تقيم الجامعة الأمريكية بالقاهرة المحاضرات وتعقد الندوات من أجل "المشاركة" في التطور السياسي - غير المسبوق – الحادث حالياً في مصر. تتلخص مشاركتها في دعم شباب ميدان التحرير عبر توعيتهم سياسياً ليُكملوا طريقهم نحو الديمقراطية في أمنٍ وأمان. نقاشات وجدالات.... تقيمها الجامعة الأمريكية هنا وهناك من أجل جذب الشباب المصري نحو "المنارة" الديمقراطية الأمريكية التي تريد "احتضان" الشباب المصري الثائر. تداهمني عدة تساؤلات، منها: بأي منطق وبأي عقل تقوم الجامعة الأمريكية الآن بدعم التطور السياسي الديمقراطي الجاري حالياً على الأراضي المصرية؟ ألم تكن هذه الجامعة أداة من أدوات الإدارة الأمريكية لخلق تطبيع بين الشباب المصري وبين الولايات المتحدة؟ألم تكن هذه الجامعة – ومثيلاتها من الجامعات الأمريكية في أنحاء العالم العربي – من ضمن الأدوات الرخوة المهمة التي كانت "تستخدمها" و"توظفها" الإدارات الأمريكية المتوالية على مدى أكثر من عشرة عقود؟ إن الإدارة الأمريكية هي التي دعمت حكم "مبارك" على مدى 32 عاماً؛ بل ودعمت جميع الأنظمة العربية المستبدة لتضمن استقرار المنطقة، من أجل تأمين مصلحتين إستراتيجيتين: دعم إسرائيل وضمان تدفق النفط. لقد كانت الإدارة الأمريكية مُطلعة جيداً على استبداد أمن الدولة بالمواطن المصري؛ بل كانت "تستشير" هذا الجهاز المُجرم وغير الإنساني في كيفية تعذيب سجناء "جوانتانامو"؛ وكانت مُطلعة جيداً على تزوير الانتخابات على كافة المستويات..رئاسية وبرلمانية ومحلية. فبأي "عين" يقفز علينا "أوباما" مخاطباً الشباب المصري الثائر قائلاً: سيتعلم الشباب الأمريكي منكم؟ ثم ألم يتبين لنا أن كثيراً من الأسلحة التي استخدمتها الشرطة المصرية في "جمعة الغضب" – ضد أحرار الشعب المصري - كان مكتوباً عليها "صُنع في أمريكا"؟ بل تبين أنها أسلحة محظورة دولياً؟ بل تبين أن كثيراً منها مُستورد من بريطانيا كما أدلت مجلة "الإندبندنت"؟ أعجبني موقف شباب الثورة الرافض للحديث مع وزيرة الخارجية الأمريكية التي جاءت في زيارتها الأولى لمصر منذ ثورة 25 يناير. أعجبني موقفهم الرافض على الرغم من محاولات "أوباما" خطب ود هذا الشباب، وعلى الرغم من محاولات الجامعة الأمريكية جذبهم نحو "المنارة" المزعومة التي تعد بديمقراطيةٍ على المقاس الأمريكي الذي لن يرضى بنتائج ديمقراطية مناهضة للمصالح الإستراتيجية الأمريكية بالمنطقة. كلمة أخيرة، إن التهيئة الأمريكية للمشروع الديمقراطي في مصر، وغيرها، لن توافق على تغيير النظام، وإن وافقت على تغيير رموز النظام. فسقف الإصلاح بالنسبة للإدراة الأمريكية لم ولن يتعدى ذلك. والسبب ببساطة يتمثل في ارتباط المصالح الإستراتيجية الأمريكية مع ذلك النظام القديم.