تنسيق الشهادات الفنية 2025.. رابط التقديم لاختبارات معادلة كليات الحقوق وجدول الامتحانات    7 كليات وتخصصات جديدة.. تفاصيل المصروفات والتقديم بجامعة بورسعيد الأهلية 2025-2026    سعر الدولار اليوم الخميس 31-7-2025 أمام الجنيه المصرى الآن بالبنوك المصرية    1.6 مليار دولار صادرات الملابس بالنصف الأول من 2025 بنمو 25%    محافظ الدقهلية يتفقد المركز التكنولوجى بحى غرب المنصورة.. ويؤكد: رضا المواطن أولويتنا    من بينها توفير الأسمدة الكيماوية.. الفشن الزراعية ببنى سويف تناقش توفير نواقص الزراعة للفلاحين    خريطة الأسعار اليوم: ارتفاع الحديد والبيض والذهب    بعد طرحها رسميًا.. دونج فينج shine تنضم إلى قائمة أرخص السيارات في مصر    رئيس هيئة الأوقاف يوجّه مديري المناطق بالحفاظ على ممتلكات الهيئة وتعظيم الاستفادة منها    الرئيس الإيرانى: لا يمكن لأى قوة أن تقف فى وجه شعبنا الموحد    الصحف العالمية.. ترامب يصعد حربه التجارية ضد كندا بسبب "الدولة الفلسطينية".. إيران تطالب الرئيس الأمريكي بتعويضات عن خسائر حرب ال12 يوم ..والرسوم الجمركية الأمريكية تهدد سلال الغذاء من القهوة إلى اللحوم    رويترز: أنباء عن اندلاع حريق كبير قرب "مستشفى القائم" فى مدينة مشهد الإيرانية    لأول مرة.. وزير خارجية ألمانيا يتحدث عن إمكانية اعتراف بلاده بدولة فلسطين    بعد يوم واحد من زيارة الشيباني.. وزير الدفاع السوري يصل موسكو    أموريم: مستقبل هويلوند؟ لا أعلم ماذا سيحدث في نهاية سوق الانتقالات    عمرو ناصر: كنت أتمنى اللحاق بشيكابالا.. وجاهزون للدوري الأصعب    رودريجو يدخل دائرة اهتمامات مانشستر سيتي    صفقة تبادلية تلوح في الأفق بين الزمالك والمصري    مخدر اغتصاب الفتيات.. رفض استئناف البلوجر داليا فؤاد على حبسها سنة    إصابة 8 أشخاص في حادث انقلاب ميكروباص على طريق "دشلوط – الفرافرة"    صور الأقمار الصناعية تشير إلى تكاثر السحب المنخفضة والمتوسطة على مناطق متفرقة    مصدر بالسياحة والآثار ينفى تعرض لنش سياحى للغرق بمدينة الغردقة    تهريب ومخالفات وأحكام.. جهود أمن المنافذ 24 ساعة    إصابة عامل بحروق خطيرة إثر انفجار أسطوانة غاز داخل مطعم بقرية في الفيوم    ننشر حركة تنقلات ضباط المباحث بمراكز مديرية أمن قنا    رئيس منطقة سوهاج الأزهرية يبحث الاستعدادات لانطلاق امتحانات الدور الثانى    بالصور| أسامة منير وبشرى يشاركان في تشييع جنازة لطفي لبيب    محلل فلسطينى: من يشكك فى الدور المصرى فضحته مشاهد دخول شاحنات المساعدات إلى غزة    غدا.. قصور الثقافة تطلق الموسم الخامس من مهرجان صيف بلدنا برأس البر ودمياط الجديدة    هل انقطاع الطمث يسبب الكبد الدهني؟    يديعوت أحرونوت: نتنياهو يوجه الموساد للتفاهم مع خمس دول لاستيعاب أهالي غزة    ماذا يتضمن مشروع القانون في الكونجرس لتمويل تسليح أوكرانيا بأموال أوروبية؟    رد مثير من إمام عاشور بشأن أزمته مع الأهلي.. شوبير يكشف    البابا تواضروس أمام ممثلي 44 دولة: مصر الدولة الوحيدة التي لديها عِلم باسمها    فيديو.. طارق الشناوي ينعى لطفي لبيب: اقرأوا له الفاتحة وادعوا له بالجنة    محمد رياض يكشف أسباب إلغاء ندوة محيي إسماعيل ب المهرجان القومي للمسرح    حرام أم حلال؟.. ما حكم شراء شقة ب التمويل العقاري؟    «الطفولة والأمومة» يعقد اجتماع اللجنة التيسيرية للمبادرة الوطنية لتمكين الفتيات «دوَي»    الصحة: حملة 100 يوم صحة قدّمت 23 مليونا و504 آلاف خدمة طبية مجانية خلال 15 يوما    استحداث عيادات متخصصة للأمراض الجلدية والكبد بمستشفيات جامعة القاهرة    محافظ الدقهلية يواصل جولاته المفاجئة ويتفقد المركز التكنولوجي بحي غرب المنصورة    الشيخ أحمد خليل: من اتُّهم زورا فليبشر فالله يدافع عنه    مواعيد مباريات الخميس 31 يوليو 2025.. برشلونة ودربي لندني والسوبر البرتغالي    طريقة عمل الشاورما بالفراخ، أحلى من الجاهزة    ارتفاع أسعار الدواجن اليوم الخميس بالأسواق (موقع رسمي)    الزمالك يواجه غزل المحلة وديًا اليوم    النتيجة ليست نهاية المطاف.. 5 نصائح للطلاب من وزارة الأوقاف    وزير الصحة يعلن تفاصيل زيادة تعويضات صندوق مخاطر المهن الطبية    خلال زيارته لواشنطن.. وزير الخارجية يشارك في فعالية رفيعة المستوى بمعهد "أمريكا أولًا للسياسات"    اليوم.. بدء الصمت الانتخابي بماراثون الشيوخ وغرامة 100 ألف جنيه للمخالفين    خالد جلال يرثي أخاه: رحل الناصح والراقي والمخلص ذو الهيبة.. والأب الذي لا يعوض    استعدادا لإطلاق «التأمين الشامل».. رئيس الرعاية الصحية يوجه باستكمال أعمال «البنية التحتية» بمطروح    أمين الفتوى يوضح آيات التحصين من السحر ويؤكد: المهم هو التحصن لا معرفة من قام به    أمانة الاتصال السياسي ب"المؤتمر" تتابع تصويت المصريين بالخارج في انتخابات الشيوخ    اليوم.. المصري يلاقي هلال مساكن في ختام مبارياته الودية بمعسكر تونس    المهرجان القومي للمسرح يكرم روح الناقدين أحمد هاشم ويوسف مسلم    الأحكام والحدود وتفاعلها سياسيًا (2)    هذه المرة عليك الاستسلام.. حظ برج الدلو اليوم 31 يوليو    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الثورة بين تحليلات الخبراء ومفاجآت الأقدار(3|4)
نشر في المصريون يوم 24 - 03 - 2011

الرافض والمتمرد والثائر على اختلاف درجاتهم يجمعهم أصل الغضب من وضع معين، ولكنهم يختلفون في كمه وفى كيفيفة توظيفه والاستفادة منه في تغيير هذا الوضع المعين.
• المنظرون للثورات دائما يطرحون مجموعة من التساؤلات يتحدد على ضوئها الرؤية والتصورات، هذه الأسئلة تمثل استقراء ذهنيا يحاول استشراف المستقبل، كما أنها تمثل عملية قياس نفسي واجتماعي يخبر الباحث بنوعية الحراك القادم وإرهاصاته، ويحدد إنْ كان رحم الغيب يحمل في المستقبل القريب ثورة شاملة مصحوبة بتغيير عام، أم أن القادم مجرد رفض صادر من فئة معينة من الناس لوضع معين ، إذا تغير هذا الوضع وتحقق المطلوب سكن كل شئ وعاد الناس كما كانوا ؟ وهذا ما يتحقق عادة في حالة المظاهرات الفئوية التى تطالب بتصحيح أو بتغيير واقع بعينه .
• هنالك مجموعة من الأسئلة شبه الإجرائية يطرحها المنظرون على المستوى الفردى وعلى المستوى الجماعي فيتساءلون:
• من أنت ؟، ماذا تريد ؟ من هم أصدقاؤك على هذا الطريق ؟ ومن هم أعداؤك وخصومك ؟ كم يبلغ حجم ولاء الأصدقاء لفكرتهم ؟ وهل هى مجرد فكرة في الذهن أم أنها قضية محورية يتمركز حولها كل النشاط والحركة في الواقع المعاش ؟ ما درجة ولاء أعدائك وخصومك لفكرتهم ولمبادئهم ؟ ماهي أدواتك وآلياتك ووسائلك في التغيير والثورة ؟
• على ضوء تلك التحليلات لم تكن هنالك إرهاصات في مصر المحروسة بثورة قادمة لها عقل ورأس ولها تنظيمات وتشكيلات ولها أهداف واستراتيجيات وأيديولوجية معينة .
• فقط هنالك تحليلات للخبراء وتقديرات كانت تحذر كلها ليس من ثورة منظمة ، فكل شئ في قبضة النظام وتحت سيطرته ، وكل المؤسسات القادرة على التغيير فرغت من محتواها وعلى مدى ثلاثين سنة ،ومن ثم كانت التحذيرات من بركان بشري غير واع وغير مدرك مصحوب بطوفان رهيب من الجياع يدمر كل ما في طريقه
• الجياع هؤلاء نَهَبَ النظام ثروتهم ليملأ بها خزائنه، وأكل النظام كل أقواتهم ولم يستبق لهم شيئا .
• تضمنت التحذيرات أيضا خوفا مرعبا ممن يعيشون في العشوائيات وتعدادهم يبلغ خمسة عشر مليونا من البشر ظلمهم النظام وحَوَّل ما يجب أن يكون مساكن لهم إلى فلل فاخرة، وشاليهات في شواطئ خيالية له ولحاشيته ومن يمشون في ركابه ويطبلون له ويزمرون.
• مظالم النظام لم تكن مجرد مظالم، وإنما كانت مظالم مستفزة لمشاعر الفقراء والمساكين وأهل الكوارث وأهل العشوائيات، فلم يكتف بما حل بهم من مصائب الفقر والعوز والبطالة وتكرار الكوارث وضياع الحاضر والمستقبل وجور السلطان والسلطة ، وإنما أضاف إليها السخرية وتجاهل مشاعرهم بعد تجاهل ضرورات حياتهم، ومن ثم تراكمت المظالم حتى تحولت إلى جبال من الظلمات وجبال من الغضب الساكن بعضها فوق بعض.
• الغريب أن الرئيس كانت تذكر له هذه المظالم فلا يحرك ساكنا، وكأنها تقع في جبل قاف، الأمر الذى جعل البعض يشكك في مشاعر الرجل، وأنه لا قلب له، بينما التمس له آخرون عذرا بأنه دخل غيبوبة أرذل العمر تلك التى تفصل صاحبها عقلا وذاكرة وقلبا ومشاعر عما يجرى حوله.
• الشعب المصرى الطيب والمتسامح وصاحب البال الطويل تحمل وصبر، وصبر ،وغفر وحاول كعادته أن ينسى وأن يتناسى، لكن حجم المظالم وحجم الغضب المتراكم كان أكبر من كل احتمالات البشر.
• سلوك النظام نجح بتفوق غير مسبوق في استجماع وتراكم كل أساب الغضب لدى الشعب الحليم الطيب، فجهازه وحزبه السياسي مارس على شعبه ما يعرف بالنباهة والاستحمار ، والنباهة والاستحمار تعنى أن طرفا يظن خطأ ويستقر في نفسه أنه أذكى من الجميع ، وأنه قادر على استغفال الجميع، وإخضاع الجميع، وإذلال الجميع ، ومن ثم يمارس عليهم النباهة الغبية.
• في النباهة الغبية يتعامل النظام مع شعبه وكأنهم لا عقول لهم ولا إدراك لديهم ، وأن لديهم قابلية الاستحمار فتأكل حقهم ولا يطالبونبه ، وتظلمهم ولا يغضبون ، وتصادر حريتهم وتزور إرادتهم ولا يعترضونعليك ، وتسلط عليهم "جهازك " جهاز أمن الدولة فيرتعدون ويكادون أن يموتوا خوفا لمجرد ذكر اسمه .
• في النباهة الغبية يظن الطاغية انه قد تمكن من شعبه، وأنه قد شغلهم بهمومهم حتى جعلهم يقتاتون الجوع، ويطوون بطونهم على حرمان، وتمتلئ مشاعرهم بالرعب من "أمن الدولة" أما عقولهم فيكفيها الانشغال بقطار الهموم الذى يفرم تحت عجلاته كل أمل في المستقبل أو حتى كل تطلع أو رغبة في التغيير، ومن ثم فالحاكم الطاغية آمن في سرب أجهزته ، لا يعكر صفوه كدر الكوارث التى تنزل بشعبه مهما كان عدد الضحايا .
• أكثر من ألف وأربعمائة من أبناء شعبه يغرقون بسبب عبَّارة فقدت صلاحيتها ولا تصلح للاستعمال، ووجودها في الموانى كان مظهرا من مظاهر الفساد ودليلا عليه ، وهو فساد زاد انتشاره حتى طال حياة الناس وأصبح يهدد وجودهم، ثم لا يقدم كلمة عزاء لأسر الضحايا.
• في الحاثة نفسها يهرب الجانى خارج مصر وبتوصية من أحد مرافقى الرئيس ومعاونيه ولا يقدم الرئيس كلمة اعتذار أو يأخذ موقفا ممن ساعد الجانى وسهل له عملية الهروب من مصر حتى لا يخضع للمحاكمة .
• تليفزيون سيادته في يوم وفاة حفيده أعلن الحداد العام وكسى وجوه كل المصرييين بالحزن وظهرت مذيعاته وعيونهن متورمة من شدة البكاء وقد ارتدين اللباس الأسود علامة الحداد حزنا على الحفيد الفقيد، بينما تبرع نفس الجهاز يوم أن غرقت العبارة الكارثة وضحاياها الألف وأربعمائة بإذاعة مبارة كرة قدم وفيلم كوميدى حتى يرفه عن الناس ويخرجهم من حالة الحزن ؟"
• الرئيس نفسه في واحد من حواراته ذكر المذيع أمامه أنه كان يعمل في عَبَّارة، فيعلق ضاحكا وساخرا " عَبَّارة من بتوع اليومين دول إللى بيغرقوا..؟"
• جرائم النظام وحزبه وأدواته ساعدت كثيرا على تنمية الشعور بالظلم بعد حادث الإسكندرية الذى قتل فيه الشاب خالد سعيد، وكانت تلك هى القشة التى قصمت ظهر البعير.
• دخلت أدوات العصر التكنولوجية وفي مقدمتها الفيسبوك والتويتر والإيميل على الخط لتقلل من قبضة النظام في السيطرة على المعلومة والخبر وتوجيههما الوجهة التى يريد، الأمر الذى ساعد على توضيح الحقائق وكشف المستور من الانحرافات، ثم كانت عملية عولمة الغضب.
• حادثة قتل الشاب خالد سعيد وموقف النظام اللا مبالى منها ، وعدم أخذ موقف ممن قتلوه أمام أعين الناس، وتلفيق التهم للقتيل الشاب ومحاولة تشويه صورته وترمخطة القضية ، وتحويل الضحية إلى مجرم وتوظيف الإعلام في تكريس هذا الافتراء الكارثى، كل ذلك ساعد أيضا على تنمية الشعور بالخطر المشترك لكل شباب مصر، ومن ثم تنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير الذى لا يكون ولن يأتى إلا منا ولا ينمو إلا بتضحياتنا نحن، ومن ثم فقد تجمعت كل أسباب الثورة المتمثلة في:
• فساد النظام وحزبه وأجهزته.
• تنمية الشعور بالظلم ،فلا يكفى وجود الظلم لقيام الثورات، وإنما لابد من تنمية الشعور به، وإدراك خطورة استمراره.
• تنمية الشعور بالخطرالمشترك وتعميم هذا الشعور حتى تتوفر القاعدة العريضة في الدعم والمساندة .
• تنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير، حيث يظن البعض خطأ أن مهمة التغيير تقع مسؤوليتها على شخص معين يمثل رأسا ورمزا، أو على جهة معينة تمثل مرجعية ، ومن ثم فتنمية الشعور بالحق المشترك في التغيير يجعل لكل فرد نصيبا في هذا الشرف كما يوجب عليه واجبا من التضحيات عليه أن يؤدية .
• وجود القدر الكافى من مخزون الغضب ، والغضب هو القرار الأزلي للتمرد على أي وضع مهين ، ومن ثم فلا بد من وجود القدر الكافى من الغضب حيث يمثل في تلك الحالة وقود الثورة والثوار لتحريك المشاعر في اتجاه التغيير والثورة، ومن ثم تكون عملية الحشد الجماعى والجهد الجماعى والتلاحم الجماعى الذى يساعد على كسر حاجز الخوف ، وعندما يبلغ الغضب مداه فتلك هى نفسها البداية في الغييروالثورة .
• بعد البداية والتلاحم وكسر حاجز الخوف بدأ سقوط كل آليات النظام في التعامل مع الغضب الشعبي وفرار فلول الداخلية في محاولة لإثارة الرعب والفوضى داخل البلاد.
• لم يكن أمام النظام غير اللجوء لآخر حصونه القوية، القوات المسلحة التى تشكل مصدر القوة بالنسبة له ، وكانت حيثياته أنه فيها تربى، وفيها قد حكم، ومنها قد ترفع وارتقى، ثم هو قائدها الأعلى على مدى ثلاثين سنة .
• لكنه نسي أنه وعلى مدى ثلاثين سنة، حاول تهميش دور القوات المسلحة، وتفريغها من محتواها، وحاول إغراءها وإغواءها.
• نسى أيضا أن الحصن الأخير الذى لجأ إليه وهو القوات المسلحة، لا تتكون من أفراد جاءوا من المريخ، ولكنهم أبناء هذا الشعب ويشكلون درعه وذراعه، ولم تكن ولم يكن أبناؤها بعيدا عن المشهد في معاناته وضغطه على أبناء شعبه، واستخفاف النظام بعقول أبنائه، واحتكاره واحتكار حزبه وحاشيته للحكمة المطلقة، والحقيقة المطلقة، والقرار المطلق.
• من صفات الطغاة عادة أنهم ينسون عبر التاريخ ولا يذكرونها ، كما أنهم أيضا يجهلون سنن التاريخ والسنن الاجتماعية التى تحكم حركة الناس والمجتمعات ، فقديما قد تربى موسى في بيت فرعون ، لكن فراعنة العصر الحديث لا يعرفون ذلك، وأنى لهم بقراءة التاريخ والثقافة والعلم، يكفيهم من يقرأون لهم الفنجان والكف ويضربون لهم الرمل .
• يكفيهم أن تأتيهم أجهزتهم بتقاريرعمن يريدون فضحه والغدر به ليكون عبرة لكل من يعارضهم أو يخالفهم في رأي، أو يتجرأ ويقول لهم لا. ولو كان ممن حولهم ،أو كانت لا في مكانها وزمانها .
• هذه العوامل كلها تؤدى إلى نتيجة واحدة هى السقوط الاضطرارى أو السقوط القهرى، ومن ثم كانت الثورة .
• الثورة لا تعنى فقط تغييرا في النظام السياسي واستبداله بنظام آخر وانتهى الأمر ، إنما تعنى تغييرا في الرؤى والأفكار والتصورات، يوازيه ويعقبه تغيير في السلوك والحركة، ولا يمكن أن يتم هذا التغيير بثنائيته في الأفكار والرؤى والتصورات ومن ثم في السلوك والحركة فحسب ، وإنما لابد أن يسبقه ويتقدم عليه تغيير في الهمم والعزائم والإرادات .
• وبالقطع التَّغِْيير ليس هو التَّغَيُرُ ، التغير يعنى تبدلا فى المواقف مواءمة لموقف أو لشئ طارئ خوفا من آثاره في التغيير، وما يصاحب ذلك من فقدان المزايا ، ومن ثم فصاحبه لا يعود فقط لما كان عليه بعد انتهاء هذا الطارئ، وإنما يتوافق في الظاهر مع شكل وحرفية المواقف الجديدة، ولكنه لا يلبث أن يلتف عليها في الظاهر بالحيل الخادعة، وهذا هو النفاق طويل التيلة قليل الحياء ، لا يخجل من أفكاره القديمة ومواقفه القديمة وهو على استعداد لأن يعود إليها ويكرر مواقفه المخجلة إذا حانت الفرصة وسمحت الظروف.
• أصحاب هذه المواقف خطر على الثورة، وخطر على الحياة نفسها ،لأنهم يحملون في أنفسهم جراثيم نوع من النفاق الوضيع، لأصاحبه ألف وجه وألف لون وألف شكل، وهم يجيدون وبِحِرْفِيةٍ كبيرة ركوب الموجة والجري مع التيار وربما في مقدمته .
• هؤلاء هم الذين يأكلون على كل مائدة ،ويرقصون في كل في فرح وينوحون في كل مأتم ، وغالبا ما يكونون هم وراء المآثم كلها وفي كل الميادين.
• وهم أيضا لا يزالون في أماكنهم داخل المؤسسات الصحفية وفى أجهزة الإعلام المختلفة وبخاصة التلفزيون والصحف القومية ، الوجوه هى هى لم تتغير، تغيرت الجلود وبقيت القلوب والعقول والوجدان بعفنها وفسادها، وذلك ليس تغييرا ولكنه تغير فقط لمقتضيات المواقف.
• أما التغيير فيعنى أن هناك أفكارا جديدة وتصورات جديدة ورؤى جديدة حلت محل القديم وأخذت مكانه، فكأن هنالك حالة استبدال كامل تمت في ذهنية المرء وتصوراته سبقتها قطعا عملية تغيير في الإرادات والهمم والعزائم .
• عملية الاستعداد والقابلية لهذا التغيير العظيم يساعد عليها وجود الفطرة النقية التى لم تلوث، وإن غبرت ظاهرها ضغوط الحياة وثقل الهموم وتراكم المشكلات.
• يساعد عليها أيضا الكامن الحضارى والأخلاقى المتراكم في الوجدان الجمعى للبشر عبر آلاف السنين، وهذان العنصران "الفطرة النقية والكامن الحضارى والأخلاقى "مفقودان لدى أصحاب النفاق طويل التيلة قليل الحياء.
• في المواقف الخطيرة تتوجه بوصلة التوجيه في الإنسان للوجهة الصحيحة وينفض عن فطرته وعقله ووجدانه كل الغبار الذى حجب الرؤية وزكم الأنوف من قبل.
• تتوارى أيضا ضغوط الحياة وثقل الهموم وتراكم المشكلات، ويرى المتابع للأحداث خَلْقًا جديدا وخُلُقًا جديدا نفض عن كاهله كل مكبلات الحركة وقيود المظالم والخوف من الحاضر والمستقبل.
• المشهد يصبح رائعا ومبهرا وخلاقا ،فلحظاته كلها محطات انكسار وانحسار وانتصار .
• إنكسار لروح الهزيمة حيث تستبدل في التغيير بإصرار على تحقيق الهدف مهما كانت قدرات الطرف المستبد وأدوات القمع لديه وأليات القتل وعدد الجنود والحرس.
• وانحسار تام لحاجز الخوف من الموت والهجوم عليه بالإصرار على الحياة مهما بلغت التضحيات ومهما أمعن الطاغية في الوحشية واجتهد في استعمال كل ما تحتويه خزائن أمنه وحرسه وأتباعه.
• وانتصار لروح جديدة تبدلت فيها الرؤية والأفكار والتصورات القديمة برؤية أعمق وأفكار أكثر تطورا وتصورات أشمل وأدق في معرفة الصواب والخطأ .
• الفطرة النقية والكامن الحضارى والأخلاقي عمل عمله في جمع الحشود باختلاف توجهاتها وتياراتها وفصائلها ودينها أيضا في ميدان التحرير رغم الاحتقان السائد من قبل لتلتقى كلها وتذوب في إرادة واحدة حول هدف محدد وموحد وهو التغيير والثورة.
• روعة المشهد هنا لم تكن في التنوع فقط ، وإنما ظهرت في أعلى تجليات الضبط الإرادى لملايين البشر التى خرجت وملأت شوارع مصر وقراها دون أن يعكر صفوها حادث واحد إلا ما قامت به فلول الطاغية وبلطجية النظام ،وتلك كانت مفاجآت الأقدار التى تخطت تحليلات الخبراء وتجاوزت رؤية المنظرين للثورات ، فهل تستمر الفطرة النقية والكامن الحضارى وروح ميدان التحرير في حماية وحراسة الأهداف العظيمة للثورة وجمع الحشود باختلاف توجهاتها وتياراتها وفصائلها حول تلك الأهداف العظيمة ؟
أكاديمى مغترب
 رئيس المؤسسة الأسترالية للثقافة الإسلامية
 رئيس إذاعة القرآن الكريم في أستراليا


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.