعة بنها تراجع منظومة الجودة والسلامة والصحة المهنية لضمان بيئة عمل آمنة    «مراكز الموت» في المريوطية.. هروب جماعي يفضح مصحات الإدمان المشبوهة    نجاح أول عملية قلب مفتوح بمستشفى طنطا العام في الغربية    سقوط عنصرين جنائيين لغسل 100 مليون جنيه من تجارة المخدرات    محافظ الجيزة يشارك في الاجتماع الشهري لمجلس جامعة القاهرة    «اليوم السابع» نصيب الأسد.. تغطية خاصة لاحتفالية جوائز الصحافة المصرية 2025    وزير الإسكان: مخطط شامل لتطوير وسط القاهرة والمنطقة المحيطة بالأهرامات    نقابة المهندسين تحتفي بالمهندس طارق النبراوي وسط نخبة من الشخصيات العامة    إسكان الشيوخ توجه اتهامات للوزارة بشأن ملف التصالح في مخالفات البناء    هيئة سلامة الغذاء: 6425 رسالة غذائية مصدرة خلال الأسبوع الماضي    محمود عاشور حكمًا لل "VAR" بمواجهة مالي وجزر القمر في كأس الأمم الأفريقية    قضية تهز الرأي العام في أمريكا.. أسرة مراهق تتهم الذكاء الاصطناعي بالتورط في وفاته    رسالة من اللواء عادل عزب مسئول ملف الإخوان الأسبق في الأمن الوطني ل عبد الرحيم علي    وزارة الداخلية تضبط 4 أشخاص جمعوا بطاقات الناخبين    صاحب الفضيلة الشيخ / سعد الفقي يكتب عن : شخصية العام!    " نحنُ بالانتظار " ..قصيدة لأميرة الشعر العربى أ.د.أحلام الحسن    من مخزن المصادرات إلى قفص الاتهام.. المؤبد لعامل جمارك بقليوب    انطلاقا من إثيوبيا.. الدعم السريع تستعد لشن هجوم على السودان    قيادات الأزهر يتفقدون انطلاق اختبارات المرحلة الثالثة والأخيرة للابتعاث العام 2026م    لتخفيف التشنج والإجهاد اليومي، وصفات طبيعية لعلاج آلام الرقبة والكتفين    أبرز مخرجات الابتكار والتطبيقات التكنولوجية خلال عام 2025    أزمة السويحلي الليبي تتصاعد.. ثنائي منتخب مصر للطائرة يلجأ للاتحاد الدولي    دار الإفتاء توضح حكم إخراج الزكاة في صورة بطاطين    بدون حبوب| أطعمة طبيعية تمد جسمك بالمغنيسيوم يوميا    كييف تعلن إسقاط 30 طائرة مسيرة روسية خلال الليل    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم فى سوهاج    هيئة الرعاية الصحية تستعرض إنجازات التأمين الصحي الشامل بمحافظات إقليم القناة    لافروف: روسيا تعارض استقلال تايوان بأي شكل من الأشكال    الناخبون يتوافدون للتصويت بجولة الإعادة في 19 دائرة ب7 محافظات    أول تعليق من حمو بيكا بعد انتهاء عقوبته في قضية حيازة سلاح أبيض    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة بين تحليلات الخبراء ومفاجآت الأقدار(3|4)
نشر في المصريون يوم 24 - 03 - 2011

الرافض والمتمرد والثائر على اختلاف درجاتهم يجمعهم أصل الغضب من وضع معين، ولكنهم يختلفون في كمه وفى كيفيفة توظيفه والاستفادة منه في تغيير هذا الوضع المعين.
• المنظرون للثورات دائما يطرحون مجموعة من التساؤلات يتحدد على ضوئها الرؤية والتصورات، هذه الأسئلة تمثل استقراء ذهنيا يحاول استشراف المستقبل، كما أنها تمثل عملية قياس نفسي واجتماعي يخبر الباحث بنوعية الحراك القادم وإرهاصاته، ويحدد إنْ كان رحم الغيب يحمل في المستقبل القريب ثورة شاملة مصحوبة بتغيير عام، أم أن القادم مجرد رفض صادر من فئة معينة من الناس لوضع معين ، إذا تغير هذا الوضع وتحقق المطلوب سكن كل شئ وعاد الناس كما كانوا ؟ وهذا ما يتحقق عادة في حالة المظاهرات الفئوية التى تطالب بتصحيح أو بتغيير واقع بعينه .
• هنالك مجموعة من الأسئلة شبه الإجرائية يطرحها المنظرون على المستوى الفردى وعلى المستوى الجماعي فيتساءلون:
• من أنت ؟، ماذا تريد ؟ من هم أصدقاؤك على هذا الطريق ؟ ومن هم أعداؤك وخصومك ؟ كم يبلغ حجم ولاء الأصدقاء لفكرتهم ؟ وهل هى مجرد فكرة في الذهن أم أنها قضية محورية يتمركز حولها كل النشاط والحركة في الواقع المعاش ؟ ما درجة ولاء أعدائك وخصومك لفكرتهم ولمبادئهم ؟ ماهي أدواتك وآلياتك ووسائلك في التغيير والثورة ؟
• على ضوء تلك التحليلات لم تكن هنالك إرهاصات في مصر المحروسة بثورة قادمة لها عقل ورأس ولها تنظيمات وتشكيلات ولها أهداف واستراتيجيات وأيديولوجية معينة .
• فقط هنالك تحليلات للخبراء وتقديرات كانت تحذر كلها ليس من ثورة منظمة ، فكل شئ في قبضة النظام وتحت سيطرته ، وكل المؤسسات القادرة على التغيير فرغت من محتواها وعلى مدى ثلاثين سنة ،ومن ثم كانت التحذيرات من بركان بشري غير واع وغير مدرك مصحوب بطوفان رهيب من الجياع يدمر كل ما في طريقه
• الجياع هؤلاء نَهَبَ النظام ثروتهم ليملأ بها خزائنه، وأكل النظام كل أقواتهم ولم يستبق لهم شيئا .
• تضمنت التحذيرات أيضا خوفا مرعبا ممن يعيشون في العشوائيات وتعدادهم يبلغ خمسة عشر مليونا من البشر ظلمهم النظام وحَوَّل ما يجب أن يكون مساكن لهم إلى فلل فاخرة، وشاليهات في شواطئ خيالية له ولحاشيته ومن يمشون في ركابه ويطبلون له ويزمرون.
• مظالم النظام لم تكن مجرد مظالم، وإنما كانت مظالم مستفزة لمشاعر الفقراء والمساكين وأهل الكوارث وأهل العشوائيات، فلم يكتف بما حل بهم من مصائب الفقر والعوز والبطالة وتكرار الكوارث وضياع الحاضر والمستقبل وجور السلطان والسلطة ، وإنما أضاف إليها السخرية وتجاهل مشاعرهم بعد تجاهل ضرورات حياتهم، ومن ثم تراكمت المظالم حتى تحولت إلى جبال من الظلمات وجبال من الغضب الساكن بعضها فوق بعض.
• الغريب أن الرئيس كانت تذكر له هذه المظالم فلا يحرك ساكنا، وكأنها تقع في جبل قاف، الأمر الذى جعل البعض يشكك في مشاعر الرجل، وأنه لا قلب له، بينما التمس له آخرون عذرا بأنه دخل غيبوبة أرذل العمر تلك التى تفصل صاحبها عقلا وذاكرة وقلبا ومشاعر عما يجرى حوله.
• الشعب المصرى الطيب والمتسامح وصاحب البال الطويل تحمل وصبر، وصبر ،وغفر وحاول كعادته أن ينسى وأن يتناسى، لكن حجم المظالم وحجم الغضب المتراكم كان أكبر من كل احتمالات البشر.
• سلوك النظام نجح بتفوق غير مسبوق في استجماع وتراكم كل أساب الغضب لدى الشعب الحليم الطيب، فجهازه وحزبه السياسي مارس على شعبه ما يعرف بالنباهة والاستحمار ، والنباهة والاستحمار تعنى أن طرفا يظن خطأ ويستقر في نفسه أنه أذكى من الجميع ، وأنه قادر على استغفال الجميع، وإخضاع الجميع، وإذلال الجميع ، ومن ثم يمارس عليهم النباهة الغبية.
• في النباهة الغبية يتعامل النظام مع شعبه وكأنهم لا عقول لهم ولا إدراك لديهم ، وأن لديهم قابلية الاستحمار فتأكل حقهم ولا يطالبونبه ، وتظلمهم ولا يغضبون ، وتصادر حريتهم وتزور إرادتهم ولا يعترضونعليك ، وتسلط عليهم "جهازك " جهاز أمن الدولة فيرتعدون ويكادون أن يموتوا خوفا لمجرد ذكر اسمه .
• في النباهة الغبية يظن الطاغية انه قد تمكن من شعبه، وأنه قد شغلهم بهمومهم حتى جعلهم يقتاتون الجوع، ويطوون بطونهم على حرمان، وتمتلئ مشاعرهم بالرعب من "أمن الدولة" أما عقولهم فيكفيها الانشغال بقطار الهموم الذى يفرم تحت عجلاته كل أمل في المستقبل أو حتى كل تطلع أو رغبة في التغيير، ومن ثم فالحاكم الطاغية آمن في سرب أجهزته ، لا يعكر صفوه كدر الكوارث التى تنزل بشعبه مهما كان عدد الضحايا .
• أكثر من ألف وأربعمائة من أبناء شعبه يغرقون بسبب عبَّارة فقدت صلاحيتها ولا تصلح للاستعمال، ووجودها في الموانى كان مظهرا من مظاهر الفساد ودليلا عليه ، وهو فساد زاد انتشاره حتى طال حياة الناس وأصبح يهدد وجودهم، ثم لا يقدم كلمة عزاء لأسر الضحايا.
• في الحاثة نفسها يهرب الجانى خارج مصر وبتوصية من أحد مرافقى الرئيس ومعاونيه ولا يقدم الرئيس كلمة اعتذار أو يأخذ موقفا ممن ساعد الجانى وسهل له عملية الهروب من مصر حتى لا يخضع للمحاكمة .
• تليفزيون سيادته في يوم وفاة حفيده أعلن الحداد العام وكسى وجوه كل المصرييين بالحزن وظهرت مذيعاته وعيونهن متورمة من شدة البكاء وقد ارتدين اللباس الأسود علامة الحداد حزنا على الحفيد الفقيد، بينما تبرع نفس الجهاز يوم أن غرقت العبارة الكارثة وضحاياها الألف وأربعمائة بإذاعة مبارة كرة قدم وفيلم كوميدى حتى يرفه عن الناس ويخرجهم من حالة الحزن ؟"
• الرئيس نفسه في واحد من حواراته ذكر المذيع أمامه أنه كان يعمل في عَبَّارة، فيعلق ضاحكا وساخرا " عَبَّارة من بتوع اليومين دول إللى بيغرقوا..؟"
• جرائم النظام وحزبه وأدواته ساعدت كثيرا على تنمية الشعور بالظلم بعد حادث الإسكندرية الذى قتل فيه الشاب خالد سعيد، وكانت تلك هى القشة التى قصمت ظهر البعير.
• دخلت أدوات العصر التكنولوجية وفي مقدمتها الفيسبوك والتويتر والإيميل على الخط لتقلل من قبضة النظام في السيطرة على المعلومة والخبر وتوجيههما الوجهة التى يريد، الأمر الذى ساعد على توضيح الحقائق وكشف المستور من الانحرافات، ثم كانت عملية عولمة الغضب.
• حادثة قتل الشاب خالد سعيد وموقف النظام اللا مبالى منها ، وعدم أخذ موقف ممن قتلوه أمام أعين الناس، وتلفيق التهم للقتيل الشاب ومحاولة تشويه صورته وترمخطة القضية ، وتحويل الضحية إلى مجرم وتوظيف الإعلام في تكريس هذا الافتراء الكارثى، كل ذلك ساعد أيضا على تنمية الشعور بالخطر المشترك لكل شباب مصر، ومن ثم تنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير الذى لا يكون ولن يأتى إلا منا ولا ينمو إلا بتضحياتنا نحن، ومن ثم فقد تجمعت كل أسباب الثورة المتمثلة في:
• فساد النظام وحزبه وأجهزته.
• تنمية الشعور بالظلم ،فلا يكفى وجود الظلم لقيام الثورات، وإنما لابد من تنمية الشعور به، وإدراك خطورة استمراره.
• تنمية الشعور بالخطرالمشترك وتعميم هذا الشعور حتى تتوفر القاعدة العريضة في الدعم والمساندة .
• تنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير، حيث يظن البعض خطأ أن مهمة التغيير تقع مسؤوليتها على شخص معين يمثل رأسا ورمزا، أو على جهة معينة تمثل مرجعية ، ومن ثم فتنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير يجعل لكل فرد نصيبا في هذا الشرف كما يوجب عليه واجبا من التضحيات عليه أن يؤدية .
• وجود القدر الكافى من مخزون الغضب ، والغضب هو القرار الأزلي للتمرد على أي وضع مهين ، ومن ثم فلا بد من وجود القدر الكافى من الغضب حيث يمثل في تلك الحالة وقود الثورة والثوار لتحريك المشاعر في اتجاه التغيير والثورة، ومن ثم تكون عملية الحشد الجماعى والجهد الجماعى والتلاحم الجماعى الذى يساعد على كسر حاجز الخوف ، وعندما يبلغ الغضب مداه فتلك هى نفسها البداية في الغييروالثورة .
• بعد البداية والتلاحم وكسر حاجز الخوف بدأ سقوط كل آليات النظام في التعامل مع الغضب الشعبي وفرار فلول الداخلية في محاولة لإثارة الرعب والفوضى داخل البلاد.
• لم يكن أمام النظام غير اللجوء لآخر حصونه القوية، القوات المسلحة التى تشكل مصدر القوة بالنسبة له ، وكانت حيثياته أنه فيها تربى، وفيها قد حكم، ومنها قد ترفع وارتقى، ثم هو قائدها الأعلى على مدى ثلاثين سنة .
• لكنه نسي أنه وعلى مدى ثلاثين سنة، حاول تهميش دور القوات المسلحة، وتفريغها من محتواها، وحاول إغراءها وإغواءها.
• نسى أيضا أن الحصن الأخير الذى لجأ إليه وهو القوات المسلحة، لا تتكون من أفراد جاءوا من المريخ، ولكنهم أبناء هذا الشعب ويشكلون درعه وذراعه، ولم تكن ولم يكن أبناؤها بعيدا عن المشهد في معاناته وضغطه على أبناء شعبه، واستخفاف النظام بعقول أبنائه، واحتكاره واحتكار حزبه وحاشيته للحكمة المطلقة، والحقيقة المطلقة، والقرار المطلق.
• من صفات الطغاة عادة أنهم ينسون عبر التاريخ ولا يذكرونها ، كما أنهم أيضا يجهلون سنن التاريخ والسنن الاجتماعية التى تحكم حركة الناس والمجتمعات ، فقديما قد تربى موسى في بيت فرعون ، لكن فراعنة العصر الحديث لا يعرفون ذلك، وأنى لهم بقراءة التاريخ والثقافة والعلم، يكفيهم من يقرأون لهم الفنجان والكف ويضربون لهم الرمل .
• يكفيهم أن تأتيهم أجهزتهم بتقاريرعمن يريدون فضحه والغدر به ليكون عبرة لكل من يعارضهم أو يخالفهم في رأي، أو يتجرأ ويقول لهم لا. ولو كان ممن حولهم ،أو كانت لا في مكانها وزمانها .
• هذه العوامل كلها تؤدى إلى نتيجة واحدة هى السقوط الاضطرارى أو السقوط القهرى، ومن ثم كانت الثورة .
• الثورة لا تعنى فقط تغييرا في النظام السياسي واستبداله بنظام آخر وانتهى الأمر ، إنما تعنى تغييرا في الرؤى والأفكار والتصورات، يوازيه ويعقبه تغيير في السلوك والحركة، ولا يمكن أن يتم هذا التغيير بثنائيته في الأفكار والرؤى والتصورات ومن ثم في السلوك والحركة فحسب ، وإنما لابد أن يسبقه ويتقدم عليه تغيير في الهمم والعزائم والإرادات .
• وبالقطع التَّغِْيير ليس هو التَّغَيُرُ ، التغير يعنى تبدلا فى المواقف مواءمة لموقف أو لشئ طارئ خوفا من آثاره في التغيير، وما يصاحب ذلك من فقدان المزايا ، ومن ثم فصاحبه لا يعود فقط لما كان عليه بعد انتهاء هذا الطارئ، وإنما يتوافق في الظاهر مع شكل وحرفية المواقف الجديدة، ولكنه لا يلبث أن يلتف عليها في الظاهر بالحيل الخادعة، وهذا هو النفاق طويل التيلة قليل الحياء ، لا يخجل من أفكاره القديمة ومواقفه القديمة وهو على استعداد لأن يعود إليها ويكرر مواقفه المخجلة إذا حانت الفرصة وسمحت الظروف.
• أصحاب هذه المواقف خطر على الثورة، وخطر على الحياة نفسها ،لأنهم يحملون في أنفسهم جراثيم نوع من النفاق الوضيع، لأصاحبه ألف وجه وألف لون وألف شكل، وهم يجيدون وبِحِرْفِيةٍ كبيرة ركوب الموجة والجري مع التيار وربما في مقدمته .
• هؤلاء هم الذين يأكلون على كل مائدة ،ويرقصون في كل في فرح وينوحون في كل مأتم ، وغالبا ما يكونون هم وراء المآثم كلها وفي كل الميادين.
• وهم أيضا لا يزالون في أماكنهم داخل المؤسسات الصحفية وفى أجهزة الإعلام المختلفة وبخاصة التلفزيون والصحف القومية ، الوجوه هى هى لم تتغير، تغيرت الجلود وبقيت القلوب والعقول والوجدان بعفنها وفسادها، وذلك ليس تغييرا ولكنه تغير فقط لمقتضيات المواقف.
• أما التغيير فيعنى أن هناك أفكارا جديدة وتصورات جديدة ورؤى جديدة حلت محل القديم وأخذت مكانه، فكأن هنالك حالة استبدال كامل تمت في ذهنية المرء وتصوراته سبقتها قطعا عملية تغيير في الإرادات والهمم والعزائم .
• عملية الاستعداد والقابلية لهذا التغيير العظيم يساعد عليها وجود الفطرة النقية التى لم تلوث، وإن غبرت ظاهرها ضغوط الحياة وثقل الهموم وتراكم المشكلات.
• يساعد عليها أيضا الكامن الحضارى والأخلاقى المتراكم في الوجدان الجمعى للبشر عبر آلاف السنين، وهذان العنصران "الفطرة النقية والكامن الحضارى والأخلاقى "مفقودان لدى أصحاب النفاق طويل التيلة قليل الحياء.
• في المواقف الخطيرة تتوجه بوصلة التوجيه في الإنسان للوجهة الصحيحة وينفض عن فطرته وعقله ووجدانه كل الغبار الذى حجب الرؤية وزكم الأنوف من قبل.
• تتوارى أيضا ضغوط الحياة وثقل الهموم وتراكم المشكلات، ويرى المتابع للأحداث خَلْقًا جديدا وخُلُقًا جديدا نفض عن كاهله كل مكبلات الحركة وقيود المظالم والخوف من الحاضر والمستقبل.
• المشهد يصبح رائعا ومبهرا وخلاقا ،فلحظاته كلها محطات انكسار وانحسار وانتصار .
• إنكسار لروح الهزيمة حيث تستبدل في التغيير بإصرار على تحقيق الهدف مهما كانت قدرات الطرف المستبد وأدوات القمع لديه وأليات القتل وعدد الجنود والحرس.
• وانحسار تام لحاجز الخوف من الموت والهجوم عليه بالإصرار على الحياة مهما بلغت التضحيات ومهما أمعن الطاغية في الوحشية واجتهد في استعمال كل ما تحتويه خزائن أمنه وحرسه وأتباعه.
• وانتصار لروح جديدة تبدلت فيها الرؤية والأفكار والتصورات القديمة برؤية أعمق وأفكار أكثر تطورا وتصورات أشمل وأدق في معرفة الصواب والخطأ .
• الفطرة النقية والكامن الحضارى والأخلاقي عمل عمله في جمع الحشود باختلاف توجهاتها وتياراتها وفصائلها ودينها أيضا في ميدان التحرير رغم الاحتقان السائد من قبل لتلتقى كلها وتذوب في إرادة واحدة حول هدف محدد وموحد وهو التغيير والثورة.
• روعة المشهد هنا لم تكن في التنوع فقط ، وإنما ظهرت في أعلى تجليات الضبط الإرادى لملايين البشر التى خرجت وملأت شوارع مصر وقراها دون أن يعكر صفوها حادث واحد إلا ما قامت به فلول الطاغية وبلطجية النظام ،وتلك كانت مفاجآت الأقدار التى تخطت تحليلات الخبراء وتجاوزت رؤية المنظرين للثورات ، فهل تستمر الفطرة النقية والكامن الحضارى وروح ميدان التحرير في حماية وحراسة الأهداف العظيمة للثورة وجمع الحشود باختلاف توجهاتها وتياراتها وفصائلها حول تلك الأهداف العظيمة ؟
أكاديمى مغترب
 رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية
 رئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.